عادت ظاهرة بيع الكتب المستعملة لتنتشر في العديد من الأماكن العمومية، لاسيما الأرصفة منها، حيث تنتعش مع حلول كل موسم اصطياف لتضفي جوا مميزا وتضيف إلى المشهد اليومي صورا جديدة، سيد الموقف فيها هو الكتاب وليس منتوجات غذائية أو سلعا لا يكف المواطن عن اللهث وراءها طيلة أيام السنة. وقد انتشر العديد من هؤلاء الباعة الذين تتشكل غالبيتهم من الشباب في أماكن استراتيجية بالعاصمة، كونها تشهد حركة لا تنقطع طوال اليوم، الأمر الذي يضمن لهؤلاء الباعة حظوظا كبيرة لتسويق ما لديهم من كتب مستعملة وحتى الجديدة منها. وقد نصبت بساحة البريد المركزي بقلب العاصمة طاولات محمية ب''الشماسي'' تحتضن مجموعات كبيرة من الكتب والمجلات، وتتنوع هذه الكتب المعروضة لتشمل مجالات مختلفة كالدين، الفن، الإعلام، الكمبيوتر، فضلا عن الكتب العلمية والطبية وبعض القواميس. كما يعرض البعض من هؤلاء الباعة المصاحف والمجلدات من كتب الفقه وتفسير القرآن، بالإضافة الى الروايات والقصص والكتب الخاصة بعالم الثقافة كالمسرح والشعر وغيرها من التخصصات. ''المساء'' اقتربت من احد الباعة الساحة لتستفسر عن بعض تفاصيل نشاطه، ولم تمض لحظات حتى وجدنا أنفسنا نغوص في عالم الكتب ومرافقنا ''ا. سمير'' البائع الذي فتح لنا قلبه، ليخرج ما بداخله من حب وشغف للكتاب، وهو الذي تعلم كيف يستمتع به ويستفيد منه طيلة سنوات ممارسة هذا النشاط الذي يعود الى سنة 1999 ورغبته في إفادة الآخرين وجلبهم نحو ولوج عالم المطالعة بكل ما تحمله من فوائد وترفيه وتثقيف للإنسان. تنوعت كتب ''سمير'' فجمعت بين العديد من اللغات من العربية إلى الإنكليزية والإيطالية والإسبانية والفرنسية. وحسب مرافقنا فإن الطلب يكثر على كتب الأدب العربي وروايات كبار القصاصين والروائيين مثل نجيب محفوظ وأغاتا كريستي وتولستوي وألبير كامو وأمين معلوف، إضافة إلى كتب الجغرافيا والتاريخ وموسوعات العالم... وكتب قصص الحب كسلسلة ''أرلوكان'' المطلوبة بكثرة من طرف الفتيان والفتيات من المراهقين، وكذا كتب المغامرات والجوسسة، فضلا عن الكتب الخاصة بتربية الحيوانات ككلاب الحراسة والصيد. النساء الأكثر إقبالا واهتماما بالكتاب والمطالعة وعن الفئة التي تهتم أكثر بهذه الكتب، لا سيما القديمة منها، يقول ''ياسين'': ''أن النساء هن الأكثر إقبالا على شراء الكتب المعروضة، وهي الحقيقة التي لمستها طيلة سنوات ممارسة هذا النشاط، منهن من يتقدمن بطلبيات تخص كتابا معينا أو كتبا تدخل في مجال اهتماماتهن ولا يترددن في العودة الى البائع مرارات ومرات للحصول على ما يرغبن من كتب ومجلات، ولا يهمهن السعر، حيث نادرا ما تطلب المرأة تخفيض السعر المحدد، عكس الرجال''، الذين يقول سمير انه يتعب كثيرا معهم في هذه النقطة بالذات. كما تقوم النساء اللائي يحضرن لاكتشاف الجديد بين ما يعرض من الكتب باقتناء عناوين لأزواجهن وحتى الكتب المدرسية أطفالهن إذا توفرت، كونها اقل تكلفة من الكتب التي تباع في المدارس مع بداية كل سنة دراسية. أما الطلبة، لا سيما الجامعيين منهم، فغالبا ما تتعلق طلباتهم، حسب ''ياسين''، ببعض الكتب التي يعجزون عن الحصول عليها من المكتبات نظرا لأسعارها الخيالية. ويفضل محدودو الدخل من أرباب العائلات كما يؤكد محدثنا الحصول على كتب لأطفالهم بأقل سعر ممكن من أجل الاقتصاد في المصاريف، خاصة وأنهم يواجهون مصاعب جمّة مع الارتفاع المسجل في الأسعار واللهيب الذي انتقل من المواد الأكثر استهلاكا إلى سائر المواد، ليشمل الأدوات المدرسية من كتب ودفاتر ومآزر وغيرها، خاصة وأن الدخول المدرسي أصبح يتزامن خلال هذه السنوات مع شهر رمضان المعظم. كتب تسترجع من سلة المهملات وأخرى تتنازل عنها المكتبات ويشير اغلب الباعة الذين التقيناهم بساحة البريد المركزي، الى أن مصادرهم الأساسية للحصول على الكتب هي المكتبات، التي تقوم بالتخلص من بعض ما لديها من عناوين من حين لآخر بأسعار مخفضة، الى جانب المكتبات المنزلية التي أصبحت تزودهم بعدد لا بأس به من الكتب. وحسب البائع ''إلياس'' فإن العديد من أصحابا المكتبات قرروا خلال السنوات القليلة الماضية تغيير نشاطهم وتوقيفها نهائيا بسبب إفلاسها، وهو الأمر الذي سمح بشراء عدد كبير من كتبهم، بينما يفضل بعض المواطنين التعامل مع هؤلاء الباعة للتخلص من بعض كتبهم المدرسية، منها تلك التي طالما بقيت حبيسة سلة المهملات المنزلية وأرشيفها المنسي. أما المصدر الثالث فيتمثل في الكتب القيمة والنادرة التي يضطر العديد من المثقفين إلى بيعها عند الحاجة أو عند الوقوع في ضائقة مالية كبيرة بثمن زهيد، بالإضافة إلى دور النشر التي تضطر بعضها إلى بيع الكتب بأسعار زهيدة بهدف التخلص منها بعد أن قررت إغلاق أبوابها. واقترح بعض المثقفين والمبدعين والمهتمين بعالم الكتاب، تنظيم صالون للكتاب المستعمل والقديم بالجزائر، وهي الفكرة التي يعتبرها العديد من الجزائريين، لا سيما هواة المطالعة، فكرة جيدة من شأنها أن تساهم بشكل فاعل في الرفع من مستوى وعي المجتمع وتحفيز الناس على البحث والمعرفة والاطلاع، وهي الأشياء التي تعود نفعا على المجتمع ككل. مع العلم أن الفكرة ليست جديدة كونها معتمدة في العديد من الدول التي سبقت ونظمت معارض للكتب المستعملة في الوقت تواظب البعض منها على تنظيمه سنويا. أسعار تتراوح بين 40 و1000 دينار تختلف أسعار الكتب حسب نوعيتها ووفرتها، وكذا حالتها، إذ نجد عند البائع ''سمير'' كتبا تتراوح أسعارها من 40 إلى 550 دينارا لتصل في بعض الأحيان الى 1000 دينار وأكثر، فمجلات الأشرطة المرسومة التي يقبل عليها الشباب ك ''بيف ''و''استيريكس'' لا تتجاوز ال 10 دنانير، بينما تصل كتب التاريخ، خاصة تلك التي تخص تاريخ الجزائر القديم والحديث التي يكثر عليها الطلب من قبل الكبار وبعض المثقفين خاصة، فتصل الى حد ال 600 و700 دينار، بينما تبقى القواميس وكتب تعليم اللغات هي الأكثر غلاء نوعا مقارنة بالأخرى، كونها مفقودة ولا تتوفر لدى هؤلاء الباعة إلا بكميات قليلة، إذ تصل الى آلاف دينار وأكثر وغالبا ما تشترى في أول مرة تعرض فيها للبيع. تسوية وضعية الباعة ووعود بتزويدهم بأكشاك خاصة أجمع الباعة الذين حاورناهم بالعاصمة، على أن مسيرتهم مع هذا النشاط كلفتهم الكثير خلال السنوات الماضية، حيث واجهوا صعوبات بلغت حد المواجهة مع مصالح الأمن، إلا أنه ومنذ 2004 تحسنت الأمور بعد أن تلقوا رخصا من بلدية الجزائر الوسطى. وحسب البائع ''سمير''، فإن هذه الأخيرة طمأنتهم بأن لا شيء سيعكر ظروف عملهم مستقبلا، بل أكثر من ذلك، وعدتهم بتزويدهم قريبا بأكشاك وطاولات خاصة ستنهي معاناتهم اليومية ''توفير الطاولات القابلة للطي المصنوعة خصيصا لمثل هذا النشاط الذي نزاوله، سيعفينا من عناء نقل الطاولة مرتين في اليوم كما سيوفر لنا المصاريف التي تكلفنا يوميا لحفظ كتبنا'' يضيف ''سمير''. وطالب باسم زملائه، وزارة الثقافة، بإيلاء هذا النشاط النبيل قليلا من الاهتمام، خاصة وأن ممثلين عن هذه الأخيرة يؤكدون في كل مرة أن الجزائري لا يطالع كثير ولا يهتم بالكتاب، وهي الظاهرة التي يساهم هؤلاء الباعة - على حد قول المتحدث - في محاولة إزالتها بحث الجزائريين على اقتناء الكتاب وولوج عالم المطالعة والقراءة، فالمواطن الذي لا يكلف نفسه التنقل الى المكتبة لشراء عنوان، يوضح ''ياسين''، نجده بمجرد مروره أمام أي بائع كتب مستعملة وفي أي مكان عمومي، يتوقف حتما لإلقاء نظرة على ما عرض ويكون ذلك في المرة الأولى من باب الفضول فقط، إلا أنه كثيرا ما يعود ليقتني كتابا شد انتباهه. المطالبة بإعادة إحياء مشروع جمعية أصدقاء الكتاب كشف لنا ''سمير'' وزملاؤه من الباعة الذين اختاروا ساحة البريد المركزي لتحويله إلى صرح ثقافي ولو متواضع، أنهم قرروا خلال السنة الماضية تنظيم أنفسهم في جمعية اختاروا لها اسم جمعية ''أصدقاء الكتاب''، حيث قاموا بكل الإجراءات التي تتطلبها المبادرة من تكوين ملف الى البحث عن مقر اجتماعي للجمعية، إلا أن هذا المشروع مع الأسف لم يتجسد الى حد الآن. واغتنم محدثونا فرصة محاورتهم للمطالبة بإعادة إحياء هذا الفكرة وتنفيذ مشروع جمعيتهم. مجددين رغبتهم في الحصول على الاعتماد للشروع في نشاطهم خدمة لنشاطهم النبيل وللمساهمة في إعادة غرس ثقافة المطالعة لدى الجزائريين ولو بنسبة متواضعة. للإشارة، فإن ظاهرة بيع الكتب المستعملة لا تقتصر على بعض الباعة المنتشرين في الساحات أو الأزقة الضيقة للأحياء العتيقة كالقصبة مثلا، وإنما ظهرت في العاصمة وعدد من الولايات، مكتبات مختصة في بيع الكتب المستعملة، من بينها المكتبة الموجودة بشارع ديدوش مراد بوسط العاصمة.