“الشبكة العنكبوتية وحلفها المقدّس.. ضدّ الخطر البديل: التمويه والحقيقة” يعرّف الكثير من السّاسة والنُّخب الفكريّة في أوروبا والأمريكيتين مرجعيتهم الروحية بمصادرها ورموزها وطقوسها اليهودية المسيحية كما نصّت عليها الكتب المقدّسة في الألواح “العهد القديم والجديد” والأناجيل، ولا جدال في حق كل أمة أو مجموعة من الشعوب أن تختار عقيدتها الدينية، وتدافع عنها إذا تعرّضت للعدوان من الخارج أو الفتنة من الداخل. وإذا تعلّق الأمر بالأصول الحضارية، فإن أولئك السّاسة والنُّخب يعتمدون نقطة بداية منفصلة عمّا سبقها وعمّا جاء بعدها، وهي التراث الهيليني “الإغريقي” الروماني، وكأن حضارات الصين والهند والأزتيك ونوميديا والفراعنة إلخ...لم توجد أصلا، ولا حديث عنها إلا في الوكالات السياحية والكتابات الغرائبية، ولا حضور لها في الدراسات العلمية إلا باعتبارها أثريات أولية لحضارة الإغريق والرومان. أما الحضارة الإسلامية التي أعقبت واستوعبت الحضارات التي سبقتها، باستثناء القارة الأمريكية التي لم تكتشف في تلك الأزمنة، فإنّها محذوفة ولا حديث عنها إلا من خلال الحروب الصليبية وصلاح الدين أو السارازان Sarasin وحكايات ألف ليلة وعلي بابا...، بل حتى المدارس القليلة التي أنشأها الاحتلال والحماية في البلدان العربية والإسلامية تشطب من برامجها تاريخ وثقافة البلد المعني، ولن نشير هنا إلى محنة الاحتلال الاستيطاني في الجزائر، وننقل فقط شهادة إدوارد سعيد عن المدرسة البريطانية في حي الأزبكية بالقاهرة التي درس فيها في صباه، يقول في كتابه “خارج المكان”: ليس في برنامج المدرسة كلمة واحدة عن تاريخ مصر، لا الحديث ولا القديم، فلا دروس سوى عن بريطانيا وجغرافيتها وتاريخها الاٌمبراطوري. من النادر أن ينصف فلاسفة وفقهاء اللاهوت المسيحي مساهمة المسلمين من كل الأجناس والقارات في العلوم والفنون والآداب وما أضافوة للتراث الإنساني، وخاصة في العلوم العقلية، وحتى أسماء كبار العلماء والفلاسفة، فقد تمّ تحريفها نطقا وكتابة، مثل الخوارزمي والخيام وابن رشد وابن سينا والبيطار ومئات آخرين من الذين مهدوا لعصر النهضة والأنوار في أوروبا بعد القرن 17 من سمرقند إلى بغداد إلى القاهرة وتونس وفاس وبجاية وتلمسان ومراكز أخرى جنوب الصحراء مثل شنقيط وطونبكتو.