في الوقت الذي يعيش سكان العاصمة على وقع آخر قفزة للنقل عرفتها الجزائر بافتتاح المترو، يواجه أصحاب 10 آلاف حافلة و 50 ألف سيّارة “كلوندستان” مشكلة البطالة نتيجة تقلّص عائداتهم وتراجع مداخيلهم منذ الأسابيع الماضية، بسبب عزوف المواطنين عن ركوبها وتحوّلهم للترامواي والميترو، مع العلم أن 10 آلاف ناقل يخسرون 200 مليون سنتيم يوميا إثر منافسة الترامواي والميترو. بعد يوميات المعاناة التي عاشها مواطنو العاصمة خلال عملية تنقلهم عبر مختلف المناطق، وبعدما كانوا يعيشون تحت رحمة سائقي الأجرة من جهة والازدحام اللامتناهي وسط العاصمة من جهة أخرى، والذي يحول التنقل مسافة كيلومتر واحد إلى سفر طويل يمتزج فيه القلق بالخوف من التأخر.. جاء المترو ليجنبهم كل هذه الأعباء، ساحبا بذلك البساط من تحت سائقي الأجرة و”الكلوندستان” الذين ينشطون في المنطقة. هو ما لمسته “الفجر” من خلال جولة استطلاعية قادتها إلى وسط العاصمة في محاولة لرصد آراء المواطنين والسائقين. مواطنون يتخلون عن سيارات الأجرة لربح الوقت البداية كانت مع (أحمد.م) الذي يقيم بقرب البريد المركزي ويعمل في ضواحي أول ماي، والذي عبّر عن ارتياحه وتمكنه أخيرا من الوصول إلى عمله في الوقت المناسب دون تأخر، مختصرا على نفسه مشقة الظفر بتاكسي “يرضى” بتوصيله وسط ازدحام قد يجعل وصوله يستغرق الساعة في الكثير من الأحيان، وبذلك فهو تخلى تماما عن سيارة الأجرة لأنها لم تعد عملية بالنسبة إليه. نفس الشيء بالنسبة ل(منال) الساكنة بالعناصر، التي طالما اشتكت من الإنتظار لأوقات طويلة في مواقف التاكسي لإيجاد سيارة تقلها إلى مكان عملها.. لتحل أخيرا مشكلتها بوجود المترو الذي مكنها من ربح الكثير من الوقت قبل الخروج من البيت.. فثلاث دقائق أصبحت كافية لإيصالها إلى عملها في الوقت المناسب!.
.. وآخرون تحرروا من “شروط” سائقي الأجرة من جهة أخرى، وجدنا فئة أخرى من الموطنين، على غرار حسين، الذي كان يعاني في كل مرة من تطلب السائقين حول المكان الذي يريد النزول فيه، ما يجر في العديد من المرات إلى شجارات بينه وبينهم، ناهيك عن المرات التي يرفضون فيها التوقف للمواطنين أو إيصالهم إلى مناطق تكون في خط سيرهم فقط، وهو ما جعله يرتاح كثيرا لبداية عمل المترو الذي حتما سيحرره من كل تلك الأمور.. في سياق متصل، أضافت مواطنة أخرى أنها طلّقت التاكسي.. بعدما وجدت تلك الراحة والسرعة لدى تجريبها للمترو لأول مرة، كما أنها ارتاحت من جشع بعض “الكلوندستان” الإنتهازيين الذين يستغلون الظروف للتلاعب في الأجرة. سعر تذكرة المترو تمنع البعض من ارتياده من جهته، اعترف (عثمان.ب) سائق سيارة أجرة، بالنقص في نسبة الزبائن مقارنة بالأيام الماضية، غير أنه أنكر تخلي الناس عن ركوب سيارة الأجرة، خاصة أن ثمن تذكرة المترو يمنع الكثير من المواطنين من ارتياده، مضيفا أن المترو خدم سيارات الأجرة كثيرا بعدما أنقص الضغط عن طرقات العاصمة، ما سهل عليهم عملية التنقل. وفي سياق متصل أكد سائق أخر أن خط سير المترو لا يغطي كل أحياء العاصمة، الأمر الذي لا يجعله يشكل أي خطر على عمل سيارات الأجرة، وكل ما كان في خدمة المواطن فهو لن يزول، وبينما تتوفر كل وسائل النقل في العاصمة يبقى على المواطن اختيار ما يتماشى مع وجهته ووقته وجيبه. بالإضافة إلى ذلك، لاحظنا انخفاضا في درجة الضغط على مواقف سيارات الأجرة التي بدت خالية نوعا ما، بالإضافة إلى طرقات خف كثيرا ازدحامها.. وكأن المترو جاء ليغير الوجه الإعتيادي لحركة النقل والتنقل في العاصمة. نفس الشيء عبر عنه حسين إبراهيمي، رئيس الاتحادية الجزائرية لسائقي الأجرة، والذي لم يعتبر المترو منافسا نظرا لغلاء التذكرة من جهة وتفضيل الجزائريين لسيارات الأجرة من جهة أخرى، مضيفا أن الخطر الوحيد الذي يهدد سائقي الأجرة هو السيارات الغير شرعية “الكلوندستان” الذي يأخذ نسبة كبيرة من حصة زبائنهم. 50 ألف سائق “كلوندستان” مهدّدون بالبطالة في حال فتح خطوط جديدة أكّد الناطق الرسمي باسم الإتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، الحاج الطاهر بولنوار، أن وزارة النقل ملزمة بتغيير خارطة خطوط المواصلات البرية، لاسيما فيما يتعلّق بالحافلات، حيث أن تدشين مشروعي الترامواي والميترو يفرض خارطة جديدة للنقل، لاسيما بالنسبة لمناطق باش جراح، البريد المركزي، باب الزوار، حي الموز، برج الكيفان، برج البحري وباب الزوار. وقال ذات المتحدّث في اتصال ب”الفجر”، أن فتح خطوط جديدة بالمناطق التي تشهد المواصلات ندرة بها من شأنه أن يساهم في تخفيض خسائر الناقلين، على غرار أصحاب الحافلات القديمة وسيّارات الكلوندستان المقدّر عددهم ب 60 ألف ناقل، مشيرا إلى أنه في حال لم تفتح وزارة النقل خطوطا جديدة، ولم يلتزم الناقلون بإصلاح حافلاتهم المهترئة، فإن مصيرهم سيكون البطالة، لأن المسافرين سيفضّلون بالدرجة الأولى الترامواي والميترو اللذين يعتبران وسيلة نقل معاصرة وتتوفر فيها كل شروط الأمن والنظافة والاحترام والرفاهية. وقال بولنوار، إن مداخيل الحافلات الشهرية تقدّر بمتوسط 6 ملايين سنتيم بعد دفع أجور السائقين والقابضين، في حين أن متوسّط الرحلات التي تجريها يوميا تقدّر ب 16 رحلة ذهابا وإيابا، في الوقت الذي تقدّر مداخيل اليوم الواحد ب 2000 دج، وهي المداخيل المهدّدة بالتوقّف إذا لم تتدارك وزارة النقل الوضع من خلال الإعلان عن خارطة نقل جديدة وتقديم تسهيلات للناقلين لتجديد حافلاتهم، ناهيك عن تكوين القابضين والسائقين ليصبحوا بنفس مستوى موظّفي الميترو والترامواي. وشدّد ذات المتحدّث أن حافلات النقل القديمة هي التي تقف وراء حوادث المرور، بسبب عدم مطابقتها للمعايير المفروضة من قبل وزارة النقل، في حين أن التنقل عبر الترامواي و الميترو، سيجعل الخسائر أقل حدّة، مشيرا إلى أن هذين المشروعين الضخمين من شأنهما المساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني وتنظيم قطاع النقل في الجزائر. تجدر الإشارة إلى أن مشروع الميترو تم تدشينه في الفاتح نوفمبر الجاري من طرف رئيس الجمهورية، حيث يقدّر متوسط المتنقلين على مستواه ب 20 ألف مسافر يوميا، في حين دشّن الترامواي منذ عدّة أشهر .