وهل هناك رد أفضل من رد أحمد داوود أوغلو، وزير الخارجية التركي، الذي أفحم به الرئيس الفرنسي ساركوزي؛ إذ قال ”على فرنسا مواجهة تاريخها الاستعماري قبل الطلب من الآخرين مواجهة تاريخهم، ولا يحق لدولة ذات تاريخ استعماري إعطاء درس كهذا”. وجاء رد الوزير التركي بعد الكلام الذي تفوه به ساركوزي في أرمينيا، عندما طلب من تركيا الاعتراف بالإبادة الأرمينية التي ارتكبتها تركيا في حق الأرمن سنة 1915. الرئيس الفرنسي لم يقل هذا الكلام حبا في الأرمن وإنما ليتخذ من القضية ذريعة لصد باب الاتحاد الأوروبي في وجه الأتراك مثلما فعل ذلك أسلافه من قبله، لكن حماقته أوقعته في فخ التناقض، وهو الذي كان يردد في كل مرة عندما ترتفع أصوات من الجزائر لمطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها أن هذه القضية من اختصاص المؤرخين، فهم المعنيون بمعالجتها، مع أن جرائم فرنسا التي ارتكبتها في الجزائر وفي مدغشقر وغيرهما من المستعمرات أفظع وأبشع من جرائم تركيا. لا نريد أن نسقط هنا ما اقترفته تركيا في حق الأرمن، لكن أن تكون فرنسا هي من يدافع عن الشعوب المضطهدة فهذه مهزلة لا يقبلها تاريخ البشرية! وإن كان لساركوزي شيء من الشجاعة فليقبل بفتح ملفات الثورة الجزائرية وما قبلها، لنفتح ملفات 132 سنة من حرب الإبادة ومن المجازر والمداخن وما زرعته وسط الشعب الجزائري طوال سنوات تواجدها من جهل وفقر وظلم.. وليفتح فقط مراسلات جنوده التي كانوا يرسلون بها لأهاليهم، يروون فيها فظاعة الجيش الفرنسي، وكيف كان يلعب لعبة الكرة برؤوس الأطفال، وكيف كانوا يتبارون ببتر أثداء الأمهات، وكيف كانت واحدة منهن تتضرع لكي يطلقوا عليها رصاصة الرحم بعد أن قطعوا ثدييها لكنها لم تمت، كيف كانوا يلقون بأطفال على الجدران فتنفجر جماجمهم وتلتصق أمخاخهم بالجدران... هل قرأ ساركوزي أدب المجندين الفرنسيين، وكيف تحولت حياة هؤلاء إلى جحيم وهم يصطدمون بما يقترفه ”أصحاب المهمات الحضارية” في حق أطفال الجزائر، وكيف كانت تمنع السلطات الاستعمارية جياع الجلفة من دخول المدينة التي كانوا يقصدونها للاتقاط بقايا المزابل سنوات الثلاثينيات؟ ساركوزي يعرف هذا، لكنه يتنكر له، والحملة الانتخابية في حاجة إلى شيء من التلميع وقليلا من الصياح، خاصة وأن الرجل مازال منتشيا بنشوة الانتصار على مجنون آخر مثله اسمه القذافي، وله أن يفعل ذلك ويتشدق كيفما شاء مادامت أفواه بعض الجزائريين نتنة ولا تقوى على كلام يضع ساركوزي وفرنسا كلها أمام مسؤوليتها التاريخية.