لا يختلف اثنان على كون علاقة الصداقة من أسمى العلاقات الإنسانية في الوجود، ومع تطور الحياة بكل جوانبها، وتغير طبيعة الأعمال وارتفاع عدد الساعات التي يقضيها الناس في مكان عملهم، ما زاد اختلاط الموظفين ونشوء صلات صداقة بينهم. فهل هناك وجود حقيقي للصداقة في مجال العمل؟ وهل يوجد فرق بينها وبين الزمالة؟ وما تأثير هذه الصداقة على المردود المهني؟ صداقة، رفقة، صحبة.. تختلف تسمياتها والمعنى واحد، إنسان تقاسمه هموم الدهر وأفراحه، يرافقك في السراء والضراء ليكون سندا وعونا لك وصندوق أسرارك. يقول المثل العربي “نحن لا نستطيع اختيار أهلنا، لكن نستطيع اختيار أصدقائنا، لذا وجب علينا حسن اختيارهم”. قد يكون أصدقاء الطفولة رفقاء مدى العمر، غير أن الإنسان طيلة مروره بمراحل مختلفة في حياته يشكل علاقات مختلفة تنتهي بعضها بصداقة قوية. ومن ضمن هذه العلاقات الصداقة بين زملاء العمل، والتي يذهب الكثير إلى اعتبارها مجرد زمالة لا تتعدى ساعات الدوام اليومي. أمينة، موظفة في مجال الإشهار، تقول:”أنا أحرص على أن أعامل كل زملائي في العمل بنفس الطريقة، فما يربطنا هي مجرد صداقات سطحية مع الجميع، دون أن أركز على شخص بعينه، في حين أن أغلب الصداقات من هذا النوع عادة ما تنتهي بصداقة حقيقية تتعدى حدود المكتب والمؤسسة. أما عادل، موظف في إحدى الشركات العمومية، لا يرى أي مشكلة في إنشاء علاقة صداقة في مجال العمل على أن تبقى ضمن حدود الاحترام، ويقول: “في النهاية التعامل مع الآخرين أمر ضروري في حياتنا، خاصة إذا كان هذا الآخر زميل نقتسم معه نفس المكان طيلة 8 ساعات يوميا” رشيد، موظف في الخطوط الجوية الجزائرية، يعتقد أن للصداقة في مجال العمل إيجابيات كثيرة، قائلا: “تتجلى هذه الإيجابيات في كثير من المواقف، خاصة إذا وقعت مشكلة عملية بين الزملاء، فالصداقة هنا تلعب دورا مهما في إحداث الصلح والاتفاق في معظم الأحيان”. للنساء حسابات أخرى.. أما النساء فقد اختلفت آراؤهن حول الموضوع، ففي حين ترحب الكثيرات منهن بفكرة الصداقة بين الزملاء، تتجه أخريات إلى نعتها بأسماء كثيرة منها “زمالة لا ترتقي لمرتبة الزمالة”، وبين اعتبارها مستحيلة في ظل وجود اعتبارات مهنية تمنح للغيرة المكان الأوسع على حساب الصداقة. في ذات السياق، تقول حياة، موظفة في شركة اتصالات:”إذا كانت الغيرة غير موجودة في القطاعات العمومية، فهي سيدة الموقف في الشركات الخاصة أين يتسابق الجميع لنيل رضا المسؤولين، ما جعل الصداقة مغيبة جدا في حالتنا”. أما جميلة، موظفة في بريد الجزائر، فترى في الصداقة في ميدان العمل “صحبة مبنية في إطار مصلحة، أي أنها لا تتعدى أن تكون زمالة لا أكثر”، مضيفة:”علاقتي مع زميلاتي لا تتعدى باب المؤسسة”. وللأخصائيين النفسانيين رأي في الموضوع، باعتبار أن الأنثى تختلف عن الذكر في طريقة تفاعلها وتفكيرها. وفي هذا الصدد تقول الدكتورة النفسانية نسيمة. م:”على المرء أن يحذر من إنشاء الصداقات القائمة على المصالح لأن ذلك سيؤثر سلبا عليهم بالدرجة الأولى”. الزمالة بين الرجل والمرأة تحكمها شروط أخرى يعرف هذا النوع من العلاقات حساسيات كثيرة بحكم مجتمعنا وعاداته، فالعلاقة بين الرجل والمرأة، خاصة في ميدان العمل، تحكمها قوانين ومبادئ كثيرة، خاصة إذا تعلق الأمر بالمتزوجين.. كريمة (26 سنة) موظفة بإحدى الشركات العمومية، تقول:”زوجي شيد الغيرة كغيره من الجزائريين لذا فأنا أحرص على الابتعاد عن هذا النوع من العلاقات قدر الإمكان، فزميلي لا تتعدى علاقته بي إلقاء التحية فقط تجنبا لأي مشكل”. أما إلهام، موظفة في شركة اتصالات، فتقول: “طبيعة عملي تتطلب مني الاحتكاك بالرجال، ولم أجد أي صعوبات في التعامل معهم، فالاحترام هو الغالب على علاقتنا”. وفي ذات السياق، أكد الأخصائيون النفسيون أن كل من الرجل والمرأة يسعيان لكسب صداقة الطرف الآخر بحثا عن الطمأنينة وتجنب الغيرة التي غالبا ما تحدث بين الأفراد من نفس الجنس، حيث أكدت لنا الدكتورة نسيمة:”غالبا ما تغير المرأة من أختها إذا كانتا تعملان في نفس المجال، لذا فهي تلجأ إلى صداقة زميلها الرجل الذي يوفر لها الراحة النفسية أكثر“. رؤساء العمل:”الصداقة بين الموظفين قد تؤثر على مردوديتهم” يذهب العديد من رؤساء العمل إلى القول إن صداقة الموظفين تؤثر سلبا على نتائجهم المهنية، خاصة إذا تعمقت هذه الصداقة، ما يجعل الموظفين يقضون ساعات العمل في اللهو والدردشة. غير أن البعض منهم يرى النصف المملوء من الكوب، ويجد أن هذه الصداقات تأتي بنتائج إيجابية على مردودية الموظفين، حيث يقول السيد رشيد، رئيس مصلحة بالخطوط الجوية:”أفضل العمل مع فريق يسود بينهم الود والصداقة فذلك يضمن لي الراحة في العمل، وأضمن أنهم يساعدون بعضهم لإنجاح العمل”، الشيء الذي شاطره فيه السيد بشير، مدير دراسات في جامعة الجزائر، حيث أكد أن “الصداقة بين الموظفين تضفي جوا من الراحة النفسية في مكان العمل، الشيء الذي يساعد على العطاء أكثر”.