تعد ظاهرة الشعوذة في الجزائر من أكثر المظاهر شيوعا بسبب تصديق العديد من المواطنين تلك الوصفات التي يمدهم بها رواد الشعوذة من الذين ذاع صيتهم في مجال إعطاء الحلول السحرية، إذ أن أغلب من يقصد مثل هذه الأماكن هم من أصحاب الأموال الطائلة ومن ضعاف الإيمان الذين يتناقلون عناوين الساحرات والمشعوذين فيما بينهم وبنية صادقة للتخلص من محن الحياة التي تعسر عليهم حلها. حلول وهمية لمشاكل مستعصية وعائدات طائلة من وراء ضعاف النفوس ومن بين المشعوذات اللواتي لقين إقبالا كبيرا في الفترة الأخيرة تلك التي تتواجد بنواحي ''المحمدية'' التابعة لبلدية الحراش، وتعرف هذه الأخيرة إقبالا منقطع النظير بفضل الوصفات السحرية التي تفيد بها المترددين عليها ''حسب قولهم'' والذين يثقون فيه لدرجة التصديق الأعمى والمطلق. سيارات فاخرة مركونة أمام بيت المشعوذة ونساء يظهر عليهن أنهن من الطبقة المرموقة من المجتمع، وزحمة كبيرة بمجرد أن تطأ أقدامك باب بيتها، فتيات جالسات في باحة البيت معصبات رؤوسهن بمناديل، وأخريات يجلسن باتجاه الحائط حتى لا يظهرن وهن منهمكات في تنفيذ الوصفة التي أعطتها لهن المشعوذة لإزاحة العراقيل -على حد قولها- لأنهن فتيات عازبات يأملن في الارتباط أو بصريح العبارة منشغلات بتفجير الرصاص في أوانٍ مصنوعة من حديد حتى يذهب عنهن '' الثقاف'' كما يقال في العامية الجزائرية، المهم أن الكل داخل هذا البيت منهمك في تنفيذ أوامر المشعوذة التي يلقبها الكل ب''لالة ''طاعة لها، هذا هو المشهد الذي يصادفك وأنت تتواجد في بيت الكل يؤمن بقدرة صاحبته الفولاذية على حل المشاكل التي أثقلت كاهل قاصدي المكان من شابات ومتزوجات وحتى نساء طاعنات في السن. الرصاص .. لفك ''الثقاف'' عن الفتيات ونحن متواجدون داخل هذا البيت لا يكاد يرى الواحد منا الآخر بسبب ذلك الدخان الذي يخنق المكان، وينبعث من مجموعة من المواقد كانت تستخدم لتحضير بعض الوصفات، تقربنا من إحدى السيدات اللواتي تعودن على زيارة المشعوذة فأكدت لنا أنه في كثير من الأحيان تصطف طوابير لا تكاد تنتهي من الصباح الباكر إلى غاية نهاية اليوم لزبائن قصدوا المشعوذة لإيجاد حل لمشكلتهم خاصة من النساء والفتيات الراغبات في أن تحل مشاكلهم الحياتية كونها تدعي القدرة على ذلك بل وحتى الأمراض المستعصية. ويشهد لها الكثير من زبائنها الأوفياء وحاشيتها بأنها لم تفشل أية مرة في تحقيق مطلب أي من الزبائن. وهذا ما زاد من شهرتها، وكل من يقصد هذه المشعوذة فإن حاجته مقضيه ''حسب ما صرحت به السيدة'' التي ائتمنا الحديث معها. تنحينا قليلا عن المكان الذي كنا نجلس فيه في محاولة منا لجمع معلومات أكثر ودخلنا في محادثة مع سيدة أخرى أكدت لنا من جهتها القدرة الخارقة للمشعوذة على تحقيق الأحلام والآمال ولو بطريقة شيطانية، لذلك فإن شريحة واسعة من المترددين عليها على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية يؤمنون إيمانا راسخا بقدرة المشعوذة في ميدان السحر، وما هي إلا بضع دقائق حتى تمكنا من الوصول إلى نافدة الغرفة التي كانت تجلس فيها منهمكة في معاينة مشاكل الزبائن الذين كانوا يصدقون كل حرف تنطق به ويطبقونه بحذافيره، فهذه امرأة جاءت إلى المشعوذة لتخلص ابنها من إدمانه على الخمر، وهذه فتاة تشتكى من حبيب غدر بها وغيرها بفتاة أخرى، وهذه سيدة أخرى جاءت تشتكى من تهمة التصقت بابنها جرته إلى المحاكم، وغيرها من القضايا التي كانت تطرح عليها، والغريب في الأمر أن المترددين على هذه المشعوذة لم يكونوا من النساء فقط بل حتى من الرجال الذين يقصدونها لحل مشاكلهم المختلفة، من مشاكل المنافسة والدين والنجاح في الحياة وغيرها من الأمور التي تشغل بالهم. حل المشاكل بالسحر الأسود ...أو الأحمر الأدهى في الأمر أن هذه المشعوذة تعتمد في حل مشاكل قاصديها على استخدام نوعين من السحر، السحر الأسود أو السحر الأحمر وكلاهما أبشع من الآخر وأخطر، بحيث يعد السحر الأسود من اختصاص الأفارقة ويتميز بكونه فتاكا وهو من أشد وأخطر أنواع السحر على الأرض، إذ أنه شبيه بقنبلة الدمار الشمال في تأثيره على الإنسان، لأن أذاه قد يصل بالشخص المسحور إلى درجة الموت ويستخدم السحر الأسود في التخلص من عدو قوي غالبا والانتقام منه، وفي الغالب هو مقصد أصحاب الطبقة الغنية الذين يكثر منافسيهم في السوق وفي عالم المال والأعمال، بحيث يعتمدون في وصفات السحر الأسود على دس مواد غريبة وقد تكون سامة وقاتلة في مشروب أو أكل، أو من خلال صورة أو دمية تغرز بالإبر يعتمدها الساحر في أفعاله الشيطانية على أنها هي الشخص الذي يود إلحاق الضرر به، وكلما أدخل دبوسا في الدمية شعر به الشخص الذي عقدت النية على أذيته، أي تماما كما تعودنا أن نراه في الأفلام الأجنبية، وهو سحر إفريقيي ينتشر في العالم ككل ويستخدم إما لسلب الشخص إرادته بشكل تدريجي أو فوري، لكن التأثير مع الوقت قد يودي بحياة المسحور حسب ما يردده العارفون في هذا المجال. وينجز هذا السحر حسب طلب الزبون والمبلغ الذي يدفع للمشعوذة، بحيث تتعد المواد الخبيثة والغريبة التي تستعمل فيه كالقطران والعقاقير وشعر الماعز الأسود وشعر القرود والقطط والكلاب وظفر الهدهد وغيرها من المواد السامة والقاتلة والنادرة والغالية الثمن في آن واحد، ولهذا السحر أيام معينة أيضا إذ عادة ما يستخدم أيام السبت تحديدا حتى يكون فعالا، وهي المعلومات التي تحصلنا عليها من أولئك النسوة اللواتي كن ينتظرن دورهن ويتبادلن أطراف الحديث. في حين فهمنا من بعض الزبائن بأن السحر الأحمر أقل فتكا وأنه نوع من السحر تنجزه المشعوذة للنجاح أو الحب أو الزواج، وبعدما تمكنا من جمع هذه المعلومات انسحبنا من المكان كاللصوص قبل أن يصل دورنا وينكشف أمرنا. غير أن مهمتنا لم تنته عند هذا الحد، بل اتجهنا إلى البيت المقابل وهو بيت فوضوي كون بيت المشعوذة يقع داخل مكان يشبه الغابة لكثرة انتشار البيوت الفوضوية من حوله، طرقنا بيتا كان لإحدى السيدات التي كانت ترمقنا بنظرات من بعيد بحيث طلبنا منها القليل من الماء حتى نجد مناسبة للكلام معها. بمجرد تقدمها إلينا بالماء استدرجناها في الكلام عن جارتها نجمة الشعوذة والسحر الأسود، فأكدت لنا بأنها تقوم بأفعال شيطانية وغالبا ما تكلل بالنجاح، واستشهدت لنا بحالة جارة لها تعرفها اشتكت من كنتها وأمها لترددهما المستمر على هذه المشعوذة، بحيث كانت تعطيهما في كل مرة مجموعة من العقاقير والوصفات الغريبة التي تصدر روائح كريهة بمجرد تطبيقها، روائح كريهة لا تطاق، وفي بعض الأحيان تحتوى الوصفة على حيوانات ميتة كالحرباء وجلد الأفاعي وبعض الزواحف التي تقوم بإحراقها وتبخيرها ثم رميها في أنحاء متفرقة من المنزل أو على عتبة البيت، وبمجرد انتهاء الكنة وأمها من تطبيق الوصفة حتى تشن شجارات حادة بين أفراد الأسرة تنتهي في الكثير من الأحيان بالضرب وتهديم كل أثاث البيت، وهو الأمر الذي يجعل كل من في البيت يبتعد عن زوجة الابن وأمها ويتحاشونهما خوفا ورهبة منهما أو مما يمكن أن تلحقه بهم من أذى نتيجة لمعرفتهما تلك المشعوذة التي تدفعان لها كل ما تطلبه من مبالغ مالية طائلة ومجوهرات في سبيل تحقيق مطالبهما، وأيضا لأن أم الكنة تملك دراية وخبرة كبيرة في مجال السحر والشعوذة لدرايتها الطويلة بهذه الأعمال الشيطانية بحيث تمكنت من تزويج كل بناتها وأبنائها بهذه الطريقة. رغم أنه من الكبائر السبع ورغم أن السحر هو من أكبر الكبائر التي لا يتساهل الله معها ورغم تحريمه القطعي وتصنيفه من السبع الموبقات التي يعاقب عليها سبحانه وتعالى والتي لا يشم مرتكبها ريح الجنة، ورغم علم كل الجزائريين ودون استثناء بذلك وبحكم التردد على المشعوذين والسحرة، إلا أن كل ذلك لم يمنع ضعاف النفوس والأغبياء من بذل الأموال وخسارة الدين والوقوع فرائس في يد المشعوذين الذين لا يأتي منهم الخير أبدا وضررهم أكثر من نفعهم.. ويكفي خسارة الدنيا والآخرة.