”على الملوّث أن يخجل من سلوكه وحري بعامل التنظيف الافتخار بدوره الحضاري” لا يخلو حي من أحياء الجزائر من منظر أحد هؤلاء المنظفين وهم يقومون بكنس الطرقات وحمل النفايات، أو من منظر شاحناتهم وهي تجول شوارعنا ليلا أو في الصباح الباكر بحثا عن أكياس رميت عشوائيا في الطريق من قبل بعض المواطنين الذين لا يتوانون في جعل مهنة هؤلاء أكثر صعوبة ومشقة، مقابل شهرية لا تكفي حتى لاقتناء الضروريات. بين العمل لساعات طويلة، وسط ظروف صعبة للغاية، وبوسائل معدومة تجعل من إمكانية الإصابة بالأضرار أمرا حتميا، ناهيك عن الإساءات اللفظية... يقضي عمال النظافة يومياتهم، في ظل غياب ثقافة النظافة عن أذهان الكثير من الجزائريين الذين لا يبذلون أي جهد للحفاظ على نظافة المحيط وذلك من خلال قيامهم بتصرفات غير حضارية تصعّب من مهمة عمال النظافة، كإخراج النفايات خارج الأوقات التي حددت لها، وكذا رميها بطريقة عشوائية وعدم إحكام ربطها مما يجعلها عرضة لنبش القطط والكلاب الضالة، أما عن إلقاء الأكياس المليئة بالقمامة من الشرفات فحدّث ولا حرج! وعن هذه التجاوزات حدثنا عمي السعيد أحد عمال النظافة القدامى ببلدية رايس حميدو عن يومياته قائلا:”منذ كنت شابا وأنا أعمل بجد في جمع النفايات وتطهير الطرقات، إلا أن شيئا لم يتغير، فعقلية الجزائري هي نفسها، والظروف التي نعمل فيها لم تتغير أيضا، أما الأجر، فرغم بعض الدنانير التي زيدت إلا أنه لا يكفي...”. عمل بدون شروط الأمن والوقاية وما يؤلم الفؤاد هو ما يتعرّض إليه هؤلاء المنظفون من أمراض جلدية وتنفسية وأحيانا جروح عميقة بسبب قطع الزجاج المرمية بدون أكياس وسط القمامة المنزلية للمواطنين، وذلك في ظل انعدام مستلزمات الوقاية والأمن، وإن وجدت هذه الأخيرة فهي قديمة جدا لا تكاد تؤدي وظيفتها المطلوبة كمواد التطهير والتعقيم، أما الأدوات المستخدمة فهي توحي بأنهم يقومون بمضاعفة القمامة بدل إزالتها من فرط قدمها واكتسائها لألوان الأوساخ كحاويات نقل القمامة مثلا. الشيء الذي أثار استنكار عمال النظافة ممن التقتهم “الفجر”، حيث عبر لنا (ك.ط) قائلا: ”إننا نتعامل يوميا مع السموم والأمراض بحكم مهنتنا ولا اعتراض لنا على ذلك، إلا أننا نطالب بإلحاح بتجهيزنا بأدوات جديدة بدل تلك التي أكل عليها الدهر وشرب”، وقاطعه عمي السعيد قائلا: ”لطالما تعرّضت لجروح عميقة نتيجة احتكاكي بالأدوات الحادة، فأتحمل بمفردي نفقات العلاج والدواء، علما أن مبلغ التعويض زهيد جدا”. الأضرار النفسية أكثر ألما من الجسدية يواجه عمال النظافة في الجزائر، إضافة إلى المخاطر المهنية، ألم المعاملة السيئة من المواطنين الذين لم يتمكّن بعضهم إلى غاية اليوم من تقدير حجم الخدمة العظيمة التي يقدمها لنا هؤلاء بتخليصهم لنا من السموم التي تلوث أحياءنا، فيستمر بعضهم بنعتهم بالزبّالين الشيء الذي لا يعبّر البتّة عن طبيعة عملهم. هذا ما يستنكره العديد من المنظفين، على غرار (ج.د) الذي قال “أستطيع تحمّل المخاطر والإصابات الجسمية، لكن ما يحزّ في نفسي هو نظرة الاحتقار التي أراها في أعين السكان، أما عبارة “الزبّال” فقد اعتدنا عليها”. أما عمي السعيد فقد استطرد قائلا:”لا يفتأ المواطنون في إسماعنا عبارات جارحة تحمل في طياتها تحميل مسؤولية اتساخ الأحياء وتلوثها، بالرغم من أنهم هم السبب الأساسي وراء ذلك، فنحن نؤدي واجبنا كما ينبغي وكما يقول المثل الشعبي “يد واحدة لا تصفق”. معاناة الشباب أكبر لسنوات طويلة مضت كانت مهنة عون النظافة مقتصرة على كبار السن، إلا أننا بتنا نلاحظ إقبال فئة الشباب بقوة على هذا الميدان، وذلك في إطار البرنامج الوطني لدعم وتشغيل الشباب. شباب في مقتبل العمر اختاروا العمل على البطالة ورفعوا شعار “خادم القوم سيدهم”. فهذا (علي.م) 24 سنة عامل نظافة ببلدية براقي قابلنا بوجه مبتسم قائلا: “العمل ليس عيبا، ومهنة المنظف كغيرها من المهن الشريفة التي لا أخجل أبدا من كوني أنتمي إليها”. أما (س. م) البالغ من العمر 26 سنة، فقد أخبرنا أنه في البداية لاقى الكثير من الصعوبات في تقبّل سكان حيه لطبيعة عمله والذين طالما استهزأوا منه، ثم أضاف قائلا “أجبرتني ظروفي المادية على العمل في هذا المجال، لكن مع الوقت أيقنت أن الذي يلوث هو الذي عليه أن يخجل، أما أنا فدوري هو التنظيف وأنا فخور بذلك”.