كل التخوفات التي طرحناها سابقا بشأن ليبيا تأكدت، وهاهو الصراع على أشده وسط صفوف الثوار، أو بالأحرى عناصر المجلس الانتقالي. فقد حذرنا في كل كتاباتنا في هذا الموقع من سيطرة الجناح الإسلامي على مقاليد الحكم بعد الإطاحة بمعمر القذافي غير المأسوف عليه، وها هو الصراع يتفجر بين إسلاميين وليبراليين في المجلس الانتقالي، خاصة بعد إعلان مصطفى عبد الجليل منذ يومين في خطابه بعد عودته إلى العاصمة طرابلس، أن الإسلام سيكون مصدر كل تشريع في ليبيا، وهو ما يعني قيام جمهورية إسلامية خلفا لجماهيرية القذافي. وها هو الإسلامي المدعو الصلابي، يطلق وابلا من الاتهامات على الأعضاء الليبراليين في المجلس الانتقالي الليبي، الشمام وجبريل وآخرين، بل ذهب إلى حد مطالبة جبريل بالاستقالة، وكان هذا الأخير صرح منذ أيام أنه سيقدم استقالته إذا ما ظهر خلاف بين أعضاء المجلس الانتقالي. وما هذا إلا شرارة لانطلاق حرب أهلية ستكون طويلة ودامية من دون شك في ليبيا، وسيدفع ثمنها الشعب الليبي البريء، الذي ما صدق أنه ارتاح من نار القذافي ومحيطه. ما ينتظر ليبيا قد يكون أخطر مما عاشته تحت حكم الدكتاتور الفار، وكل المؤشرات تقول إن عناصر القاعدة والجهاديين من مختلف مشاربهم سيستهدفون الأسماء الليبيرالية التي كانت أول من نادى بسقوط القذافي، بل ستتم تصفيتهم واحدا واحدا، مثلما جاء في تقرير أمريكي نشرته ”الفجر” منذ أيام. فالقاعدة بيدها السلاح، وشلقم والشمام وجبريل ليس بيدهم سوى الكلام وهو ما يسهل على الإسلاميين تصفيتهم في أقرب الآجال، قبل أن يلتفتوا لبعضهم في صراع آخر على السلطة، مثلما حدث بين الفصائل الإسلامية التي حملت السلاح في الجزائر سنوات التسعينيات وتقاتلت فيما بينها. وطبعا، لن يناصر الناتو ولا فرنسا لا هذا ولا ذاك، ولن تحاول قوى التحالف حماية الليبراليين، لأن أي اقتتال بين الليبيين الآن سيخدم مصلحتها، وبقدر ما تطول الأزمة في ليبيا، بقدر ما ترتفع الفاتورة التي ستأخذها فرنسا خاصة مباشرة من الودائع الليبية دون استشارة أحد، ولا أحد يمكنه منعها أو معارضتها، لأن لا أحد يكون كسب شرعية الحكم في ليبيا عند احتدام الصراع، بل سيحذو المتصارعون حذو المجلس الانتقالي الذي وقع على بياض للشركات الفرنسية على أخذ أزيد من 30 ٪ من النفط الليبي. كل شيء يدل على أن ليبيا صارت عراقا ثانية، فهنيئا للغرب بخراب البلدان العربية، التي من سوء حظ شعوبها أنها تجلس على خيرات الدنيا دون أن ينعكس هذا على معيشتها، فلا هي استقرت ونعمت بالحرية والتقدم، ولا هي سجلت في قائمة البلدان المستعمرة وطالبت بموجب هذا تصفية الاستعمار بها. أخاف أن يندم الليبيون على زمن القذافي، الذي يبقى رغم كل شيء المسؤول الأول عما آلت إليه الأوضاع في ليبيا، أخاف أن يندم عليه مثلما ندم العراق على سفاح آخر اسمه صدام.