بعد أسابيع قليلة تبدأ المفوضية الأوروبية بفتح مفاوضات مع أربع دول من جنوب المتوسط، هي مصر، الأردن، تونس والمغرب، بهدف التوصل إلى اتفاقيات شاملة تؤمن في نهاية المطاف إنشاء منطقة التجارة الحرة بين دول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط. ويعتبر الاتحاد الأوروبي هذا التوجه دعما منه لاقتصاد الدول المعنية إلى جانب مساندة المرحلة الديمقراطية الانتقالية في هذه البلدان، ولكن ما لم يقله الأوروبيون هو بحثهم عن امتداد اقتصادي يؤمن لهم عودة النمو الاقتصادي بعد الأزمة المالية التي أصبحت تهدد اقتصادياته بالإفلاس. ورأى قادة تنشيط الإستراتيجية التجارية أنه أحد المنافذ لحل الأزمة، بينما أجل الحديث عن إدراج ليبيا في المفاوضات بعد أن يستتب الوضع في هذا البلد، حسب ما صرح به المفوض الأوروبي المكلف بالتجارة الخارجية، كارل دوغشت. وجاء القرار الذي اتخذ في اجتماع لوزراء التجارة ضمن التنشيط للعمل التجاري لدول الاتحاد، عبر دعمها القوي هذه المرة لدخول روسيا إلى منظمة التجارة العالمية مع اقتراب نهاية السنة، إلى جانب التعاقد مع أوكرانيا وقبول مطالب الدول النامية في المنظمة العالمية. وستعمل أوروبا على إنجاز اتفاق تبادل تجاري حر مع الهند، أحد الاقتصاديات الناشئة والواعدة كسوق مهمة للسلع الأوروبية. وتحدث الاجتماع عن دول كثيرة وعن أقطاب اقتصادية هامة في عالمنا المعاصر، كما اجتمعت مع كل من ممثلي الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، ولكنه لم يشر بكلمة واحدة إلى الجزائر، رغم الأهمية التي تمثلها في اقتصاد المنطقة، إلى جانب ارتباطها باتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ ما يقارب العشر سنوات، والسبب نجده في الوثيقة الفرنسية التي تقدمت بها خلال الاجتماع والتي تحصلنا على نسخة منها تقصي الجزائر بجملة واحدة، وهي تفضيل التعاون مع دول عرفت انتفاضات أو ثورات، وبمعنى أن الجزائر مادامت لم تعرف ثورة من وجهة نظر حكومة ساركوزي، فهي غير مؤهلة للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي ضمن المسعى الجديد الذي يثني على المغرب الذي عرف ثورة في المنطقة والذي تطالب الوثيقة بالإسراع في حل القضايا التجارية العالقة معه لإنجاز الاتفاقيات الجديدة. ورغم الاختلاف الطفيف المسجل بين المفوضية الأوروبية وبين الموقف الفرنسي في كيفية التعامل مع بلدان جنوب المتوسط، إلا أن الموقف تجاه الجزائر لا خلاف عليه، وهناك رفض على فتح التفاوض معها، وهذا رغم الأهمية التجارية والاقتصادية التي تعرف بها الجزائر. قررت فرنسا بعد أن استعادت بعض القوة في الهياكل الأوروبية عزل الجزائر على مستوى المؤسسات الأوروبية، ومؤسسات دولية أخرى، في انتظار ربما حدوث ثورة فيها أو تغيير ما قد يرضيها، وهذا الموقف لم يعد خفيا على أحد بل تناقشه الكثير من الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي لا تفهم دفاع باريس عن دول لم تقم فيها ثورات مثل المغرب والأردن وتستثني الجزائر بمنطق لا تحترمه هي نفسها، لأن هناك دولا عديدة تفضل التعامل معها ولم تقع فيها ثورات، بدءا من إسرائيل التي تدافع عنها فرنسا بكل ما أوتيت من قوة في المحافل الدولية. لقد حولت فرنسا خلافاتها الثنائية مع الجزائر إلى موقف أوروبي دون تنديد أو إبداء أي موقف من قبل الجزائر، ولا يفهم لماذا هذا السكوت رغم ما تملكه الجزائر من دعم لدى دول أوروبية عديدة في المنظومة الموحدة، ولا يوجد حتى إشارات خفية يؤكد على أن الجزائر تنشط من أجل مصالحها في الاتحاد الأوروبي المرتبطة به باتفاق شراكة أورو متوسطية، يعطيها كامل الصلاحيات لتدافع عن نفسها. وسيزيد الوضع الاقتصادي المتأزم في أوروبا من حدة الضغوط على الجزائر، إذا استمرت الأمور على هذا الشكل من الخمول كما لاحظناه خلال الأزمة مع ليبيا أين لم يتحرك سفير واحد في العواصم الأوروبية، ليؤكد أو يعيد على مسامع الحاضرين على الأقل الموقف الرسمي أمام رجال الإعلام في أوروبا، فالانطواء على الذات لن يجدي نفعا في عالم أصبحت الدول تتوجه لوسائل الإعلام أكثر من استعمالها للقنوات الدبلوماسية التقليدية.