قد يفرح حزب الحرية والعدالة الصادر عن جماعة الإخوان المسلمين تلك الجماعة التي تأبى أن تقنن وضعها، وخاصة أنه قد تم حلها منذ أربعينيات القرن الماضي.. وبعد قيام ثورة 25 يناير وعد القائمون عليها بتنقية أوضاعهم من خلال قانون الجمعيات الأهلية. ولكنه لم يتم، ما يجعلها دولة داخل دولة لعدم خضوع أرصدتها ومصاريفها لأي نوع من أنواع الرقابة مما يثير الشكوك حول مصادر تمويلها، وكذلك حزب النور المعبر عن الجماعة السلفية قد يفرحون بالنتائج الكبيرة التي حققوها عقب الجولة الأولى لانتخابات مجلس الشعب، ولكن حقيقة الأمر أنهم في مأزق بسبب حالة الخوف والرعب التي انتابت الكثير من المواطنين خشية حصولهم على الأغلبية في البرلمان وتشكيلها للحكومة القادمة.. هذا الخوف ناتج عن التصريحات غير المسؤولة عن بعض قيادات الجماعة السلفية عن السياحة والأدب والفن والآثار والبنوك. رغم عدم خبرتهم الاقتصادية والسياسية التي قد تحول البلاد إلى عصور الظلام وعودتها للوراء.. لقد كشف تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية عن تنامى فكرة الهجرة لدى الطبقة الثرية بعد نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، التي حصلت فيها الأحزاب الإسلامية الحرية والعدالة والنور السلفي وبعدها الوسط على أغلبية ملحوظة.. وأشار التقرير إلى تفكير الأغنياء في الهجرة خوفاً من صعود الإخوان والسلفيين إلى سدة الحكم، ما قد يؤدي إلى تغيير نمط الحياة واختفاء نوادى الطبقات الغنية وأسواق السلع الفاخرة.. وخوفاً من فرض حجاب المرأة بالقوة ورفض الأدب العربي والثقافة الغربية، حيث قام أحد قادة السلفيين بتكفير الأديب العالمي نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل ووصف أدبه بالدعارة.. ما يمثل إنذاراً شديد اللهجة من جانب السلفيين لما سيكون عليه الأدب والثقافة والفن حال وصولهم إلى الحكم أو الحصول على أغلبية داخل البرلمان. لم يتوقف الأمر عند تفكير الأغنياء في الهجرة، ولكن هناك عشرات الآلاف من الأقباط الذين تقدموا بطلبات هجرة إلى السفارات الأجنبية بالقاهرة للحصول على تأشيرات والقرار إلى خارج الوطن خشية صعود الأحزاب الدينية إلى البرلمان والسيطرة على الحكم.. كل هذه الأمور وضعت الإخوان والسلفيين في مأزق تجاه طمأنة كل المجتمع المصري مسلمين ومسيحيين ليبراليين ويساريين على مستقبلهم في الوطن حال حصولهم على أغلبية في البرلمان.. الكل يتساءل عن مدى تفاعلهم مع مشكلات الوطن سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً؟.. بعيداً عن استعراض العضلات في برامج التوك شو وروابط التواصل الاجتماعي على التويتر والفيس بوك وعدم استخدام سياسة التخويف التي يلجأ إليها ضيقو الأفق ومنغلقو العقول والقلوب، لأن الإسلام دين العدل والمساواة والرحمة والسلام والعدالة واحترام حقوق الآخر.. مثل هؤلاء يسيئون إلى الدين الحقيقي الذي كفل حرية العبادة للمسلم والمسيحي والكافر واليساري والليبرالى بقول الله عز وجل “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر“.. هؤلاء متحجرو العقول والقلوب لن يكونوا أدرى من الله بعباده ولن يحاسبوا خلق الله لأن الله سيحاسب الجميع.. فهل سيضع هؤلاء البشر أنفسهم فوق أحكام الله؟ أم أنهم يقصدون منافع دنيوية باسم الدين ويريدون السيطرة والتحكم في العباد المخدوعين فيهم.. أم أنهم سيبدأون في تغيير منهجهم ونظرائهم للأمور لأنهم سيديرون دولة ويكونون على قدر المسؤولية، لقد حملهم أمانة الوطن عندما تم انتخابهم فهل سيخذلون وتأخذهم العزة بالإثم والغرور القاتل ليسحبوا الوطن إلى عصور الظلام والانغلاق. نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات تؤكد حصول حزب الحرية والعدالة والنور السلفي على أكثر من 60 ٪ من المقاعد، وهذا يلقى عليهم مسؤولية كبيرة نحو طمأنة الوطن وجموع المواطنين على حياتهم ومستقبلهم حال تحقيق أغلبية برلمانية.. فالحياة فيها متسع للجميع ولا فرق لعربى على أعجمي إلا بالتقوى.. ولا فضل لإخواني ولا سلفي على ليبرالي أو يساري إلا بما يقدمه من إيثار لمصلحة الوطن العليا وخدمة المواطنين على مصالحهم الشخصية، ماذا سيفعلون مع حالة الانفلات الأمنى والاقتصاد المتدهور، خاصة وقد خرج من البلاد نحو 10 مليارات دولار خلال شهور قليلة ماضية من أموال الأغنياء والمستثمرين العرب والأجانب، وهناك عصابات وبنوك دولية تقوم بهذه العمليات مما يمثل نزيفاً حاداً للاقتصاد الوطني وهذا أحد أسباب تدهور الاقتصاد وتراجع الاحتياطي النقدي في البنك المركزي من 36 مليار دولار إلى 21 ملياراً.. آن الأوان لأن يتركوا ميكروفونات المساجد ويفصحوا عن خططهم وأفكارهم لإنقاذ البلاد من خطر الإفلاس وحل مشاكل البطالة وتراجع الاستثمارات.. والتأكيد على أنهم سيحملون الوطن على رؤوسهم وسيأخذون بين المواطنين الذين منحوهم ثقتهم إلى بر الأمان.. ليعيدوا طمأنة المسلمين والمسيحيين وكل التيارات والأطياف السياسية والعالم كله أن مصر دولة مدنية ديمقراطية، تعلى من قيم العدل والمساواة بالقانون وليست دولة دينية. لقد بدأت محاولات التخويف الإخوانية والسلفية منذ استفتاء 19 مارس الماضي، حين قالوا: من يؤيدهم بنعم يدخل الجنة ومن يخالفهم بلا يدخل النار.. بل راحوا يقولون إن الاستفتاء هو غزوة الصناديق وأن نعم هو نصرة للإسلام والمسلمين، فهل يصلون بنا إلى فكرة أن مصر فيها تكفير وهجرة يعقبها تفكير في الهجرة؟ من يعيد الاطمئنان والأمان إلى آلاف المصريين على أبواب السفارات الأجنبية للحصول على وطن ثان في أوروبا أو أمريكا أو كندا أو أستراليا؟ عليهم أن يثبتوا أن المصريين نسيج واحد للمسيحي حق في وطنه مثل المثل وله حق الحماية والأمن والأمان لنفسه وأسرته وممتلكاته وحريته الشخصية والدينية، لا نريد تخويفاً لأحد، لأن سمعة مصر حول الاضطهاد الديني أصبحت في الحضيض، لنطمئن الجميع إلى مدنية الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع طبقاً للدستور “الإعلان الدستوري؛.. يجب على الإخوان والسلفيين الخروج بتصريحات واضحة حول موقفهم تجاه السياحة التي يعيش من عائدها أكثر من 10 ملايين مواطن، وهل سيغلقون الشواطئ في وجه السياح ويمنعون الرياضات البحرية.. وهل سيحددون الزى الذي ترتديه السائحات أم سيفرضون عليها الحجاب؟ هل سيمنعون الفنادق من ألعاب القمار والمشروبات الروحية أم سيمنعونها فقط على المسلمين المصريين فقط ويتركونها للأجانب، أم سيكونون أكثر تفتحاً ويتركون لكل منشأة تحديد ما ينفعها حسب ظروفها. أيضاً على الإخوان والسلفيين أن يطمئنوا المواطنين على مدخراتهم في البنوك.. خاصة أن بعضهم يهاجمونها بحجة أنها ربوية وبالتالي يغلقونها بالضبة والمفتاح، أم أنهم سيأخذون بفتوى الأزهر ودار الإفتاء بأن فوائد الأموال المودعة حلال. هناك بعض المنغلقين يطالبون بعدم تجنيد المسيحيين في الجيش وعدم التحاقهم بالشرطة وأن يعودوا إلى دفع الجزية، كما كانوا عند الفتح الإسلامي لمصر.. ليعودوا بنا إلى عصور الظلام وليثبتوا أن القائد العظيم محمد علي باشا كان أكثر تفتحاً منهم حين جند المسيحيين في الجيش وأوقف فرض الجزية ومنع التمييز الذي ظل عليه الجيش المصري العظيم منذ أكثر من مائتي عام.. فهل يخوفون إخواننا في الوطن من الإسلام الذي هو حصانة وحماية للمسلم وغير المسلم؟ فهم إخوة لنا في الإنسانية وشركاء في الوطن وهم أقرب مودة للمسلمين، الإخوان تناقضوا مع أنفسهم ويضعون الشك والريبة حولهم حين أعلنوا قبل الانتخابات ليأكدوا أنهم لن يرشحوا أكثر من 35 ٪ في البرلمان وعادوا ليزيدوا النسبة إلى 50 ٪ في تصريحات أخرى.. وواقع الأمر أنهم غطوا كل مقاعد الفردي والقوائم الحزبية ومرشحي الشورى أيضاً فهل هذا هو مصداقينهم أم أنهم يمارسون الكذب السياسي كما كل السياسيين؟ ماذا سيفعل الإخوان والسلفيون مع المرأة وخاصة أنهم وضعوها في مرحلة متأخرة من قوائمهم رغم أن أغلبية من صوت لهم من السيدات؟ فهل يستخدمونها ولا يعطونها أصواتهم.. ولماذا وضع السلفيون صورة “وردة؛ بدلاً من صورة المرشحة في بعض الدوائر؟ وهل سيفرضون الحجاب بالقوة على كل النساء ويعيدونها مرة أخرى ويصدرون مكتسباتها على مدى أكثر من قرن من الزمان؟ نتائج الانتخابات لابد وأن تفسر في محملها الصحيح وهي أن الشعب العظيم قد خرج من “القمقم؛ واختار الديمقراطية طريقاً له، اختار التعايش السلمي بين شقي الوطن المسلم والمسيحي ولن يعيدنا أحد إلى الوراء حتى لا يعطي أحداً الفرصة للانقلاب على الجميع والسيطرة على الحكم ساعتها سنندم جميعاً على الدولة المدنية التي نتمناها ويعيدون إلينا حكم العسكر، أو تتحول مصر إلى صومال آخر أو باكستان أو أفغانستان، لا أحد يريد هذا المصير لمصر ولابد أن يتم التحول الديمقراطي سلمياً بالديمقراطية وقيم العدل والمساواة والقانون، يقبل بعضنا بعضاً ولن يحصل على أغلبية في البرلمان فهذه إرادة الشعب الذي قد يطيح بهم مرة أخرى لأن السيادة للشعب ولابد من مراعاة حقوق المواطنة، لنترك الفزاعات حتى يصل الوطن لبر الأمان، التيار الديني عليه أن يثبت للجميع أنه قادر على المضي بالدولة المدنية ولنترك الغزوات والفزاعات التي لا ترهب الشعب الذي قضى على الطاغية مبارك.. أعيدوا الأمان للوطن والمواطنين قبل فوات الأوان.