من جديد تسقط التكهنات وتتراجع الاحتمالات حول من سيفوز بجائزة نوبل للآداب.. الجائزة التي تعد هرم الجوائز العالمية وأكبرها على الإطلاق - مالاً وجاهاً- تعود هذه السنة إلى الشاعر السويسري توماس ترانسترومر، الرقم الخامس والعشرين في تعداد الشعراء الذين فازوا بالجائزة طوال قرن ويزيد من التتويج. توماس ترانسترومر من مواليد ستوكهولم العام 1931، تخرج من الجامعة تخصص علم النفس، وعمل بسجن الأحداث محتكاً بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ومدمنيين على المخدرات، هو أيضا عازف بيانو ماهر، تعرض إلى الفالج في الجهة اليمنى وهزمه بالجهة اليسرى من روحه التي عزمت على مواصلة الكتابة والعزف، في سن الثالثة عشر بدأ الشعر، وفي رصيده الآن 12 كتابا استطاع بفضلها أن يفتك جميع الجوائز الأساسية في الدول الاسكندنافية، وجوائز أوروبية على غرار جائزة بترارك سنة 1981 والإكليل الذهبي 2003. سماء مفتوحة على النصف في الغالب تكون اختيارات التتويج صحيحة، أو على الأقل متلائمة مع الذوق الإبداعي العالمي، ولنترك خلفيات السياسة مع قد يصاحب التتويج في كل مرة من كواليس وترتيبات مسبقة ونحاول كشف خبايا وترتيبات هذا الشاعر في قصيدته.. يقول أمين أكاديمية جائزة نوبل "إن أعمال توماس ترانسترومر تعيد قراءة الذاكرة والتاريخ والموت بشكل أعمق"، ويقول النقاد إنه من الشعراء القلائل الذين تمكنوا من الاحتفاظ بالتعبير ولخصوا المعاني في الصور التي تنطق بكل شيء.. الشاعر المتوج يدخل قصيده من بدايتها، يلتقي القارئ ويجعل أفكاره مرئية، ربما كونه شاعرا لم يتفرغ لكتابة الشعر في حياته واشتغل في تخصصه علم النفس جعله على المحك أمام معاناة الناس وآلامهم، من هنا برزت لديه قوة التعبير بالصورة. وطوال مساره الإبداعي أنجز عددا من اللوحات التعبيرية بالكلمات، على غرار مجموعته الثالثة الموسومة ب"سماء مفتوحة على النصف" سنة 1962، التي وصفت آنذاك بالمعجزة لما حملته من قوة تعبير وتلخيص للمعاني، حيث يقول "كل إنسان هو باب مفتوح على نصفه يقود إلى غرفة للكل". توماس ترانسترومر والقارئ العربي بمراجعة أدونيس: سجل الشاعر المتوج وجوده في الترجمات العربية بفضل عدد من دور النشر التي انتبهت لهذا الشاعر المميز، لاسيما في السنوات الأخيرة، خاصة بعد افتكاكه عدد من الجوائز الأوروبية الهامة، في سنة 2003 ترجمت المؤسسة العربية للدراسات والنشر الأعمال الكاملة للشاعر من قبل علي ناصر، أما الترجمة الثانية فصدرت سنة 2005 عن دار البدايات من قبل قاسم حمادي. والغريب أن أدونيس نفسه راجع هذه الترجمة.. أدونيس المرشح والطامح للجائزة اقتصر دوره هذه المرة فقط على مراجعة أعمال المتوج! نوبل والشعر.. ولا شرقيا إلا طاغور الرواية هي فن غربي بامتياز.. وعلى مدار الجوائز ال108 استطاع الشعر أن يقطع 25 جائزة، لم يتحصل عليها أي عربي أو شرقي ما عدا الشاعر الكبير طاغور سنة 1913.. ولعل وصول الشعر إلى هذا التتويج يعني أن العالم لايزال يذكر الشعر.. العالم لا يزال يقرأ الشعر وهو المتهم لدينا بالضياع والموت وفقدان الأحبة والخلان من حوله، تتويج الشعر هذه السنة هو كذلك لحظة انتباه للروح التي تحمل الكمان في ظلها: أُحمل فى ظلي.. كمثل كمان فى صندوقه الأسود ما أريد قوله يتألق خارج متناول اليد كمثل الفضة عند الراهن.