قطاع الصحة في انهيار دائم.. مؤشر العنف والجريمة ارتفع إلى مستويات عليا.. ظاهرة أطفال الشوارع وتجارة الأعضاء تستفحل بقوة. ووراء وأمام كل هذا.. الفقر.. المصبية الكبرى التي ابتليت بها مصر. الفقر الخطر الذي أصاب مقومات الدولة في العمق ليلتهم كل إمكانات انبثاق ضوء جديد أو مشروع جديد يخرج أكبر بلد عربي من عتمة الحاضر المرتهن إلى مستقبل يكون أقل ثقلا وقسوة. إضافة إلى ملفات تظل مفتوحة وفي انتظار معالجة جادة. هي أم الدنيا أم أرملة العواصم؟.. حادثة المقطم.. مأساة العبارة.. الانهيارات الصخرية في الدويقة وامتداد طوابير الخبز... أكثر من 40 بالمائة من السكان في مصر أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، منهم حوالي 15 مليونا يسكنون العشش والمقابر. ويشير آخر تقرير للبنك الدولي أن 48 مليون مصري يعيشون في مناطق عشوائية ويصفهم بأنهم جوعى ومرضى ومحرومون من الغذاء والمأوى والتكنولوجيا والرعاية الصحية. لكن هذه الأرقام وحدها قد لا تكشف حقيقة ما يحدث من أزمات صادمة داخل المجتمع المصري. ويكفي التذكير بالفضيحة المدوية العام الماضي عندما رصدت صحيفة محلية بالدليل الموثق إحدى أكبر عمليات المتاجرة بالأعضاء في عدد من مستشفيات القاهرة، تورطت فيها مافيا منظمة تتاجر بأعضاء الأطفال المشردين. وتختلف التسعيرات المحددة في "أسواق الأعضاء البشرية" في مصر، إذ تكلف الكلى مثلا ما بين 20 و40 ألف جنيه ولا يقل سعر جزء من الكبد عن 40 ألف جنيه، أما ثمن فص من الرئة فيبلغ 20 ألف جنيه ويناهز ثمن قرنية العين 15 ألف جنيه. وتقدر جهات صحية عدد عمليات زرع الكلي غير القانونية التي تتم كل عام ب500 فيما يقدرها خبراء قانون بأكثر من هذا. ويحاول برلمانيون إصدار قانون يحظر الاتجار بالأعضاء البشرية ويقولون إن هذه الممارسة أسوأ من الرقيق، مشيرين إلى أنهم لا يريدون أن يتحول الفقراء إلى قطع غيار للأغنياء. وكانت فضيحة مماثلة صدمت المصريين قبل عشر سنوات عندما نشرت صحف محلية خبرا عن مقتل 25 طفلا مصريا في الميتم الحكومي في محافظة المنوفية وتم بيع أجزاء من أجسادهم إلى المستشفيات الخاصة في مصر ليجري بعد ذلك زرعها في أجساد الأغنياء الذين هم بحاجة إليها. ولعل الصورة الأخطر في هذا المشهد المأساوي ما كشفته صحيفة "شيكاغو تريبيون" الأمريكية من أن الإحصائيات تؤكد أن نسبة المنتحرين في مصر تزيد عاماً بعد آخر، مشيرة إلى أن عدد حالات المنتحرين الذين وصلوا مركز السموم بجامعة عين شمس العام الماضي بلغوا عشرة آلاف و679 منتحراً في نطاق محافظة القاهرة فقط. والانتحار ليس سوى إحدى المظاهر التي بدأت تنتشر بقوة في المجتمع المصري، فقد أكد تقرير للمجلس الوطني لمكافحة إدمان المخدرات انتشار الإدمان بشكل فاحش في مصر وأن عدد المدمنين وصل إلى 6 ملايين، مشيرا إلى أن 439 ألف طفل يتعاطون المخدرات بشكل منتظم في مصر. وأكد التقرير أن البانجو هو الأكثر استهلاكا مع انتشار الكوكايين والهيروين والمخدرات الصناعية مثل حبوب الهلوسة في الأسواق المحلية. وحسب وكالة الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة فإن موقع مصر الجغرافي يجعلها مركز العمليات لتهريب الهيروين والقنب الهندي من جنوب شرق آسيا إلي أوروبا، وأكدت الوكالة أن زراعة البانجو منتشرة على مساحات واسعة في سيناء مع وجود حقول شاسعة من الأفيون في شبه جزيرة سيناء. ويمكن تلخيص الوضع الاجتماعي المتدهور في مصر من خلال تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الذي وضع مصر في المرتبة 113 بين الدول المهتمة بالتنمية البشرية والذي يؤكد تراجع مصر عن الكثير من الدول العربية مثل سلطنة عمان التي جاء ترتيبها في المركز ال 56 وفلسطين 100 وسوريا 107 إضافة إلى تأخرها الشديد عن إسرائيل التي احتلت المركز 23. وتكشف دراسات حكومية في مصر أن أوضاع مئات الآلاف من المصريين تعتبر "مأساوية"، بسبب الارتفاع المستمر في أسعار الوحدات السكنية الشعبية وعدم مقدرة هؤلاء على توفير سكن مناسب لهم. فقد أكدت دراسة لوزارة الإسكان أن عدد سكان المقابر وصل إلى حوالي نصف مليون في القاهرة وحدها، منهم 1150 أسرة تستأجر أحواش المدافن التي تقيم فيها و3088 أسرة ليست لديهم مطابخ و1233 أسرة لديهم دورات مياه مشتركة. فيما أكد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن 1.5 مليون مصري يعيشون في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي، وجبانات عين شمس ومدينة نصر ومصر الجديدة. وأشار التقرير إلى أن سكان العشوائيات - ومنها مناطق المقابر - بلغ حوالي 8 ملايين مواطن، موزعين على 794 منطقة سكنية في كافة أنحاء مصر، إلا أن النسبة الكبيرة منها حول القاهرة الكبرى بسبب الهجرة للعاصمة بحثا عن عمل. وسكن المقابر في مصر عادة موجودة منذ القرن قبل الماضي، فأول إحصاء لعدد سكان المقابر بلغ قرابة 35 ألف نسمة عام 1898 ومنذ ذلك الوقت وتعدادات السكان المختلفة تشير إلى زيادة العدد وأن أعداد سكان المقابر قد شهدت قفزة كبيرة في فترات السبعينيات والثمانينيات مع تزايد أزمة السكن. أما المعضلة الثانية التي تواجه 37 بالمائة من أبناء الشعب المصري، هي مشكلة سكان العشوائيات، وهي بالطبع ليست بأحسن حالا من سكان المقابر، فكلاهما في كفة واحدة، وهي كفة الفقر والحرمان والشقاء. والعشوائيات أصبحت مثل علب السردين المغلقة، لا تستطيع سيارة مطافئ ولا إسعاف ولا شرطة أن تدخلها، فشوارعها ضيقة وملتوية مثل الثعابين، فقد أصبحت بما تحتويه من كافة السمات غير الحضارية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية قنابل موقوتة، سرعان ما بدأت في الانفجار في صورة جرائم قتل ومخدرات وبلطجة، والإرهاب وهذا هو الأخطر، والأرقام تؤكد حجم الكارثة، فقد وصلت العشوائيات في أنحاء مصر حسب الإحصاءات الرسمية إلى 897 منطقة، تستأثر القاهرة الكبرى بعدد 172 منطقة عشوائية موزعة على المحافظات الثلاث، فتصل في القاهرة إلى 76 منطقة، الجيزة إلى 36، والقليوبية 60 منطقة، وقد امتدت مساحات المناطق العشوائية في القاهرة الكبرى إلى مساحة 137 كيلومترا مربعا، حيث يعيش بها حوالي 8 ملايين نسمة. وتتصف العشوائيات بخصائص اقتصادية يغلب عليها الفقر العام، هذا فضلا عن هشاشة البنية التحتية لمثل هذه الأحياء، وهو ما كان له تأثير مباشر على كارثة المقطم التي شهدت المئات من القتلى إثر الانهيارات الصخرية. وعموما فإن هناك قاسم مشترك يجمع بين عدد كبير من المدونين في مصر وهو الاحتجاج على الحكومة بسبب الكوارث المتواترة التي لحقت بالشعب المصري ومنها إلى جانب حادثة المقطم، موت المصريين في حادث العبارة والانهيارات الصخرية في الدويقة وامتداد طوابير الخبز وانتشار الملايين من المتسولين في الشوارع. ولكن إلى جانب تلك الكوارث فإنه لا يمكن إغفال موضة الحرائق في مصر. إذ تتجه مصر إلى تسجيل رقم قياسي في عدد الحرائق، حيث ذكرت دراسة حديثة صادرة عن مركز الأمان النووي أن عدد الحرائق في مصر يصل إلى 20 ألف حريق سنويا. وأشارت الدراسة التي أعدتها الدكتورة سامية رشاد إلى أن معظم الحرائق تقع في محافظتي القاهرةوالجيزة بسبب الزحام الشديد وتكدس المنازل والمحلات التجارية والمخازن بها. وأكدت أن 50 بالمائة من الحرائق بسبب الإهمال وتراخي العنصر البشري في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تلك الحرائق. وكثيرا ما تلقي الحكومة فشلها في مواجهة الكوارث على تواتر "الماس الكهربائي"، غير أن المتهم الأساسي الذي يراه المنتقدون لسياسة الحكومة هو الفساد والإهمال داخل المؤسسات، حيث يرى دكتور نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الأهرام الاستراتيجي أن الحرائق استمرار لثقافة الإهمال وغياب الرقابة الإدارية والفنية. وحسب إحصائيات المنظمة العربية للتنمية، فاق عدد الحرائق في مصر 30 ألف حالة خلال السنوات الخمس الماضية، وقد رصدت المنظمة 400 مليون جنيه حجم الخسائر السنوية، بينما يبلغ عدد الضحايا 600 شخص. وأكثر ما يخشاه المصريون الآن هو أن تنتقل موجة الحرائق إلى المشهد السياسي. المساعدات الأمريكية كبّلت مصر.. صادرت إرادتها السياسية وضربت دورها في المنطقة يتحسر معارضو النهج القائم في مصر، سواء في الداخل أو على امتداد الوطن العربي على الدور الذي انسحبت إليه الدولة العربية الكبرى، لأنهم ينطلقون من مسلمة مفادها أن مصر يجب أن تكون أكبر من أي حجم يمكن أن يسطّره لها الآخرون، هم يقولون ذلك وفي أذهانهم عاملان: معاهدة كامب ديفيد المشؤومة للسلام مع إسرائيل، والمساعدات الأمريكية السنوية. مرارة المساعدات الأمريكية هي التي أرهقت مصر الكنانة، وجعلت من النظام غير قادر على التنفس من غيرها أو الحياة من دونها. وفي الواقع فإن المساعدات الأمريكية نجحت في مصادرة إرادة مصر السياسية وضرب دورها في المنطقة، وبأبسط توضيح، فإن المساعدات الأمريكية كبلت النظام من الداخل وسلبت قراره، ووصل التدخل الأمريكي في الكثير من القضايا الحساسة حدا ينتقص من السيادة، مثلما حصل في قضيتي سعد الدين إبراهيم وأيمن نور المعارضين، كما تجلت أيضا في التدخل الأمريكي في قضية ما يسمى بالحريات، لا سيما في عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش، كما أن الرئيس الجديد باراك أوباما ليس في وارد التعاطي بسياسة مختلفة، مع من توصف بالدولة الحليفة. وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، احتل ملف الحريات وحقوق الإنسان أهمية متزايدة في العلاقات المصرية -الأمريكية، ولطالما سجّل هذا الملف إحدى نقاط الخلاف بين الطرفين، ليس فقط لارتباطه بالداخل المصري وما يمثله ذلك من حساسية للحكومة المصرية، وإنما أيضا بسبب سعي بعض الساسة وأعضاء الكونجرس الأمريكي لتوظيف هذا الملف وجعله في خدمة مصالح وأهداف أخرى أبعد ما تكون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد زاد الأمر تعقيداً سعي بعض نشطاء أقباط المهجر لتوظيف هذا الملف من أجل الضغط على الحكومة المصرية للمطالبة بالمزيد من الانفتاح السياسي والتعاطي مع مطالب الأقباط بجدية، من خلال الدعوة إلى إصلاح الدستور. ومن أبرز مظاهر التدخل الأمريكي ، ما بات يُعرف بالقرار 1303 الذي اقترحه العام الماضي النائب الجمهوري المحافظ فرانك وولف على مجلس النواب الأمريكي، ووولف هو من النواب المحافظين المقربين من عدد من النشطاء الأقباط، ويدين مشروعه ما يسميه انتهاكات مصر لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات بها ويطالب فيه الحكومة المصرية بكثير من الإصلاحات. وطالب مشروع القانون الحكومة المصرية بضرورة احترام حقوق الإنسان والحريات الدينية وحرية التعبير، كما يستنكر موقف الحكومة المصرية من عدم وفائها بوعودها الخاصة بمنع حبس الصحفيين والمدونين. وذكر المشروع أيضا أن من زعم أنها أقليات بمصر كالشيعة والبهائيين يعانون من الاضطهاد والحبس، وذكر أيضا أنه يتم ذم اليهود في وسائل الإعلام المملوكة للدولة. وكان ملفتاً عدم إشارة مشروع القانون إلى المعتقلين السياسيين ذوي الخلفيات الإسلامية كالإخوان المسلمين في مصر. وقد أولى المشروع اهتماماً خاصاً بوضع الأقباط في مصر، مشيراً إلى أن الأقباط الذين يشكلون أكبر أقلية دينية في مصر، وأكبر تجمع للمسيحيين في الشرق الأوسط، يعانون من أشكال كثيرة من التمييز. ولتحقيق أهدافها تجد الإدارات الأمريكية واللوبيات في ورقة المساعدات خير وسيلة للضغط على صانع القرار السياسي المصري، سواء كان ذلك بدافع ذاتي أو بطلب ممن يسمون معارضين مصريين، مثلما فعل ذلك العام الماضي سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، حين طالب المشرعين الأمريكيين باستخدام نفوذهم لربط المساعدة التي تقدمها الولاياتالمتحدة لمصر بإجبار النظام على ممارسة دعم أكبر للحريات السياسية والإعلامية وعلى استقلالية أكبر للقضاء. وسعى إبراهيم لدى أعضاء الكونجرس الأمريكي لربط مساعدة الولاياتالمتحدة البالغة 1.5 مليار دولار سنويا إلى مصر بشروط. وشهدت المساعدة الأمريكية لمصر التي أصبحت ثاني أكبر مستفيد من المساعدات الأمريكية في عام 1979 بعد موافقتها على إبرام السلام مع إسرائيل، تراجعا في قيمتها البالغة 2 مليار دولار سنويا خلال العامين الماضيين. يذكر أن طلب المساعدات المالية لعام 2009 انطوى على انخفاض بنسبة 12 بالمئة عن العام الجاري الذي بلغت فيه رزمة المساعدات 1.71 مليار دولار، وعلى ما يبدو لم تفلح المشاورات التي تجريها القاهرة مع واشنطن في تحقيق اتفاق. وتعتبر المساعدات سيفا يجرد سرا وعلنا، كلما اختلفت السياسة المصرية مع السياسة الأمريكية بشأن أي قضية خارجية وأحيانا داخلية، لأنها مساعدات مربوطة، أي أنها لا تدخل للميزانية المصرية مباشرة وتكون مصر حرة في التصرف فيها، كما هو الحال بالنسبة للمساعدات الأمريكية لإسرائيل، حيث تكون المساعدات الأمريكية مربوطة بقيام مصر بالاستيراد من الولاياتالمتحدة. ووفقا لتقارير هيئة المعونة الأمريكية فإن حجم المساعدات الأمريكية لمصر طيلة ثلاثة عقود قدر إجمالا بنحو 29 مليار دولار، وهي أكبر مساعدات من هيئة المعونة الأمريكية تحصل عليها دولة أجنبية، بغض النظر عن كون إسرائيل المتلقي الأول للمساعدات الأمريكية بشكل عام بشقيها العسكري والتنموي. وإذا كانت المساعدات الأمريكية تقدم لمصر أو لأي دولة، مقابل حصول الولاياتالمتحدة على منافع سياسية واستراتيجية وأحيانا اقتصادية، وبناء ولاءات سياسية لها من المستفيدين الرئيسيين من هذه المعونات، فإن ما حصلت عليه الولاياتالمتحدة من مصر، كان أكبر كثيرا من أي مساعدات أمريكية تلقتها مصر، فالآليات التي تتم بها المساعدات الأمريكية المربوطة لمصر، تجعل جانبا مهما من تلك المساعدات يعود للولايات المتحدةالأمريكية، سواء في صورة استيراد سلع أمريكية أو عقود لتنفيذ الأعمال تذهب للشركات الأمريكية، أما الأهم من كل ذلك، فهو أن هذه المعونة كرست علاقات تجارية شديدة الاختلال بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية. وينصح كثيرون من الغيورين على مصر بأن تفكر جديا في الاستغناء عن المساعدات الأمريكية، والبحث عن أنماط بديلة من التعاون الاقتصادي الدولي، ويحمل البعض منهم انعدام التكامل العربي مسؤولية كل ما يجري من ابتزاز لمصر، الأمر الذي لم يحصل قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. ففي زمن الحرب الباردة وتحديدا بداية الخمسينيات والستينيات، كانت مصر تحصل على مساعدات أمريكية وسوفيتية، ثم مساعدات سوفيتية حتى بداية السبعينيات في إطار تنافس الدولتين العظميين على التعاون مع مصر كقوة قائدة إقليميا ومؤثرة عالميا، لكن بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق أصبح تدفق المساعدات الغربيةوالأمريكية بالتحديد غير ممكن دون شروط سياسية واقتصادية وهذا ما تدفعه مصر بالتخلي عن دورها كدولة قائدة إقليميا، مع العلم أن المساعدات الاقتصادية الأمريكية لا تتجاوز 0.6% من الناتج القومي لمصر. لحساب من تسعى مصر إلى إذلال حماس؟ ليس جديدا علينا أن نرى قوى خارجية تلعب دورا خفيا لإفشال التجمعات والقمم العربية بكل أنواعها خوفا من أن يتوحد الشمل وتقوى الصفوف، أمام هول المؤامرات و التهديدات. لكن الغريب أن تمضي زعامات وقوى عربية في هذا المسعى. إنه لمن دواعي الدهشة المرة أن يخرج رئيس الدبلوماسية ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط للعلن متحدثا بنبرة تنم عن الإعجاب عما وصفه بنجاح مصر في إفساد إحدى القمم العربية إبان عدوان إسرائيلي مدمر على غزة. الخلافات العربية التي تجسدت عمليا في معسكر الاعتدال مقابل معسكر الممانعة، وصلت إلى مداها الأكبر بعد قمة قطر المصغرة في جانفي الماضي. وكان من المفترض أن يصل قطار المصالحة العربية إلى محطته الأخيرة منذ أن فتح العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بريق أمل في القمة العربية الاقتصادية في الكويت. لكن غياب الرئيس المصري حسني مبارك عن المشاركة في القمة العربية الواحدة والعشرين أثار الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن هذه القمة كان عنوانها الأكبر المصالحة وطي صفحة الخلافات العربية. فهل يمكن لدولة عربية قائدة مثل مصر، تشكو في كل المنابر من غياب التضامن، وتعثر مسيرة العمل العربي المشترك، وتدعو إلى تحقيق المصالحة العربية أن تمتنع قيادتها السياسية عن حضور قمة الدوحة التي اختارت أن تجعل المصالحة عنوانا لها؟!. دون شك، مصر خرجت الخاسر الأكبر في غياب الرئيس مبارك عن حضور قمة الدوحة وتمثيلها "المتدني" في أعمال القمة، وكأنها تقول إن الوضع العربي لم يعد ضمن اهتمام الرئيس مبارك وحكومته. فمصر الماضي القريب كانت زعيمة لإفريقيا ولمنظمة عدم الانحياز والتعاون الآفرو آسيوي، وصاحبة المبادرات في أمريكا اللاتينية. مصر اليوم ليس لها دور حتى في دارفور التي تقع على حدودها. وإن كان ليس ثمة خلاف على مكانة مصر في محيطها العربي والإفريقي، فإنه في الآونة الأخيرة أثيرت علامات استفهام كثيرة حول هذه المكانة، خصوصا في ظل تآكل أو تراجع أو تغييب أو تعطيل الدور المصري وانحساره بشكل غير معهود، الأمر الذي اعتبره البعض خروجا عن المألوف. هذا التغييب وإن كان قد وصل إلى مداه اليوم، فإن جذوره تعود إلى اتفاقية كامب ديفد التي معها خفت تأثير مصر إيجابيا في محيطها العربي. وكانت القضية الفلسطينية الضحية الأولى، باعتبارها أشد ارتباطا بمصر وحبل السرة بين العرب والجامع المشترك وملتقى آمالهم وطموحاتهم. وإن كان الدور المصري في الصراع العربي الإسرائيلي قد خفُت منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وتحديدا منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في العام 1979، فإن هذا الدور قد تراجع -فلسطينيا- بشكل واضح إبان عقد التسعينيات من القرن نفسه وتحديدا منذ اتفاق أوسلو 1993، الذي أدى إلى مزيد من الانقسام العربي، ونجم عنه تعطيل العديد من مؤسسات العمل العربي المشترك، وأهمها القمة العربية التي دخلت خلال هذا العقد أو معظمه في إشكالية تمثلت في العجز عن الدعوة إليها وانعقادها رغم هول المخاطر. مصر فكّت ارتباطها بالقضية الفلسطينية عندما قبلت بدور الوسيط المحايد "النزيه" بين القيادة الفلسطينية والدولة العبرية، وهو الدور الذي تقزم أخيرا وانحصر في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا. وبات الآن مهددا بالزوال، في ظل الإصرار على إذلال حماس لحساب إسرائيل. ورغم ذلك مازالت مصر تتمسك بالملف الفلسطيني، فبعد أن طوّعت منظمة التحرير وأدخلتها بيت الطاعة العربية ثم الأمريكية والإسرائيلية، تصر الآن على جر حماس إلى التنازلات ذاتها بمباركة عربية. بل الأخطر من ذلك أن مصر في عهد مبارك فقدت الإرادة السياسية الكاملة تجاه إسرائيل، ليس فقط في المواجهة فحسب ولكن الأدهى من ذلك أن هذه الإرادة انعدمت رغم الشعور المتزايد بإهانات إسرائيلية وافتراءاتها المتكررة على مصر ومصالحها وسيادتها. ولذلك فإن العلاقات المصرية الإسرائيلية دخلت في نفق غامض، جعل مصر في مركز التابع ودفعها إلى القيام بأدوار خادمة للمشروع الصهيوني بما لا يليق بحجمها وتاريخها. يدخل في هذا السياق تلك الصفقات المشبوهة التي أبرمتها الحكومة المصرية مع إسرائيل مثل اتفاق تصدير الغاز المصري لإسرائيل واتفاق الكويز وغيرهما، وما ارتبط بصفقة الغاز من فضائح أشارت صراحة إلى ذلك اللغز المحيّر في علاقة مصر مبارك بإسرائيل، ومن ذلك من يذهب إلى أن استغراق مبارك في توريث نجله قد دفعه إلى التغاضي عن المصالح الوطنية الظاهرة وواجبات مصر تجاه قضايا الأمة، بل وإلى ارتهان القرار العربي وتطويعه إلى غير صالح الأمة. ويشير البعض إلى هذا اللين المصري النادر نحو إسرائيل وتجاوزاتها من خلال جملة من الشواهد والحوادث المشهورة مثل قتل بعض الجنود المصريين في رفح بمدافع الدبابات الإسرائيلية، وتأكيد شارون عام 2005 بأن القتلى إرهابيون يهربون السلاح إلى المقاومة الفلسطينية، وكذلك تصريح الرئيس مبارك للإعلام المصري والإسرائيلي بأن وزيرة الخارجية ليفني قد تجاوزت جميع الخطوط معه، ولكنه حريص شخصيا على العلاقات مع إسرائيل. ارتهان القرار العربي وسيل التنازلات لا يقف عند حدود القضية المركزية للعرب، حيث إن مصر التي قاد رئيسها مبارك حملة توظيف جامعة الدول العربية والقرار العربي لتشريع وجود نصف مليون جندي أمريكي في الجزيرة العربية تحت ذريعة إخراج القوات العراقية من الكويت، تركت الساحة برمتها لإيران في الخليج العربي بعد أن تنازلت عنه للولايات المتحدة. فمصر الدولة المقر للجامعة العربية، الجامعة التي من المفترض أن تكون البيت الذي يعمل لصالح الأمة، لكنها تحولت إلى جزء تابع لوزارة الخارجية المصرية وتخلت عن تأثيرها في المشهد العربي ليس فقط كهيكل سياسي قومي، بل كآلية جامعة للعمل العربي المشترك. فهناك عشرات القضايا الملحة في الساحة العربية تستطيع الجامعة أن تطرقها من زوايا جديدة دون أن تمس مصالح مصر وهيبتها كدولة مقر. فعلى الرغم من مرور 64 عاما على إنشاء الجامعة العربية إلا أنها ومنذ قيامها وهي كالرجل المريض الذي لم يمت فينعى ولم يتعاف فيرجى، فهي مشلولة الفعالية وذلك لاعتبارات كثيرة. فميثاق الجامعة يتكون من عشرين بندا تتضمن مبادئ عامة غير ملزمة وغير مفصلة ولا ترقى إلى مواثيق المنظمات الدولية مثل ميثاق الأممالمتحدة. إن جامعة الدول العربية ما زالت عبارة عن هيئة للتعاون الاختياري بين الدول الأعضاء، وهذا التعاون يخضع لأمزجة الحكام ومستوى تفكيرهم الفردي، ولم يرق يوما إلى المصلحة العامة للأمة، وهو ما سمح بتعطيل القرار العربي وتوجيهه لخدمة المصالح الشخصية للحكام. هناك قوى تعمل على استمرار الدور الضعيف لجامعة الدول العربية واستمرارها جسما بلا روح من خلال الحد من فعاليتها ومن خلال الإبقاء على ميثاقها العتيق وامتلاك كل دولة عضو فيها لحق الفيتو على قراراتها. وعلى الرغم من أن عدد المنظمات المنبثقة عن الجامعة العربية يربو على العشرين منظمة، إلا أن تلك المنظمات لا تبعد كثيرا من حيث الفعالية عن الجامعة الأم، لا من حيث الإنجاز ولا من حيث الفعالية، ليس هذا وحسب، بل أن هناك منظمات ومعاهد أقرت من قبل مجلس الجامعة، لكنها لم تر النور بعد على الرغم من الحاجة الماسة لها، وعلى الرغم من المطالبات الدائمة بتفعيلها. الشعب المصري يهاجم اتفاقية الاستسلام ويرشقها بسهام النقد يبقى إخضاع "اتفاقية السلام" بين مصر وإسرائيل منذ توقيعها قبل ثلاثين عاما بين الرئيس المصري السابق أنور السادات ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيجن للتقييم باعتبارها المنعرج في التاريخ الحديث لمصر وللأمة العربية بمنطق الربح والخسارة أفضل الطرق لوضع المعاهدة في موضعها الصحيح وحسم الخلاف الناشب دائما بشأنها بين من يرونها خيرا كلها وتمثلهم خصوصا مصر الرسمية وإعلامها، ومن يرونها شرا مستطيرا أحاق بالأمة وأثّر على مصيرها ومستقبلها وهو رأي أطياف واسعة من الشعب العربي بمثقفيه وناسه البسطاء العاديين. ويكون من المفيد منهجيا النظر في زوايا ثلاث مختلفة تتعلق الأولى بأثر المعاهدة على الدور العربي لمصر وقدرتها على خدمة قضايا الأمة وتقوية جدار أمنها القومي وتحقيق منعتها بوجه التهديدات المحيقة بها من أكثر من جانب. فيما تهتم الثانية بتأثير الاتفاقية على القضية الفلسطينية أصل ما كان بين مصر وإسرائيل من صراع بلغ في العديد من المناسبات درجة المواجهة المسلّحة واستدعى في ما بعد توقيع "اتفاقية سلام". ومدار السؤال في هذا الباب حول الخسارات أو "المكاسب" التي تحققت لفائدة تلك القضية العادلة ويمكن أن تلمس في واقع الشعب الفلسطيني اليوم. أما الزاوية الثالثة فتتعلق ب"المكتسبات والفوائد" الاقتصادية المباشرة التي يفترض أن تكون مصر قد جنتها من اتفاقية السلام مع إسرائيل وانعكست انتعاشا على اقتصادها و"رخاء ورفاها" على مجتمعها. بخصوص الزاوية الأولى يجدر الانطلاق في التقييم من بعض الأحداث الجسام التي شهدها العالم العربي ومثلت منعرجات تاريخية في مساره، ومثالها الأبرز سقوط العراق تحت الاحتلال الأمريكي سنة 2003. والسؤال المطروح هنا هل كان يمكن أن تحدث تلك الخسارة التاريخية لو كانت مصر في موضعها الطبيعي من العروبة تقويها وتشد أزرها، وهل كان بإمكان الولاياتالمتحدة أن تقدم على ما أقدمت عليه لو لم تكن ضامنة لحياد مصر المكبلة باتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني؟. الإجابة التي يتداولها الجميع بداهة هي: قطعا لا. غير أن سقوط العراق تحت الاحتلال هو مجرد نموذج عن سلسلة طويلة في مسار الخسارات الذي سارت فيه المنقطة العربية منذ وقع اختطاف مصر من عروبتها بموجب اتفاقية "السلام" مع إسرائيل والتي هدت جدار الصد العربي وخلّعت أبواب الأمن القومي وجعلت الخارطة مكشوفة بلا رادع أمام الاعتداءات المتكررة من قبل إسرائيل خصوصا والتي أتاح لها "سلام" كامب دافيد أن تتفرد بالعرب واحدا واحدا بدل مواجهتهم جماعيا. وتجسم هذا التفرد باجتياحها لبنان بعيد توقيع الاتفاقية بمدة وجيزة أي سنة 1982، كما راحت الولاياتالمتحدة تفرض رقابة من قريب على الخارطة العربية وتعتدي على كل من لا يروق لها من العرب ولا يستسيغ سياساتها. لقد كانت مصر قبل توقيع الاتفاقية بمثابة "قلب الرحى" للأمن القومي العربي وكان لشبكة تحالفاتها وصوتها المسموع في المنظمات الدولية دور هام في المنعة -النسبية- التي تمتعت بها الخارطة العربية. إلا أن اتفاقية السلام مع إسرائيل ساهمت في تبديل التحالفات المصرية ونقلت مصر من صف إلى صف آخر تماما. وباتت القاهرة بمثابة حليف موثوق للولايات المتحدة التي هي بدورها الحليف لإسرائيل ألد أعداء الأمة العربية، ما رتب على القاهرة التزامات وأملى عليها مواقف كثيرة مناقضة لدورها العربي المنتظر منها وكف يدها عن مواجهة السياسات العدوانية والتوسعية لإسرائيل. وفي هذا السياق يقول السفير الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق:" إن الدور العربي للقاهرة تراجع مع توقيع الرئيس الراحل أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد والتي استهدفت عزل مصر عن أمنها القومي العربي وتخليها عن القضية الفلسطينية، رغم ما تمثله فلسطين من أهمية كبرى للأمن القومي المصري". وتقييما ل"المكاسب" التي من المفروض نظريا أن يكون جناها كل طرف من أطراف المعاهدة، يتحدث الدكتور حلمي شعراوي مدير مركز البحوث العربية والإفريقية عن مكاسب إستراتيجية عظيمة لإسرائيل وحدها إذ أن الاستقلال المصري والسيادة أصيبتا لأن ربع مساحة مصر منزوعة السلاح في سيناء وبالتالي هذا يتيح انفراد إسرائيل بالفلسطينيين. كما أن إتاحة المرور الإسرائيلي بحرية من قناة السويس مكسب تاريخي لإسرائيل أتاح لها التغلب على الحصار المفروض عليها وكان فكر جمال عبد الناصر أن يتم محاصرة إسرائيل من القوى العربية والدولية. كما فتحت الاتفاقية باب الاعتراف الدولي المطلق بإسرائيل التي لم توجد في تنظيم دولي عدا الأممالمتحدة فقد منعت من الاعتراف الدولي بها قبل هذه الاتفاقية وكان وجود إسرائيل الدولي محل تساؤل، وبتوقيع اتفاقية كامب ديفيد أعطيت إسرائيل شرف الدولة وهذه ميزة أعطتها مصر لإسرائيل، حسب رأي د.شعراوي. إلى ذلك انتقلت إسرائيل بموجب هذه الاتفاقية من كونها كيانا محتلا إلى دولة تقيم سلاما مع مصر وجيرانها وعندما يتحدثون عن الحدود ويقولون حدود فلسطين الانتداب وليس حدود إسرائيل لأن إسرائيل حدودها ممتدة. إن "أمّ الخسارات" من اتفاقية كامب ديفيد تبقى بلا منازع ما لحق بالقضية الفلسطينية من ضرر وتراجعات كثيرة، عقّدت طريق نضال الفلسطينيين لأجل استرداد حقوقهم وشلته في أحيان كثيرة، وأجّلت إلى أمد غير منظور حل القضية حلاّ عادلا على أساس نيل الحقوق، لا على أساس التنازل للطرف المعتدي إسرائيل، بل جعلت التحرير في أحيان كثيرة ضربا من الحلم الطوباوي في ظل تشتت الصف العربي الذي كانت مصر قبل المعاهدة بمثابة الخيط الناظم له. وفي هذا الباب يسجل باستغراب شديد التزام مصر الأمين بتطبيق بنود الاتفاقية حتى في تناقضها مع المصلحة الفلسطينية، ومع القيم والمبادئ الدينية والإنسانية. وبتجاوز ما قامت به القاهرة لجرجرة جزء من الفلسطينيين نحو "مفاوضات سلام" كارثية فرّقت شملهم وصدعت جدار وحدتهم الوطنية وبلغت بهم حد الاحتراب الداخلي، فإن مصر الرسمية تنصلت من أهم واجباتها القومية تجاه الشعب الفلسطيني، التي ترتب عليها دعم نضاله بكل الطرق حتى استرداد حقوقه، بحجة أنها في سلام مع إسرائيل. وبدل أن تكون مصر بموقعها الجغرافي اللصيق لفلسطين ملاذا لشعبها ومتنفسا له، تحولت على العكس تماما إلى جدار يساهم في محاصرتهم. ويمثل قطاع غزة والحصار الخانق المضروب على أهله وما شهده مؤخرا من اعتداء إسرائيلي مدمر، أحدث الأمثلة وأوضح الشواهد على الدور العكسي الذي باتت مصر المكبلة بمعاهدة كامب ديفيد تؤديه. فمع أن إسرائيل تحطم كل الأرقام القياسية في عدم الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية وفي نكث ما توقّع عليه من اتفاقات، إلا أن مصر التزمت ب"أمانة" عجيبة بتطبيق اتفاقات معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة في حَرْفيتها مساهمة بلا مواربة في الحصار الخانق الذي تضربه إسرائيل على أهله. ولا يكاد أحد يشك في أن مرد ذلك إلى موقف سياسي مصري من أطراف المعادلة الداخلية الفلسطينية، حيث تنحاز القاهرة إلى الطرف الموقّع على اتفاق أوسلو ل"السلام" ممثلا حاليا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يدير سلطة محدودة الجغرافيا والصلاحيات على جزء من الضفة الغربية، ضد الطرف الذي يرفض أوسلو ويتبنى خيار المقاومة ممثلا أساسا بحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. وحيث يئست مصر الرسمية كما الولاياتالمتحدة وإسرائيل من إلغاء هذا الطرف من المعادلة الفلسطينية فإنها لجأت إلى ضروب كثيرة من الضغوط لاستيعابه في نطاق عملية السلام الموهومة عبر محاولة إجباره على الاعتراف بدولة الاحتلال الصهيوني ومن ثم الالتزام بما تم التوصل إليه من "اتفاقات" تحرص إسرائيل ذاتها على إبقائها مجرد حبر على ورق. وباختصار فقد حولت اتفاقية كامب ديفيد مصر من طرف في الصراع العربي الإسرائيلي ومن "صاحب قضية" إلى مجرد وسيط أشبه ب"سمسار" لتسويق سلام مغشوش، لا بل لتسويق وجهة نظر العدو الظالم لدى الشقيق المظلوم. وبموجب هذا دخلت مصر في متاهات صراعات زعامة جانبية مع أطراف عربية، وأضحت تتزعم تيارا يناهض المقاومة ويقتصر على "التمسك" بأهداب "السلام" عجزا لا اقتناعا ويعرف ب"الاعتدال" العربي، وأصبح حضور القمم العربية ومستوى التمثيل فيها خاضعا لحسابات ضيقة لا لحسابات المصلحة العربية. وبات الجهد المصري منصبّا على احتكار القضية الفلسطينية وفرض معالجتها بما يتلاءم والتوجهات "السلمية". ويبقى في الأخير أبسط الأسئلة وأهمها في ذات الآن: ماذا جنت مصر على الأقل ماديا من اتفاقية السلام التي حوّلتها إلى حليف للولايات المتحدة؟. إجابة نسجّل أن مصر تتلقّى سنويا كمّا من المساعدات المالية ذات الحجم الضئيل قياسا لما يقدم لشريكها في "السلام" إسرائيل "كان الكونجرس الأمريكي صادق أواخر العام الماضي على منح مصر 1.5 مليار دولار أمريكي كمساعدة عسكرية ومدنية للعام المالي 2009 وهو رقم يقل بنسبة 12 بالمائة عن قيمة المساعدات الأمريكية لمصر في عام 2008 حينما تلقت مبلغًا قدره 1.71 مليار دولار". لكن هذه المساعدات على ضآلتها ذات أثر كبير في تكييف سياسات مصر والتأثير على خياراتها، حيث ما تفتأ القاهرة تتعرض للضغوط والتهديد بقطع المساعدة أو تقليصها كلّما لاحت عليها بوادر ممانعة أو حتى خلاف في الرأي مع الولاياتالمتحدة. ويقيّم الاقتصاديون سلبا مسيرة التنمية في مصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد إلى اليوم حيث ما تفتأ تتراكم المشاكل الاجتماعية وتتصاعد الفوارق الطبقية وتتضاءل الطبقة الوسطى، لتتكدس مشاكل الفقر والبطالة وأزمة السكن والنقل. وبينما وجدت إسرائيل في مصر متنفسا اقتصاديا حيث تتمتع باستيراد الغاز المصري بأسعار مخفضة بموجب اتفاق لم يفلح في مراجعته حتى صدور حكم قضائي مصري، إضافة إلى استيرادها سلعا استراتيجية أخرى مثل الإسمنت الضروري لإقامة الجدار العازل والعدد الهائل من المستوطنات، لم تجن مصر فوائد واضحة من سلامها مع إسرائيل. وينتقد د. إبراهيم علوش ما يُعرف باتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز" والتي نصت على تصدير المنتجات بدون جمرك إلى الولاياتالمتحدة، بشرط تضمنها ما لا يقل عن 5 ، 11 بالمائة من المكونات الإسرائيلية بالقول إن الأمر كله "لا يعدو كونه تحقيقاً لمصلحة حفنة من رجال الأعمال المطبعين المقربين من النظام، الذين قدروا أن رفع الحماية الجمركية عن صناعة النسيج في مصر عام 2005 بموجب التزامات اتفاقيات التجارة الحرة سوف يعرّض أرباحهم للخطر، مما دفعهم للضغط باتجاه تأمين حصة من السوق الأمريكية مقابل ثمن سياسي من جيب المواطن المصري والعربي لم يعبأوا به يوماً". ويضيف "الاتفاقيات مع العدو الصهيوني تتم دوماً بالتأكيد لأجل "رفاه المواطن وتحقيق الازدهار الاقتصادي"!! ولذلك كان سيكون عجيباً لو لم تلجأ الحكومة المصرية إلى مثل هذا المبرر لتسويغ اتفاقية الكويز، وهي نفس الحجة التي سمعها المواطن الأردني ملياً غداة توقيع اتفاقية وادي عربة التي تلتها بعض أسوأ سنوات الركود الاقتصادي في أواخر التسعينات.. وبقيت الكويز الأردنية شاهداً على نمو معزول عن باقي الاقتصاد ربما يفيد قلة، منها الشركات والعمالة الآسيوية، لا الأردنيين.. ولم تحمِ الأجور المتدنية للعمالة الأردنية من منافسة العمالة الآسيوية، فهو تقسيم إقليمي للعمل، ننال فيه الصناعات كثيفة العمل وملوثة البيئة، والعبودية السياسية والاقتصادية. وهذا بالتأكيد ليس طريق التنمية أو الديمقراطية.. ويبين أحد رجال الاختصاص مجدي طلبة، المدير التنفيذى لمركز القطن المصري والرئيس السابق للمجلس التصديري للملابس الجاهزة جانبا من ضحالة النتائج الاقتصادية للكويز بالقول: "700 مليون دولار فقط هو إجمالي حجم صادرات الكويز المصرية إلى الولاياتالمتحدة في 2008.. عيب على مصر". هكذا تبدو "اتفاقية السلام" بين مصر وإسرائيل في المحصلة الأخيرة وبالا على مصر والعرب عموما سياسة واقتصادا، وخيرا عميما على إسرائيل التي يكفيها أنها ضمنت تحييد مصر ذات الوزن التاريخي والحضاري والجغرافي والإنساني الكبير من الصراع ليصح قول أحدهم "رب حرب محرّرة للطاقات خير ألف مرة من سلام مكبّل للعزائم"، علما أنه ليس مطلوبا من مصر في وضعها الراهن محاربة إسرائيل، بل المطلوب في "أضعف الإيمان" عدم التحالف معها وغلق أبواب التطبيع في وجهها. كما يبقى على مصر إن كانت لا ترغب في دعم من يريد مقاومة إسرائيل أن لا تتدخل على الأقل في محاصرته وشلّ حركته. يحدث في مصر: قضية فساد كل 90 ثانية حتى نهاية التسعينات كانت الحكومة تعلن أن الخصخصة سوف تتوقف عند حدود المشروعات الإستراتيجية دون تحديد لمسميات أو قطاعات هذه المشروعات الإستراتيجية، ففي الفترة 1996 1998، تم إصدار مجموعة من التشريعات التي تنظم خصخصة مرافق عامة، لم يكن المصريون يتصورون خصخصتها، نظرا لاعتبارات الأمن القومي، مثل الموانئ والمطارات والطرق. ولكن هذا ما حدث بالفعل، ثم كان القانون الخاص بالبنوك العامة الذي سمح للقطاع الخاص بالمساهمة في رؤوس أموال البنوك العامة، وكذلك القانون المنظم لخصخصة الهيئة العامة للاتصالات وتحويلها إلى شركة مساهمة، وتم بالفعل طرح نسبة 20 في المئة من رأس مالها للخصخصة. المعروف أن برنامج الخصخصة في مصر أتى ضمن حزمة من الإجراءات، التزمت بها مصر للوصول إلى اتفاق مع البنك والصندوق الدوليين، للتخلص من نصف ديونها الخارجية مطلع تسعينات القرن الماضي. بدأت تحركات الخصخصة الفعلية بعد هذا التاريخ، ثم كان التوقيع على اتفاقية منظمة التجارة العالمية، وما ترتب عليها من تحرير لمجالات متعددة ليست قاصرة على التجارة فقط بل شملت العديد من مجالات قطاع الخدمات. وأصبح نصيب القطاع الخاص من 60 إلى 65 في المئة من الاستثمارات في مصر، الجزء الأكبر منها يذهب إلى قطاع البترول والاستثمار العقاري والقطاعات الخدمية، كما أصبح نصيبه حوالي 70 في المئة من الناتج المحلي المصري. وحصل القطاع الخاص على ما يعادل 75 في المئة من إجمالي إقراض البنوك المصرية علاوة على الاستثناءات والإعفاءات الضريبية. كما أهمل "القطاع الخاص" تماما مجال التصنيع واتجه إلى القطاعات الخدمية والتسويقية حيث بلغ عدد التوكيلات التجارية في مصر حوالي 65000 توكيل، تقوم على أنشطة الاستيراد، بعد نمت طبقة اجتماعية تتعارض مصالحها مع وجود صناعات. والمثير هنا هو التوجه الحكومي في مسألة الخصخصة وإدارتها، ففي بداية تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في مطلع تسعينات القرن الماضي، أعلن أن سياسة الحكومة في برنامج الخصخصة هي فقط بيع الشركات الخاسرة، ومشروعات المحليات. ولكن الذي حدث هو أن الشركات الخاسرة لم يتم بيع شركة واحدة منها، بل بدأ البيع منذ منتصف تسعينات القرن الماضي بالشركات الرابحة، مما أثار الرأي العام، خاصة وأن كل صفقة في مشروع الخصخصة كانت محل انتقاد سواء من حيث القيمة التي بيعت بها، أو الشروط التي ألزم بها المشتري، أو سيطرة شركات أجنبية على أسواق تلك الشركات لتحقق احتكارا لبعض السلع في السوق المصري، أو للجوء المشتري للبيع فيما بعد لشركات عالمية بأضعاف الثمن الذي اشترى به. انحصر دور القطاع الحكومي بعد ذلك في أن يكون دورا تكميليا أوتسهيليا أوتخديميا للقطاع الخاص أي أن الإنفاق الاستثماري الحكومي يكاد يكون لا يزيد عن 10 في المئة من لإنفاق الموازنة. أدى كل ذلك إلى اختلال التوازن بين قطاعات الناتج المحلي إذ أن حجم القطاعات الأساسية "الزراعة الصناعة..." يقل جدا أمام قطاعات الخدمات وغيرها، وهو ما تسبب في إهدار واضح للموارد والإمكانيات والذي يبدو جليا في توزيع الموازنة العامة على القطاعات المختلفة، فنجد أن القطاعات الأساسية والتي تخدم القطاع العريض من المواطنين تأخذ النصيب الأصغر في مقابل القطاعات التي تدعم سلطة النظام. فقطاع مثل قطاع التعليم والذي يستفيد منه حوالي 15 مليون طالب حكومي ومليون طالب جامعي وعدد العاملين بها 1.6 مليون موظف بالتعليم الأساسي و400 ألف بالتعليم العالي حصل في موازنة 2005 2006 على 24.7 مليار جنيه معظمها أجور ومرتبات. أما قطاع الصحة والذي يستفيد منه 70 مليون مواطن وعدد العاملين فيه 100 ألف موظف فكان نصيبه من الموازنة حوالي 8.2 مليار جنيه. أما وزارة الداخلية فيعامل العاملون فيها بكادر خاص حيث يعمل بها حوالي 800 ألف ما بين ضابط وعسكري بخلاف 450 ألف أمن مركزي أي حوالي 1.2 مليون شخص بخلاف المرشدين والذي قد يصلوا مابين 400 و500 ألف أي إن هناك تقريبا مخبر أوجندي لكل 35 شخص، وهي تحصل على حوالي 8.4 مليار جنيه ووزارة الدفاع حوالي 15.7 مليار هذا بخلاف بند الاعتماد الإجمالي والذي يصل إلى 8 مليار جنيه، هذا بخلاف المعونة الأمريكية للأمن والتي تبلغ حوالي 900 مليون دولار أي حوالي 5.4 مليار جنيه مصري. وهكذا فإن ميزانية الدفاع والداخلية تلتهم حوالي 37 مليار جنيه أي حوالي 22 في المئة من إجمالي مصروفات الموازنة. كل ذلك أدى بالاقتصاد المصري إلى حالة من العجز المزمن في الميزان التجاري، والعجز المستمر في الموازنة العامة، وتفاقم الديون الداخلية والخارجية والتي وصلت إلى حوالي 450 مليار ديون داخلية و30 مليار ديون خارجية، كما عجز القطاع الخاص المصري والأجنبي والمشترك في إنجاز نمو اقتصادي يخرج بالبلد من الأزمة، بعد انسحاب الدولة من النشاط الإنتاجي. كانت لإطلاق أيدي القطاع الخاص في مصر، تأثيرات متعددة. وبالنسبة للآثار الاقتصادية لتحرير السوق المصرية، تؤكد أرقام أعلنت في سنة 2005، أن معدل البطالة بلغ 9.2 في المئة من قوة العمل، وقدرت دراسة لمركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام عدد العاطلين بحوالي 1.5 مليون عاطل، بينما قدرت أرقام مستقلة عدد العاطلين بما يترواح بين 5.5 مليون و6.1 مليون عاطل يمثلون ما بين 22.5 في المئة و27.5 في المئة من قوة العمل. كما كشف تقرير أحوال المرأة المصرية الذي أصدره المجلس القومي للمرأة أن هناك 76 ألف حالة امرأة عاملة فقدت وظيفتها منذ بدأ برنامج الخصخصة مقابل 370 ألف وظيفة فقدها الرجال. أوجدت الخصخصة تفاوتا كبيرا في توزيع الدخل بين الطبقات وأوضح تقرير التنمية البشرية صدر في سنة 2005، أن أغنى 20 في المئة من السكان يحصلون على 43.6 في المئة من الدخل القومي بينما أفقر 20 في المئة لا يتحصلون سوى على 8.6 في المئة من الدخل القومي بما يعكس التفاوت الطبقي وسوء توزيع الدخل وتركز الثروات وانتشار الإنفاق الترفي في مواجهة انتشار الفقر. كما انتشر الفقر وسوء توزيع الدخل كمظهر مصاحب لتحرير السوق. وكانت أكبر المساوئ هي الآثار الاجتماعية التي ترتبت على عملية الخصخصة مثل تسريح العمالة، وعدم توفير فرص عمل بديلة وعدم التفكير في استخدام حصيلة الخصخصة في مشاريع إنتاجية تفتح مجالا لفرص عمل جديدة، وعدم استخدام حصيلة الخصخصة في أعمال بنية أساسية تفتح المجال لإقامة مشروعات جديدة. وما أشيع عن ممارسات فساد في صفقات الخصخصة كثير، ولعل ما أثير مرة عن غياب نحو 13 مليار جنيه من حصيلة الخصخصة عن حسابات الحكومة، دليل قوي على شبهات الفساد. ومن نتائج تحرير سوق الإسكان والعقار وقوانين الإيجارات الجديدة نمو الأحياء السكنية العشوائية بشكل كبير. وقد قدرت إحدى الدراسات عدد سكان المناطق العشوائية في مصر بحوالي 9 ملايين نسمة، أما وزارة الإسكان فقد أكدت أنهم 12 مليون نسمة، موزعون على 1,109 مناطق في 20 محافظة بينما أشارت مصادر مطلعة في مجلس الشورى المصري إلى أن عددهم لا يقل عن 18 مليون نسمة، بخلاف سكان أهل الريف المصري. وقدرت إحدى دراسات معهد التخطيط القومي، بالتعاون مع إحدى هيئات المعونة الألمانية، عدد سكان العشوائية في المحافظات، بنحو 17.7 مليون نسمة منها 3.5 مليون يعيشون في محافظة القاهرة فقط. وأضافت الدراسة أن هناك ارتباطا وثيقا بين الفقر والأمراض، وأن 47 في المئة من المصريين مصابون بأمراض سوء التغذية بالإضافة إلى أمراض الضغط النفسي والعصبي، وارتفاع ضغط الدم والشعور بالحرمان، وإصابة 30 في المئة من الأطفال بالتيفويد، بسبب تلوث مياه الشرب، كما أشارت الأرقام إلى وجود حوالي 7 ملايين معوق وإصابة 21 في المئة من النساء الحوامل بالأنيميا، و31.2 في المئة بفقر الدم، لنصل في النهاية إلى أن 70 في المئة من حالات العدوى، منها 13.5 في المئة مصابون بفيروس " سي" لتصل نسبة العدوى والإصابة سنويا إلى 2 في المئة. وتقول تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إن مصر تعد تسعة ملايين عانس، وسجلت نفس التقديرات ارتفاعا في نسبة الطلاق السنوية، وتأخر سن الزواج. وأعلن نفس المصدر أن عدد المصريين الذين بلغوا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا بعد وصل إلى 8 ملايين و962 ألفًا بينهم 3 ملايين و731 ألفا من الإناث، والباقي من الذكور، كما أورد التقرير أن عدد المطلقين والمطلقات بلغ 264 ألف حالة خلال عام واحد. وأشارت إحصائيات إضافية إلى أن ربع الشعب المصري قد وقع في فخ الاكتئاب "17.5 مليون شخص" وإلى وجود خمسة ملايين مكتئب، و19 مليونا يحملون علامات الاكتئاب في مصر. ومن المعلوم أن الاكتئاب قد يلعب دورا في ظواهر مثل الإدمان على المخدرات والعنف المنزلي والمدرسي و..الانتحار. وأشارت إحصائية رسمية إلى أن 282 مصريا تخلصوا من مشاكلهم بالانتحار في عام 2002، تركز معظمهم في القاهرة، وتلتها الجيزة، ثم الإسكندرية. وشكك أكثر من أستاذ في الطب النفسي بذلك الرقم. واعتبروه مخففا. وفي العام 2002، ظهرت دراسة اجتماعية عنوانها "أسباب الانتحار في مصر"، عزت الظاهرة إلى الأسباب الآتية: البطالة بين الشباب، الديون، غلاء المعيشة، عدم قدرة الشباب على الزواج والتجارب العاطفية الفاشلة. كل ذلك بينما تغرق مصر في الفساد الذي هو نتيجة طبيعية لحركة تحرير اقتصادي واجتماعي مشوهة. وأكد مركز الدراسات الريفية أن عدد حالات الفساد في مصر بلغ 548 حالة فساد خلال فترة أربعة أشهر من الرصد ما بين عام 2008 إلى 2009 "أفريل، جوان، ديسمبر في عام 2008 وجانفي 2009" وكانت كالتالي: "حالات الاحتكار 34، القطاع الصحي 57، شركات ومصانع القطاع العام 68، القطاع التعليمي 53، القطاع الزراعي وقطاع الري 49، قطاع الإسكان 33، وزارة التضامن 61، وزارة الداخلية 33، وزارة المالية والقطاع المصرفي 55، النقابات 14، وزارة العدل 15، الإدارة المحلية 35، والكهرباء 3، النقل 20، الإعلام 5، البترول 13". وقال المركز إن وزارة التضامن ارتفعت فيها معدلات الفساد وما ارتبط بها من تقديم الخدمات، حيث وجد أن جزءا من أزمات سلع عديدة كالخبز والبوتاجاز والحديد والإسمنت ارتبط بشكل أساسي بالإدارة المحلية والحكم المحلي وحالات الفساد فيها، وعلاقتها بالاتجار في السوق السوداء وتهريب السلع والرشوة والمحسوبية. وأوضح أن البنوك والقطاع المصرفي من القطاعات التي انتشرت فيها الرشوة ومظاهر الفساد، وتمثل في الاستيلاء أو تسهيل الاستيلاء على الأموال من البنوك بمبالغ ضخمة وصلت لحد المليارات. وشدد على أن معظم صور الفساد المعروفة متجسدة في مصر بنسب مختلفة وتتم بشكل يومي، موضحا أن مصر تعاني من استغلال النفوذ أو المنصب أو السلطة لتحقيق مصلحة ما، سواء كان الاستغلال نتاج سلوك فردي أو جماعي، والاستغلال والتحايل والتمييز والاستيلاء على أموال الآخرين وانتشار المحسوبية والرشوة. وأكد أن أخطر مظاهر الفساد المتعلقة بتنفيذ المشاريع الخاصة بالدولة والمعطاءات والمزادات، وأيضا المتعلقة بالاحتكارات والسيطرة على السوق والمنتجات ووسائل الإنتاج، ومنها ما يتعلق بالإهدار في المال العام، والذي استشرى في القطاعات الصناعية في الآونة الأخيرة. أصبح الفساد في مصر سلوكا عاما يمكن مشاهدته في جميع مؤسسات الدولة وغيرها وهو ينقسم إلى نوعين: فساد الكبار"كبار رجال الأعمال والتجارة الخارجية" وفساد الصغار أو فساد الفقراء وتصل أموال الفساد والاقتصاد الخفي في مصر إلى حوالي ما بين 57 و70 مليار جنيه سنويا أي حوالي 40 في المئة من الناتج المحلي المصري. وتؤكد منظمة الشفافية الدولية أن مصر أصبحت أقرب إلى الدول الفاسدة وقالت في تقريرها الحقائق التالية: إن مصر تراجعت 10 مراكز دفعة واحدة وجاءت في المرتبة 115 بمعدل 2.8 نقطة بعد أن كانت في المرتبة 105 في تقرير 2007. ويكلف الفساد مصر 50 مليار جنيه بينما يكلفها التهرب الضريبي والجمركي 14 مليار جنيه، واحتكار الحديد والأسمنت 6 مليارات جنيه ومليار جنيه خسائر إقامة مشروعات حكومية دون دراسات جدوى، فضلا عن تهريب 6 مليارات جنيه للخارج. ووفقا للتقارير البرلمانية فإن 66 في المئة من الدعم الحكومي لا يذهب إلى مستحقيه، وتشير تقارير هيئة النيابة الإدارية أن هناك قضية فساد كل 90 ثانية، كما قدر المركزي القومي للبحوث في دراسة عن ظاهرة الرشوة والاختلاس في مصر حجم الأموال الناجمة عن الكسب غير المشروع بنحو 99 مليار جنيه في السنوات العشر الأخيرة. وتشير الدراسة إلى أن الفساد لم يعد مقصوراً علي الموظفين الصغار فقط، فبعد أن كانت قضايا الرشوة واستغلال النفوذ تقدم صغار موظفي الدولة، صار المتهمون من وزراء ولواءات شرطة ومحافظين ورؤساء بنوك... الخ. ومع تطور الفساد ازداد حجم الأموال المهربة وتكفي الإشارة إلى بعض القضايا المهمة في عهد مبارك مثل قضية نواب القروض وقضية الجمارك وقضايا غسل الأموال والمخدرات... الخ. وضعت مصر خطة أمنية لاستعادة 75 رجل أعمال من إجمالي 175 نجحوا في الهروب خارج البلاد. وأكد تقرير حكومي نشر في بداية شهر أفريل الجاري أن عدد رجال الأعمال المصريين الهاربين إلى بريطانيا أو سويسرا أو كندا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية يبلغ 75 رجل أعمال. ولا تعرف طبيعة تلك الخطة وكيف ستتم ملاحقة 75 رجل أعمال هاربا على الرغم من أن القبض مثلا على ممدوح إسماعيل مالك العبارة المنكوبة "السلام 98" مازال في علم الغيب، رغم أن الدولة التي يعيش فيها معروفة والمدينة التي يقيم فيها أيضا معروفة، ومن المفترض أن المنزل الذي يقيم فيه أيضا معروف.