صدر، حديثاً، عن دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع بالعاصمة، أصدار جديد للمؤلف جمال بدوي، سلط فيه الكاتب الضوء على إحدى أهم حضارات ما قبل التاريخ، التي ترجع إلى حوالي 100 ألف سنة قبل الآن، يطلق عليها الحضارة العاترية، نسبة لاسم المكان الأول الذي اكتشفت فيه لأول مرة، وهو مدينة بئر العاتر، التي تقع جنوب ولاية تبسة. الكتاب الذي وسم ب “أضواء على الحضارة العاترية”، تناول فيه الكاتب عددا من المواقع الأثرية التي تزخر بها المنطقة، كالموقع الأثري المسمى”واد الجبّانة”، ويعتبر من أشهر المواقع الأثرية الطبقية في إفريقيا، ويمثل كذلك معلما لهذه الحضارة التي شملت معظم الأرجاء الشمالية للقارة، وامتدت جنوبا حتى تخوم الصحراء الكبرى.. كان الإنسان العاتري مثار جدل واسع في الدراسات التي تعنى بهذه الحضارة، والتي ترجح بعضها أن له الفضل في تطوير وسائل جديدة تقنية وجمالية في العصر الحجري القديم الأوسط كدليل على التأقلم مع الوسط الذي عاش فيه، كما تعتبره أخرى كحلقة وصل بين الإنسان الحالي وأسلافه الأقدمين. ومما جاء في الكتاب أنه منذ أن اكتشف موريس ريغاس الصناعة العاترية في أوائل القرن الماضي في واد الجبانة ببئر العاتر، فإنها لحد اليوم مازالت مثار جدا كبيرا بين الباحثين في عصور ما قبل التاريخ. وقد تباينت أول الأمر الآراء حول هذه الصناعة، حيث اعتبرها البعض مجرد تطور محلي للصناعة الموستيرية، أما البعض الآخر فتحدث عن صناعة مستقلة بذاتها في إطار ما يطلق عليه بتعاقب وتمايز الحضارات. ويرجع سبب هذه الإشكال إلى صعوبة التمييز في كثير من الأحيان بين الصناعتين المتشابهتين في جزء كبير من الأدوات الحجرية المكتشفة، وكذلك من خلال التداخل الموجود بينهما في بعض المواقع المنقبة. غير أن الدراسات حول تلك الصناعة أثبتت تميزها عن الصناعات السابقة، خاصة الموستيرية منها، حيث جاء هذه الأخيرة زمنيا قبل العاتري، كما تميزت عنها بتقنية جديدة لم تكن معروفة في السابق تمثلت في الأدوات الحجرية المذنبة، فهذه الأخيرة هي ميزة الصناعة العاترية بلا منازع، وهي الدليل على تحول كبير حدث في العصر الحجري القديم الأوسط، يؤرخ لميلاد حضاري جديد عنوانه الحضارة العاترية.