في العصور الوسطى الأوروبية، عندما كان العالم الإسلامي يعيش عصر النور والعلم والحضارة، كانت أوروبا تغوص في ظلام دامسٍ من الجهل المطبق والتخلّف كما تعيشه كثير من المجتمعات الإسلامية اليوم. ولم يكن يسمح بنشر الأبحاث ولا الدراسات العلمية التي يتوصل لها بعض العلماء القلة في ذلك الوقت، والتي تخالف معتقدات الكنيسة ومن تجرأ وأذاع هذه المعلومات المحرمة فإنه بذلك يحل سفك دمه إن لم يعلن ندمه وتراجعه عنها، كما حدث مع الفلكي الايطالي جاليليو جاليلي وقصته مشهورة، وبسبب هذا الجهل لابد أن تشيع عوائد سلبية ومنها السحر الأسود. وقد بلغ مبلغا خطيرا ولم يكن بوسع الكنيسة الصمت عن إجرام السحرة فشرّعوا قوانين تؤدي بمن يكشف أمره، إلى أن يحرق أو يصلب أو يعذب حتى الموت، مما جعل السحر الأسود يتلاشى كثيرا في المجتمعات المسيحية، ولما جاء عصر التنوير والثورة الصناعية، اختفت هذه الظاهرة المرضية، وبقي السحر العادي الذي لا يعدو ألعابا بهلوانية تضحك الكبار وتبهر الصغار. في سنة 1997 قمت بزيارةٍ لمدينةٍ برتغالية جميلة على الساحل الأطلسي، تسمى "فرو" يقصدها السائحون الإنجليز بكثرة. وكانت غريبة عجيبة في هدوئها الذي أعشقه، وكذلك أعجبتني أسماء مواضعها التي هي من بقايا الآثار العربية زمان الوصل الأندلسي، وتقع على الهضبة المرتفعة قلعة حصينة شاهدة على تاريخها العربي، وقد استخدمها الحاكم البرتغالي بعد ذلك ومما لفت انتباهي وجود معرض عن السحر والسحرة فيه: فمن مخطوطاتٍ ووثائق سحريةٍ إلى أدوات وحيوانات غريبة. وكذلك وضعوا الآلات التي كان يعذب بها الساحر قبل قتله. لقد كانت مريعة للغاية. إذا كانت الثورة الصناعية في أوروبا قد أخفت مظاهر الدين والسحرة عن حياتهم، ولم يبق منهم إلا بقية قليلة لا يُأبه لها فهل يحتاج العالم الإسلامي إلى ثورة صناعية شبيهةٍ لتقضي على المظاهر السلبية في مجتمعاتنا، ومن أشدها وأخطرها السحر الأسود الذي يستخدمه ضعاف النفوس للوصول إلى أهدافهم؟ زعموا وقد ذكرهم الله في كتابه العزيز وبين أنهم يفرقون بين المرء وزوجه بأعمالهم الشريرة، وقد أوعدهم الله بالعذاب، وأنهم ليس لهم أخلاق ولا نصيب في الآخرة، ولكل من تبعهم من الجهلة نفس المصير. كيف يزين الشيطان لهؤلاء الضعاف أن يهدموا بيوت الناس ويصيبوا ذويهم وأبنائهم وبناتهم بكل أذى قد يتخيله الإنسان؟ وهناك ما هو أشدُّ وأكبر ألا وهو أن هذه المواد السحرية المشروبة والمطعومة والتي ترش أو تخبأ، تتحول إلى أمراضٍ خبيثة، كما أكد لي غير واحد من العلماء الذين يقرأون على هؤلاء المصابين بالسحر، فقد قالوا إن كثيرا من هؤلاء يصابون بأمراض خبيثةٍ إذا لم يتدارك نفسه قبل فوات الأوان. الغريب أنّ كثيرا ممن يذهب إلى هؤلاء الشياطين هم من أقارب الضحايا وخدمهم الذين سيطر على قلوبهم الحقد والحسد، فهم يدخلون بيوت أقاربهم بدون حساب ولا رقيب ويستطيعون إدخال شرورهم السحرية في أي وقت شاؤوا، بل يستطيعون تجديدها إذا بطل السحر والأمر هينٌ لديهم ومن تجرأ على الشرك والسحر فإنه لا يخشى أن يثني بأمثالها، كما يقال في الأمثال الشعبية. فيا أيها الشرفاء حذّروا بناتكم وأبناءكم من السحر وأهله، وربّوهم على الثقة بالله وبالله فقط، وكذلك نلتمس من حكومتنا الرشيدة حماية مجتمعنا من أشرارهم. بقلم : جمال بن حويرب المهيري