فقدت الساحة الكروية الجزائرية صبيحة أمس أحد أعمدتها بوفاة المغفور له جمال كدو عن عمر ناهز 59 سنة. وكان المرحوم قائدا لاتحاد العاصمة في السبعينيات وبداية الثمانينيات، كما كان له مشوار مميز مع المنتخب الوطني؛ حيث ساهم في حصول الجزائر على أول تتويج لها خلال الألعاب المتوسطية 1975. جمع المرحوم كدو بين دماثة الأخلاق والروح القتالية العالية فوق الميدان، ما جعل مختلف المدربين الذين تداولوا على اتحاد العاصمة لا يفكرون في منح شارة القائد لغيره، فالكل في سوسطارة كان يناديه باسم “القبطان” وقد كان بحق لاعبا ومدربا فوق الميدان لكونه كان المرشد لزملائه... يسرى سحرية ورأسيات مدفعية يتذكر محبوه أنه كان مدافعا صلبا وكان يتميز بالضربات الرأسية المدفعية نظرا لقوتها كما أنه لم يكن يكتفي بدوره في الخط الخلفي، بل كان يغامر كثيرا في الهجوم ويجيد تنفيذ الكرات الثابتة بلمسة فنية منقطعة النظير لاسيما وأنه كان يملك يسرى سحرية جعلته مميزا جدا. تقلد الذهب في أولى ملاحم “الخضر” تألقه مع اتحاد العاصمة فتح له أبواب المنتخب الوطني حيث استدعاه الأب الروحي للكرة الجزائرية، رشيد مخلوفي، للمشاركة في الألعاب المتوسطية التي احتضنتها بلادنا عام 1975 وكان قطعة أساسية وساهم بقسط وافر في أول تتويج للمنتخب الوطني وتقلد الذهب وكانت سعادته واضحة جدا يوم تفوق الخضر على فرنسا في النهائي ويومها سئل عن سر إفراطه في السعادة فكان رده أنه سعيد بإعلاء الراية الوطنية فوق غيرها وأنه سعد كثيرا لأن التتويج بالميدالية الذهبية أنساه حرقة الاخفاقات مع ناديه في نهائيات كأس الجمهورية. لم يغضب من عدم استدعائه للألعاب الإفريقية رغم تألقه في الألعاب المتوسطية إلا أن الفرصة لم تمنح له في الألعاب الافريقية التي احتضنتها وفازت بها بلادنا عام 1978 إلا أنه لم يغضب وقتها، بل تحول من لاعب إلى مشجع للنخبة الوطنية وهو ما جعله يكبر في أعين الجميع لوطنيته التي كانت حتى النخاع. النهائيات المؤلمة كان ينهيها بالدموع لعب كدو أول نهائي كأس الجمهورية عام 1972 في افتتاح ملعب 5 جويلية ضد حمراء عنابة ويومها بكى كثيرا عندما خسر فريقه الكأس خاصة وأنه قد جانب التهديف قبل نهاية الوقت الرسمي للمباراة؛ حيث نفذ مخالفة بدقة اضطر خلالها حارس الحمراء هلالي لاستعمال كل براعته ليصدها على مرتين لينتهي الوقت الرسمي بالتعادل قبل أن تحسم الحمراء الأمور في الوقت الاضافي حين سجلت هدفين أبكيا كدو كثيرا...وقد تكرر هذا المشهد في نهائيات أعوام 1973، 1978، 1980 قبل أن يبتسم له الحظ في نهائي عام 1981 حين حقق حلمه بالتتويج على حساب جمعية وهران، ثم أعاد الكرة، لكن كمدرب، حين قاد سوسطارة إلى التتويج بكأس 1988 أمام الجار شباب بلوزداد بركلات الترجيح. الكل كان ضد قرار اعتزاله من بين المواقف التي تحتسب لهذا الرجل أن قرار اعتزاله لم يلق أي قبول من كل الأطراف، حيث اعتصم الأنصار وقتها أمام مقر النادي وأكدوا رفضهم المطلق لتعليق حذائه لأنه وقتها كان في سن ال33 وأصر على التوقف والتفرغ للتدريب ونجح في إعادة اتحاد العاصمة للواجهة حين توج معه بكأس الجمهورية لعام 1988. المتاعب الصحية لم ترحمه سطع نجم كدو كلاعب، لكنه كمدرب لم يحقق ذات النجاح بسبب متاعبه الصحية ما أرغمه على المكوث لمدة طويلة بالبيت في عدة مناسبات وهو ما جعله ينسحب شيئا فشيئا عن عالم الكرة لكن اسمه سيبقى خالدا ضمن أعمدة اتحاد العاصمة إن لم نقل بطلها الأول. النسيان والإهمال أشد ألما من المرض من بين التصريحات الأخيرة للمرحوم لمقربيه أنه كان غير مبال بتدهور حالته الصحية خاصة مع تقدمه في السن لكن ما كان يؤلمه أكثر هو الجفاء الذي لاقاه ممن كانوا يتلهفون للاقتراب منه، فالنسيان والاهمال كانا أكثر وقعا من المرض، حسبما صرح به لبعض المحيطين به. حداد أنقذ عائلة الاتحاد يبدو أن هذا التصريح بلغ مسامع الرئيس الجديد لاتحاد العاصمة، حداد، الذي لم يتردد في الاهتمام به ونقله إلى فرنسا للعلاج من مرض السرطان الذي عانى منه وساهم بذلك في إنقاذ صورة الفريق الذي كان يتمنى أن يعيش معه فرحة استعادته للتاج الوطني، لكن الأقدار لم تمهله. يعشق التنكيت وڤروابي ويقلد اللهجة العنابية كان المرحوم، رغم جديته الكبيرة فوق الميدان، يميل للتنكيت، لكنه في المقابل وباعتراف كل من عايشوه كان شهما ورجل مواقف ولا يخلف وعوده ولأنه “شوشو المسامعية” فقد كان يحب تقليد اللهجة العنابية بطريقة ساخرة وقد كان يفعل ذلك مع أبناء بونة الذين لعبوا معه وهم عطوي أحمد، علي مسعود عبد المالك وحسين رابط، حيث كان يحدثهم باللهجة العنابية التي تؤنث كل الكلام بقهقهة يصنع بها الفرحة وسط لاعبي كهرباء العاصمة، كما كان يحفظ عن ظهر قلب أغلب أغاني الحاج ڤروابي وأنه بكى بحرقة عندما سمع خبر وفاته مثلما نقله لنا من عايشه من الرياضيين. مات الرجل وبقيت ذكرياته رحل “القبطان” جمال كدو عن الدار الفانية وسكن الدار الدائمة، لكنه ترك ذكريات لا يمكن للمسامعية خاصة وكل متتبعي الكرة عامة أن ينسوه لكونه عرف كيف يدون اسمه بأحرف من ذهب لا يمكن أن تزول. وبهذه المناسبة الأليمة لا يسع جريدة “الفجر” سوى التقدم بخالص تعازيها لعائلة المرحوم وكل طاقمها يدعو له بالمغفرة والثواب وأن يسكنه المولي فسيح جنانه. إنا لله وإنا إليه راجعون.