..وأخيرا، افتكت الثورات العربية شيئا من حقوق المرأة السعودية، التي لاشك أنها سعدت كثيرا بتنازل الملك مرغما ليسمح للنساء السعوديات بالترشح والانتخاب مستقبلا. طبعا، ما كانت المرأة السعودية لتحصل على هذا الحق، الذي تأخر كثيرا، لولا تخوف خادم الحرمين من انتقال عدوى الثورات إلى بلاده، ومثلما وزع الملايير على الشعب السعودي عند عودته من رحلة العلاج في بداية اهتزاز العروش العربية، ها هو الملك يتقدم بخطوة حذرة نحو المرأة التي ناضلت من أجل إسماع صوتها في مجتمع منغلق، ومن أجل حقها في سياقة سيارتها بنفسها وغيرها من الحقوق... ربما كان النظام السعودي يعتبر صوت المرأة في الانتخابات هو الآخر “عورة” مثل صوتها الطبيعي، ولذلك فرض عليها الصمت طيلة سنوات، فهل سينتبه أيضا ويرفع الحظر عن حقها في قيادة السيارة، فليست كل النساء السعوديات ثريات وبإمكانهن توظيف سائق، فالكثير منهن، خاصة العاملات والموظفات، ليس لهن من مداخيل غير راتبهن، فكيف لها أن تتقاسمه مع سائق وتحرم عائلتها من أموال هي بحاجة إليها؟! فالقيادة ليست فقط من أجل الفسحة والمتعة، هي ضرورة ووسيلة حياة في مجتمع يتغير، حيث تكون المرأة مجبرة على الخروج والتنقل لمسافات. لا أدري إن كانت هذه الإجراءات الاحترازية ستحمي النظام السعودي من غضب الشارع السعودي، بل الغضب العربي في كل الأقطار العربية، خاصة وأن هناك الكثير من الغاضبين على النظام السعودي ويحملونه مسؤولية فشل الثورة في اليمن والبحرين والسعودية، بل يحملونه مسؤولية ما يحدث في فلسطين من مآس ومن فشل الحصول على الدولة الموعودة، لأن العاهل السعودي يقف بماله وسلطانه إلى جانب أمريكا وأمريكا تقف بكل ثقلها إلى جانب إسرائيل. ربما لهذا الهاجس تنازل الملك و”تسامح” مع النساء في عملية هي بمثابة صمام أمان أكثر منها إحقاق حق، لكن هل سترضى السعودية بهذا، وتتوقف مطالبها وأحلامها هنا، أم أن هذا المكسب سيفتح شهيتها لمطالب أخرى، كأن تتحرر من سلطة المحرم مثلا، لأن الملك لما أقر بحقها في التصويت والترشح، لم يقل إن كانت ستذهب إلى الصناديق مع المحرم أو بدونه؟