تعتبر مملكة “كوكو” من أعرق الحضارات البشرية على وجه الأرض، ارتبط اسمها بجبال جرجرة الشامخة منذ فترة ما قبل التاريخ، حيث توالت عليها العديد من الحضارات من الوندال إلى الرومان خلال القرن الأول ماقبل الميلاد إلى غاية القرن الرابع بعد الميلاد وبعده العثمانيين والفرنسيين تعد المملكة أو عرش “اث القاضي” الذي حكم لقرون عدة، بمثابة الحصن المنيع لتيزي وزو، التي يطلق عليها اسم الأسطورة الخالدة لما تكتنزه من تاريخ أزلي وأسرار عجيبة لم يتم اكتشاف العديد منها بعد. تقع مملكة كوكو على سفوح جبال جرجرة بين قرية اث هيشام، بعين الحمام، والتي تعلوها قمة لالة خديجة على ارتفاع 2038 متر، يرتبط هي الأخرى اسمها بالولية الصالحة التي تحرص المنطقة، لا سيما إبّان الحملة العثمانية وصولا إلى الحرب التحريرية. وتشير شهادات ممن تحدثت إليهم “الفجر” من مؤرخين وباحثين إلى أن التاريخ الأول للمملكة يعود إلى القرن الخامس عشر ميلادي عندما أسسهحمد الغبريني الذي أوفده آنذاك أبوه إلى المشرق العربي طلبا للعلوم الشرعية في إحدى جامعاتها إلى أن أخذ من العلوم ما يرويفؤاده، ليعود بعده إلى الجزائر، حيث عمل مدرسا في إحدى زوايا بجاية. وبفعل حنكته وجدارته في تولي الأمور تم استدعاؤه لتولي شؤون القضاء بعاصمة الحماديين فوافق على ذلك ومن هنا لقب باث القاضي نسبة إلى القاضي الغبريني الذي تولى تسيير الخلافات إلى أن عرفت المملكة صراعات داخلية أفقدتها القوة والهيمنة العسكرية، ما فسح المجال لأحد المستشارين بالمملكة لتولي زمام الأمور، حيث قاد جيوش القبائل من واد الصومام باتجاه الناصرية التابعة حاليا لبومرداس بعد التقسيم الإداري الأخير، حيث كانت تابعة لتيزي وزو إلى أن اغتيل سي أعمر على يد أخيه سي أحمد الذي استولى على العرش والمملكة في الوقت الذي فرّت أرملته إلى تونس وهي تحمل جنينها في بطنها، إلا أنها وبعد فترة أنجبت حند وتزوجت من أحد وزراء الباي التونسي الذي لقّن هذا الفتى فنون القتال، وعندما اشتد عوده قرر الانتقام لأبيه، فتوجه بقوافل من الجيوش صوب عرش اث غبري قرب مدينة عزازقة، بعدما ترك قومه مملكة كوكو وقد استقر هناك وأتباعه لقرون بقرية المقنية التي ما تزال شاهدة للعيان وأن أصل سكانها من تونس. ويقول بعض المؤرخين إن مملكة كوكو تعاقب عليها تسعة ملوك من سلاسة اث القاضي البربرية التي ما تزال آثارها قائمة إلى اليوم بأعالي مدينة تيزي وزو، ما استدعى تدخل وزارة الثقافة في ضم هذه المعالم إلى التراث الوطني، من خلال تصنيفها كما أن هذه العائلة العريقة يعود نسبها الأول إلى الصوفي سيدي محند السعيد بن القاضي الذي تحمل أعرق زاوية ببجاية اسمه، كما خلفه فيما بعد نجله في الحكم أبو العباس (1511-1527) وكذا أحمد بن القاضي، محمد بن القاضي (1527 - 1560)، أحمد بن أحمد (1560 - 1583)، محمد بن أحمد (1583)، عمر بن أحمد عمر بن عمر (1598)، أحمد بن عمر “التونسي” (1632 - 1696)، علي بن أحمد (1696-1750) والذين كانوا سلاطين المملكة لعقود. وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن عداوة كبيرة طبعت العلاقة بين مملكة كوكو والعثمانيين، حيث وقعت معركة ضروس انتهت بقتل أحد أمراء العثمانيين ودفنه بقرية اسلوم، ليحول قبره إلى فضاء للهو.