هذه قصة ..... قال الجندي لرئيسه: صديقي لم يعد من ساحة المعركة سيدي، أطلب منكم السماح لي بالذهاب والبحث عنه. قال الرئيس الإذن مرفوض، لا أريدك أن تخاطر بحياتك من أجل رجل من المحتمل أنّه قد مات. ذهب الجندي دون أن يعطي أهميّة لرفض رئيسه وبعد ساعة عاد وهو مصاب بجرحٍ مميت حاملاً جثة صديقه.. فقال له الرئيس لقد قلت لك أنّه قد مات! قل لي أكان يستحق منك كل هذه المخاطرة للعثور على جثّة؟ أجاب الجنديّ محتضراً بكل تأكيد سيدي، عندما وجدته كان لا يزال حياً واستطاع أن يقول لي: "كنت واثقاً بأنّك ستأتي. وهذه قصة أخرى ..... فور دخولي بعد عطلة قصيرة و دون تفكير ذهبت لأسأل عن صديقتي، دخلت مكتبها وضننت أنني أخطأت الطابق فقلت لمن وجدته منهمكا في عمله عفوا على الإزعاج أنا أريد الطابق الرابع و لكن الظاهر أن تعبي استوقفني في الطابق الثالث .ردّ علي بابتسامة عريضة، لا لم تخطئي و أظن أنك تريدين فلانة، هي لم تعد هنا ، كيف لا تعلمين ذلك ؟ ألست صديقتها ؟ قريبة منها....لم أسمع بقية الكلام لأن كلانا أصيب بصدمة، فهو يتذكر أكثر مني كيف كنا نلتقي و نتخاطف الكلمات دون حساب الوقت وكيف كنت أفرح لفرحها مثل الأطفال و أحزن لألمها كثيرا، صداقة بنيتها بحجارة من الثقة و الوفاء و الاهتمام المستمر ، ربما سكنت وحدي في هذه البناية الخرافية و هي لم تكن سوى جارة تزورني لتفرغ قفة تعبها اليومي . إنّ زمن اليوم جعل من المشاعر لغة لمن ليس له عنوانا، مثل المتسولين يطلبون عطف المارة. رغم أن الحياة تتعبنا و تلهينا حتى عن أقرب الناس إلا أننا نجد دائما وقتا بين الوقتين الضيقين للسؤال عن الأصدقاء كل حسب درجة العلاقة التي قد تحددها طبيعة العمل أو حتى تفرضها و تغذيها بمرور الوقت لوجود الفضاء الاتصالي المباشر مما يتيح فرصة أكبر للإنسجام و تمتين العلاقة. الصداقة هي أجمل وأسمى العلاقات الإنسانية، هي الوفاء والإخلاص للصديق، هي تلك الثقة المتبادلة التي لا تزعزعها أمواج الزمن مهما صخبت وضجت، إنها التضحية في سبيل إسعاد الصديق ومساعدته في تخطي كل ما يعترض طريقه ومهما كانت العقبات ومهما كثرت أشواك الدرب يبقى الصديق مستعدا لرفع صديقه على راحتيه ليقيه تلك الأشواك حتى و لو انغرست في قدميه هو ولكنه لا يأبه مادام صديقه في أمان. و لكن زماننا هذا قد حرف الكثير من المفاهيم النبيلة و أصبح كل فرد من أفرادها يحولها إلى ما يناسب مصالحه و أهواءه ، فباتت صداقة المصالح لا صداقة القلب، صداقة المجاملة لا صداقة الثقة، و أصبحت الصداقة كلمة ترددها الألسن لإرضاء هذا الزمن كما يردد الطفل ما يسمعه دون أن يفهمه. فالصديق الحقيقي هو الذي يقبل عذرك و يسامحك إذا أخطأت و يسد مسدك في غيابك، و هو الذي يظن بك الظن الحسن و إذا أخطأت بحقه يلتمس العذر و يقول في نفسه لعله لم يقصد، و يكون معك في السراء و الضراء و في الفرح و الحزن و في السعة و الضيق و في الغنى و الفقر ويؤثرك على نفسه و يتمنى لك الخير دائما و يسرع لخدمتك دون مقابل. معادلة صعبة التوازن في الاتجاهين، فعلى أحد الطرفين تقع مسؤولية صيانة العلاقة و قد يفاجئك المستفيد الأكبر من هذه الصداقة ببتر العلاقة التي أصبحت عبئا ثقيلا عليه و يقول لك ببرودة :آسف لم تعد صديقي........فمن منكم يريد صداقة جاهزة ؟