يستعرض المحامي علي هارون عبر كتابه الموسوم ب”الإضاءة.. تطور حقوق الإنسان وتخوفات 1991/ 1992”، الصادر حديثا عن منشورات القصبة بالعاصمة، عن زبدة تجربته السياسية والحقوقية وخلاصة دخوله إلى الجهاز السياسي كأول وزير لحقوق الإنسان. ويسلط المؤلف الضوء عبر صفحاته كتابه التي تجاوزت 265 صفحة من الحجم العادي، على تفاصيل دقيقة وشهادة حية حول مرحلة حالكة وغامضة من تاريخ الجزائر الحديث، وهي مرحلة 1991 /1992، وما أفرزته من تغيرات في البنى السياسية والأمنية والفكرية والإيديولوجية للمجتمع الجزائري، حيث يقول الكاتب عبر فصول عمله هذا بعض الحقائق التي عايشها عن قرب وكان طرفا أساسيا فيها، إذ يسرد على القارئ بوادر تأسيس أول وزارة لحقوق الإنسان في جوان 1991، وتساؤلاته عن فحوى وجود وزارة الوزارة في ظل قوانين حالة الطوارئ التي تقيد هامش الحريات. ويعود المؤلف، الذي سبق له أن شغل منصب عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية بعد الاستقلال ومنتخب في المجلس الوطني الانتقالي من 1262 إلى 1963، ليبتعد بعدها عن الممارسة السياسية واتجه نحو عالم المحاماة إلى عام 1991 ليعين ما بين 1992 و1994 عضوا في المجلس الأعلى للدولة، بالذاكرة إلى النماذج والحالات التي سجلها وعايشها كمحامي خلال مسيرته، ضمنا المحاكمة الغير عادلة للمناضل والقائد شعباني قائد الولاية السادسة التاريخية الذي اتهم حينها من قبل الرئيس أحمد بن بلة بمحاولة التمرد على النظام، حيث يشير علي هارون إلى أنه التقى زميله المحامي محمود زرطال الذي عين على رأس المحكمة العسكرية لمحاكمة العقيد شعباني، وقد طلب منه شخصيا عدم التورط في القضية لأن المحاكمة غير عادلة ومنصفة لنضال الرجل، بل تعكس الانتقام من الرجل الذي قاد جيشا من الرجال بشرف خلال الثورة، ولكن فهمت من خلال رده أنه تعرض لضغوطات قوية. وأضاف علي هارون قائلاً: “وقلت له إن النتيجة لا محالة ستكون الحكم عليه بالإعدام وبالتالي ستكون مسؤولا أمام التاريخ والضمير إن وقعت على الحكم في الأسفل، ولكن أمام الارتباطات العائلية واستحالة المنفى والهروب الجماعي مع العائلة الكبيرة انصاع المحامي محمود زرطال، وتم تنفيذ حكم الإعدام في العقيد شعباني بعد محكم صورية ملفقة وغير عادلة. ويشير الكاتب إلى أن أحلك مرحلة عاشتها الجزائر بعد الإستقلال هي مرحلة 1991 إلى 1992، خاصة مع تنامي الفكر الأصولي ذي التوجه العنفي الرامي إلى تأسيس دولة دينية، وما ميز هذه المرحلة من شلل اقتصادي وسياسي وفكري، بسبب سلسلة من الإعتصامات والاحتجاجات من قبل عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو ما يعرف ب”الفيس”، ومن نتائج هذه المرحلة هو إعلان حالة الطوارئ بالعاصمة في ال4 من جوان، أين أسندت للجيش مهمة استرجاع الأمن وتشكيل يوم 18 جوان حكومة جديدة أسندت لها مهام تحضير الانتخابات المسبقة التشريعية لشهر ديسمبر بعد عقد هدنة مع الهدنة مع الأصوليين، كما تناول الكاتب بإيجاز ما أفرزته تلك النتائج التي أقرت فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي أدخلت بدورها الجزائر في دوامة ومتاهة الإرهاب الأصولي والدولة الدينية.