لم أفهم لماذا هذا الصمت المطبق الذي طبع أمس مناسبة، أو بالأحرى، مناسبتي عيد الاستقلال والعيد الوطني للشباب، فلولا الأعلام التي علقت عبر الشوارع لما انتبهنا أننا يوم 5 جويلية، اليوم الذي استرجعت فيه الجزائر سيادتها الوطنية، وخرج فيه الشعب الجزائري من ظلمات وقهر الاستعمار. لا شيء ميز أمس المناسبة، لا محاضرات ولا حفلات برمجت هذه السنة، التي تفصلنا عن مرور نصف قرن على استرجاع حريتنا وميلاد جمهوريتنا الوطنية!! لا أدري إن كانت السلطات (تحصر الزين) على حد التعبير الشعبي (أي تخفي الجمال حتى يوم العرس، الطريقة التي كانت تتبعها العروس في السابق لتظهر أجمل يوم زفافها)، وبالتالي سيكون احتفال السنة المقبلة في حجم هذا اليوم التاريخي، وسنعيش احتفالات صاخبة كتلك التي ميزت الذكرى العشرين بعنابة، والخامسة والعشرين بالعاصمة؟ أم أن انشغالنا بورشات الإصلاحات التي باشرتها البلاد منذ أسابيع جعلتنا لا نهتم بالتفاصيل وبالاحتفال، لأن الأهم هو ما نحن مقبلون عليه من إصلاحات ودستور جديد؟! أين هي وزيرة الثقافة في هذه المناسبة العظيمة، فقد عودتنا على الغيطة والبندير في كل مناسبة، أم أن احتفالات تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية أخذت منها كل الجهد والمال؟! أين هي الجماهير التي كانت ترفع الأعلام من أجل هدف يسجله الفريق الوطني؟! أين نحن من رمزية هذا اليوم؟! لا أريد للمناسبة أن تكون ”غناء وشطيح” وإنما لتكون فرصة للأجيال الصاعدة لتعرف حجم معاناة الجزائريين عقودا من الزمن مع أبشع أنواع الاستعمار. هل تكفي كل أيام السنة لنروي لأطفالنا ماعاناه القبائل الذين ساندوا الحداد أو المقراني أو الأمير عبد القادر في مقاومتهم للاستعمار؟ كيف شردوا، وكيف هجّروا قسرا إلى أرض غير أرضهم؟ هل تكفي كل هذه المناسبات لنروي لأبنائنا كيف حرمت عائلات بأكملها من فلذات كبدها؟ هل تكفي هذه المناسبات لنروي لهم ملاحم ”كايان” وكاليدونيا الجديدة، والشام وفلسطين، وأماكن كثيرة احتضنت آلام الآلاف من أبناء الجزائر الذين طردوا من أرضهم ومن أحضان أسرهم، لأن المستعمر أرادها أرضا بلا شعب؟ إن لم تكن مناسبة 5 جويلية أو أول نوفمبر أو الثامن ماي مناسبات للتذكير بأوجاع الماضي وبآمال المستقبل، فمتى إذن نقف مع الذات ونقيم ما قاسته هذه البلاد من مظالم وما حققته من انتصارات؟! فتحت صباح أمس التلفزيون على أخبار آتية من أمريكا، أمريكا على شساعتها وشحت وجهها بأعلامها، وشعبها على اختلاف مشاربهم وأصولهم، خرج يحتفل بعظمة أمريكا، وبعيد استقلال هذا البلد القارة على الوطن الأم؟! فلماذا لم نتوشح نحن بأعلامنا ونفرح بأعظم مناسبة في تاريخ الجزائر؟!!