موقف المواطنين الجزائريين من المسؤولين المحليين على مستوى البلدية والولاية وحتى الوزارات أصبح اليوم بفعل عدم عدالة توزيع السكن يشبه موقف المواطنين الجزائريين من حكم فرنسا في وقت الكولون في الخمسينيات! يحدث هذا بعد 50 سنة من الاستقلال! في سنة 1957 سجلت ذاكرتي الطفولية مقولة للمسؤول السياسي لجبهة التحرير بالدوار الذي أقطنه تشبه المقولة التي تتداولها الصحافة اليوم بخصوص أحداث الشغب التي تحدث عادة بالبلديات بسبب سوء توزيع السكن! في 1957 قامت السلطات الفرنسية العسكرية مدعوم بالكولون بمداهمة الدوار الذي يقطن فيه السكان في أعشاش من القش.. وقامت بحرق تلك الأعشاش مدعية أن "الفلاڤة" يستخدمونها أوكارا لهم! كان الفصل صيفا.. وبات السكان في العراء! قرأ المسؤول السياسي للجبهة على وجه السكان الحسرة من حرق فرنسا لأعشاشهم والتي يسمونها منازل، فهوّن عليهم الأمر قائلا: ماذا خسرتم من حرق هذه الأعشاش؟! خسرتم فقط "البق" والبرغوث الذي أحرقته فرنسا! وها أنتم الآن تنامون في العراء من دون "بق"! ولا برغوث! لكن الكولون الذين أحرقوا لكم بقكم وبرغوثكم لن يناموا هذه الليلة خشية أن تقوموا أنتم بالانتقام منهم بالهجوم عليهم! كما حدث في يوم "حي العرب" 20 أوت 1955! أنتم تنامون بلا فراش وبلا برغوث! وهم ينامون في الفراش.. ولكن برغوث الانتقام لن يتركهم ينامون! واليوم سمعت مسؤولا سياسيا في الدولة يقول إن الشرخ بين أجهزة الحكم والشعب أصبح غير قابل للإصلاح! وبعض المسؤولين أو الكولون الجدد لا ينامون في راحة سواء في محمية نادي الصنوبر أو في حيدرة.. ومظاهر بولسة الحياة في مدن البلاد بدرجة زائدة عن المطلوب تدل على أن العلاقة بين السلطة والشعب أصبحت تشبه علاقة شعب البرغوث والبق وشعب الكولون والقياد! إن منطق الشباب الذي يقذف مؤسسات الدولة بالحجارة ويقذف رجال الأمن أيضا بالحجارة وهو يردد "هذو حكومة"! هذا المنطق يدل على أن السلطة في الجزائر أصبحت في واد والشعب في واد.. وأن إعادة الأمور إلى الطريق الصحيح لا يمكن أن تتم بالأساليب التي تمارسها السلطة.. فالشعب يريد حكما يمثله بالفعل.. ولا يريد إصلاحات تؤدي إلى بعث مشروع قسنطينة كبديل عن الحرية والذي أتى به ديغول! الشعب يريد إعادة تأميم بوشاوي التي استولى عليها الكولون الجدد بالدينار الرمزي! وكذلك كل البوشاويات الأخرى عبر التراب الوطني! شعب البرغوث والقصدير والمساكن غير اللائقة لا يريد مساكن جديدة فقط. فهل فهمتم؟!