تزخر الجزائر بتراث لا حصر له من العادات والتقاليد التي تختلف من منطقة إلى أخرى، والتي تظهر من خلال التنوع الجغرافي والديمغرافي. وكما لا يخفى على الجميع فالعرس هو أنسب مكان تظهر فيه عادات كل منطقة من أجل التعرف عليها ارتأت "الفجر" التعريج على مختلف ولايات الوطن من خلال أعراسها.. البداية مع ولاية ساحلية من ولايات الوسط تفصل العاصمة عن بلاد القبائل، والتي تحظى بخصوصية تميزها عن الولايات الأخرى. تحضيرات ما قبل الزفاف بعدما تجد الفتاة فارس أحلامها ويتقدم لخطبتها ويحدد الموعد الذي يأخذها فيه على الحصان الأبيض، تبدأ التحضيرات بمساعدة العائلة كلها، خاصة الأم التي تحرص على تقديم النصائح والتعليمات إلى ابنتها فيما يجب توفره في الجهاز، وكل ما يلزمها من ملابس أغطية، أفرشة واللوازم المنزلية التي تجهلها الكثير من الفتيات. كما تعمد إلى مساعدتها أخواتها أوقريباتها في اقتناء الملابس والهدايا التي تحتاجها. وفي هذا الصدد فإن الكثير من الفتيات يقمن بعمليات تطريز الأفرشة بأنفسهن أوعند نساء مختصات في هذا المجال، لأن عرائس المنطقة يفضلن الصناعة اليدوية على تلك المقتناة، كما أن عملية غسل الصوف التي تتم على وقع الزغاريد وبمشاركة كل العائلة. مع اقتراب يوم الزفاف، وتحديدا أسبوعا قبل العرس، يحضر جميع أقارب العائلة خاصة الشابات منهن، وذلك قصد المساهمة في أشغال العرس، حيث يقمن بتنظيف البيت وتجهيز الغرف للضيوف، ومساعدة العروس في ترتيب جهازها. كما يتعاونون في إنجاز الحلويات المختلفة في البيت، لأن أغلبية العائلات بالولاية يصنعون الحلوى بأنفسهم، كما أن بعض العائلات تفضل شراءها من المحلات والجمعيات المختصة. وتعتبر الحلويات التقليدية في الصدارة كالمقروط والعرايش، المشوك، البقلاوة، إلى جانب الحلويات الحديثة التي أصبحت لا تفارق الأعراس بالمنطقة، كالكورني. أما العروس فتعامل كأنها ملكة المنزل، إذ تلقى الإعانة والتوجيه من الأم والخالات اللائي يوجهنها وينصحنها في طريقة التعامل مع البيت الجديد الذي ستعيش فيه، وضرورة الصبر.. لأن الحياة الزوجية لا تخلو من المصاعب! "الحنة" مرتان في بيت العروس العروس البومرداسية تحنى مرتين في منزلها العائلي يوما قبل العرس، ففي تلك الليلة تقوم أمها وعائلتها والمقربين منها الذين يجتمعون في تلك الليلة بوضع الحناء على يديها مصحوبة ب"التقدام" والزغاريد البهيجة، حيث ترتدي العروس اللباس التقليدي المتمثل في الزي القبائلي المعروف بألوانه البهية وشكله المميز، أو زى تقليدي آخر على غرار القفطان الذي أصبح مستعملا بكثرة. وبعد الانتهاء من حناء العروس تحنى الفتيات العازبات بعدها مباشرة من الكبرى وصولا إلى الصغرى، وذلك قصد الفأل بزواجهن بعدها. والجدير بالذكر أن الحنة تخبأ في مكان آمن من طرف أم العروس، تكون في شكل سهرة تقدم فيها الشاي وحلوى "الڤريوش"، لا تخلو من الزغاريد والرقص. "جبة قبايل" سحر العروس البومرداسية وفي صباح اليوم الموالي، تنهض العروس صباحا للذهاب إلى الحلاقة رفقة إحدى أخواتها، وإن لم توجد فأحد المقربات منها، للظفر بتسريحة أنيقة وماكياج مميز حتى تظهر في قمة جمالها ليلة العمر. وللإشارة فإن تكلفة تسريحات المرافقين تكون على حساب العروس. وعند عودة العروس من صالون الحلاقة بعد الغذاء، تبدأ التصديرة سواء كانت في المنزل أوفي قاعة الحفلات، أين تكون الجبة القبائلية ملكة الألبسة التقليدية.. فتأتي عائلة العريس إلى بيت العروس من أجل وضع الحناء لها، كون المنطقة عرفت منذ القدم بهذه العادة. كما أنه في ذات اليوم يؤتى لها بالملابس التي تعرض على المدعوين، الخاصة بالتصديرة وكذا العادية، بالإضافة إلى العطور والماكياج. وفي الأخير الحلي الخاصة بالعروس، يتم هذا بعد وضع الحناء للعروس من طرف والدة العريس، التي تأتي بطبق الحناء وفيه الشموع ومستلزماتها، كالبيض وماء الزهر الذي تخلط به الحناء مع البيض في الصحن. وأمام هذا تتقدم العروس بلباسها التقليدي القبائلي مع الحلي الفضية المتناسبة معه، وتبدأ بمد يدها لتحنى من طرف أم الزوج التي تبدأ بترديد المدائح الدينية متبوعة بالزغاريد المتعالية من المدعوين وأقرباء العروس، وفي مقدمتها أمها وأخواتها. كما يتم في نفس الوقت إشعال شمعتين تحملهما طفلتان صغيرتان تقوم أم العريس بالرقص بهما بعد الانتهاء من الحنة. للإشارة فإن الكثير من العائلات البومرداسية بدأت تتخلى عن هذه العادة بعدما أصبحت العروس تتعرض للمشاكل جراء حنتها.. تخرج ببرنوس العائلة وتدخل برش العطر والسكر في اليوم الموالي، تعاود العروس زيارتها إلى الحلاقة بنفس الطريقة ثم تنتظر حصانها الأبيض كي يقلها إلى بيت الزوجية. في اغلب الأعراس يصطحب موكب العروس بالزرنة التي تدوي في حي العروس، ليجتمع شباب الحي على الرقص على مختلف أنغامها، وتأتي دقيقة الحسم أين تدخل أم العريس وبعض أقاربه إلى بيت العروس. عند باب بيتها تضع أم العروس حبة بيض داخل ثوبها البيض لتقع على الأرض وتكسر، ثم تمر تحت برنوس والدها.. كي تبقى دائما تحت جناحه، لتركب في السيارة رفقة حماها وأخت زوجها وأختها، وممنوع منعا باتا أن تنظر للخلف وهي تاركة بيت أهلها الذي تربت وترعرعت فيه، لتصل وتدخل بيت زوجها مستقبلة بالعطور وحبات السكر، لتعاود نفس أشواط التصديرة في بيت عريسها.. حنة العريس رفقة أصحابه في نفس الليلة، وبعد انتهاء مراسيم حفل الزفاف للنساء، يأتي دور الرجال في الاحتفال على طريقتهم، وذلك من أجل وضع حنة العريس، فيلتقي الأقارب والأصدقاء وشبان الحي من أجل مشاركة العريس، وبتوفير مكبرات الصوت تبدأ عملية التقدام مصحوبة بزغاريد النساء من وراء النوافذ والشرفات، يحني العريس أصبعه وبالحنة المتبقية يحني أصحابه ممن أرادوا أن يلحقوا به، ليرافق بعد ذلك شريكة حياته إلى عش الزوجية. في اليوم الموالي يذهب أهل العروس لزيارتها من أجل المباركة، حيث يأخذون لها الهدايا والفطور الذي لا يخلو من اللحوم والحلويات التقليدية، على غرار المقروط، المسمن والاسفنج، أين يستقبلهم أهل العريس بوليمة الغذاء الفاخرة.