أعترف أن وضع حجر زاوية هذا العدد من "الفجر الثقافي" على موضوع توقيعات الكتّاب لقرّائهم وأصدقائهم، على الصفحة الأولى من مؤلفاتهم الجديدة، ليس مرتبطا بحدث الصالون الدولي للكتاب المنقضية فعالياته، أول أمس، وما تخلّلها من جلسات بيع بالتوقيع، وإنما جاءت فكرة الملفّ من رصيف قريب من مبنى البريد المركزي بالعاصمة، أين يطرح بعض باعة الكتب القديمة ما تيسّر لهم من عناوين.. كنت على أهبة عبور هذا الرصيف الهارب من زحمة سيلا 16، عندما لمحت ذلك الكتاب الأبيض الذي يحمل عنوان "الأعظم"، اقتربت من الكتاب لأتأكّّد أنّ ما وقعت عليه عيني ما هو إلا رواية الدكتور إبراهيم سعدي الأخيرة، والتي وعدته بقراءتها قبل أشهر ولم يتسنّ لي العثور عليها من قبل.. اشتريتُ النسخة الملقاة على الرصيف، من دون أن أفتحها، خصوصا وأن غلافها أبان لي أنّ أوراقها عذراء ولم تمسسها أصابع قارئ من قبل (مع العلم أن الرواية صدرت مع نهاية سنة 2010 عن دار الأمل للنشر والتوزيع).. بعد سويعات قليلة من اقتناء الرواية، فتحتها بنيّة التصفّح، وإذا بي أقرأ هذا الإهداء الذي كتبه سعدي بخطّ يده في الصفحة الأولى من الرواية متبوعا بتوقيعه وتاريخ الإهداء، وسأضطر إلى إنقاص جرعة من الخبث وأحذف اسم الذي أهدى له سعدي روايته بكثير من التقدير !.. كتب سعدي في صدر الصفحة الأولى من نسخة الرواية :"إلى القاص والروائي والصحفي الصديق العزيز (....) عبد القادر، مع المحبة والتقدير والوفاء.. إبراهيم سعدي في 6/12/2010".. عبارات الصداقة والمعزّة والمحبّة والتقدير والوفاء، لم تشفع ل"الأعظم" لكي يبقى في مكتبة القاص والروائي والصحفي الصديق العزيز، وربما كان الكتاب محظوظا؛ إذ وصل إلى "طرحات" الكتب في إحدى أرصفة العاصمة ولم يصل إلى مفرغات الحرّاش.. على ذكر مفرغات الحرّاش، تذكّرت حادثة طريفة رواها لي الأستاذ الكاتب سعد بوعقبة، وقعت له قبل عقود.. يقول بوعقبة إن الروائي الراحل الطاهر وطّار كتب له إهداء في الصفحة الأولى من روايته الجديدة -آنذاك- الموسومة ب"اللاز".. أخذ بوعقبة الرواية التي "اشتراها بالإهداء !" من كاتبها رغمًا عنه. وصادف أن والد بوعقبة كان في ضيافته بالعاصمة، وهو إمام زاوية، لا يشذّ عن الصراط.. في غفلة من بوعقبة الابن، فتح بوعقبة الأب "اللاز" المُهداة لابنه بالتوقيع، لتصفعه بعض العبارات الجريئة - حتى لا أقول المخلّة بالآداب - في بداية الرواية، فامتعض الشيخ امتعاضا شديدا، ولعن في سرّه صداقات ولده.. بعدها بحث بوعقبة الابن عن الرواية التي تحمل توقيع شيخ الروائيين الجزائريين، فوجدها بين قُمامة سلّة المهملات.. منذ ذلك التاريخ قرّر الأستاذ بوعقبة أن لا يشتري كتابا بتوقيع أو إهداء من صاحبه.