ارتبطت الرسائل الجامعية بما يعرف مذكرة التخرج سواء تعلق ذلك بالليسانس أو الماجستير أو الدكتوراه، فالأمر لا يتعدى كونه شبيها بمنحة نهاية العمل، رغم أن الهدف من ذلك هو تعظيم الإفادة من الجهود العلمية السابقة في مختلف التخصصات إضافة إلى تقديم المساهمات الممكنة للباحثين في مختلف المجالات، حيث يتجلى تقديم الرسائل الجامعية في الاهتمام الشخصي للباحث بتطوير رصيده المعرفي وتقديم عمل ذي قيمة يستفيد منه غيره قبل استفادته الشخصية. لكن السؤال الذي يطرح هو لماذا لا تخرج هذه الرسائل خارج حدود المكتبات الجامعية إلى الذاكرة الخارجية؟ وتحديداً إلى المكتبات العامة والمتخصصة وما يضاهيها من مراكز المعلومات الأخرى بما فيها نشر الرسائل عن طريق الوسائط الإلكترونية والتي تلعب في مجملها دورا اجتماعيا وثقافيا قاعدته تعميم المنفعة أو ما يطلق عليها نوعاً من "زكاة العلم" لكنها زكاة تبقى حبيسة رفوف المكتبات الجامعية هذا إن قدمت الجديد لمجال البحوث الأكاديمية. الرسائل الجامعية تغيب عن المكتبات العامة ^ رغم المجهودات الكبيرة التي تبذل في إنجاز مثل هذه البحوث الجامعية من وقت وأموال، إلا أن الملاحظ هو غياب هذه الرسائل عن المكتبات العامة والخاصة على حد سواء وهو ما لاحظناه خلال الجولة التي قادتنا إلى بعض المكتبات بالعاصمة، أين سجلنا عدم حضور هذه المذكرات الجامعية في أكبر المكتبات المتواجدة بقلب العاصمة على غرار مكتبة أودان التي تُعنى بكل ما له علاقة من قريب أو بعيد بالجامعة، حيث أفصح لنا موظف بالمكتبة أن هذه الأخيرة لم تهتم يوما بعرض وبيع هذا النوع من البحوث الجامعية رغم أن المكتبة ملمّة بكل ما يتعلق بالكتب العلمية الموجهة للطلبة والأساتذة على حد سواء. من جهة أخرى، لم ينف محدثنا وجود بعض الطلبة ممن يبحثون عن هذا النوع من الأبحاث لكن حجم الطلب لا يرقى الى مستويات عالية تُحتم على المكتبة ضرورة اقتنائها خاصة وأن هذا الأخير متوقف على أصحاب هذه المذكرات وكذا قيمة المادة العلمية التي تحويها، لكن ذلك ينحصر في عدد قليل مرتبط بالدرجة الأولى بطلبة يوجهون من طرف أساتذتهم لاستعمال رسائل معينة كمراجع لأبحاثهم الجامعية. غياب الرسائل الجامعية لا يتوقف عند المكتبات العامة والخاصة، بل سجل هذا الغياب حتى داخل المكتبات التابعة للمطبوعات الجامعية، وهو ما لمسناه بمكتبة المطبوعات الجامعية بشارع ديدوش مراد؛ فهذه الأخيرة تفتقد رفوفها لأي عنوان من عناوين الرسائل الجامعية، وعند استفسارنا عن الأمر أجابنا مسير المكتبة أن الأمر خارج عن نطاق المكتبة لأنه لا توجد رسائل جامعية عُرضت على المكتبة، كما لا يمكن الوثوق في أي عمل جامعي مقدم من طرف الأساتذة الجامعيين، حيث لا تستطيع المكتبة المجُازفة بعرض رسائل لا يكاد يمثل الطلب عليها نسبة 1٪ من مجموع الطلبات على الكتب. وقد يكون سبب غياب هذه البحوث الجامعية عن المكتبات - حسب ذات المتحدث - إلى ارتفاع تكاليف الطبع والنشر والتي تحول بين رغبة الأساتذة الجامعيين في نشر أعمالهم وبين حاجة الطلبة لمثل هذه الرسائل. الملاحظ أن هناك إجماعا كبيرا على أن السبب الذي حجب تواجد الرسائل الجامعية في المكتبات هو غياب الطلب عليها، ما عدا بعض العناوين، إلى جانب تفادي المجازفة بأعمال مطبوعة دون تقديمها لأي إضافة علمية على اعتبار أنها مجرد نسخ لكتب أخرى، ليبقى الطلب على الأبحاث الجامعية مرهون بعنصرين أساسيين هما أن الدكاترة و الأساتذة الجامعيون يوجهون طلبتهم للإطلاع عليها، أو في إطار التعاون بين الزملاء من الأساتذة وخارج هذا الإطار فإن الطلب على الرسائل الجامعية يكاد يكون منعدما. الطلبة بين التحصيل العلمي واستغلال الأساتذة في الوقت الذي يسعى فيه الطالب الجامعي بكل الوسائل إلى الحصول على المراجع اللازمة التي تساعده في مشواره الدراسي، يستغل بعض الأساتذة - سامحهم الله - حاجة هؤلاء الملحة لمثل هذه المصادر العلمية لإجبار طلبتهم على استعمال رسائلهم كمرجع هام وأساسي في مختلف البحوث المقدمة لهم خلال المقرر الدراسي، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل هناك من الأساتذة من يوزع على طلبته قائمة بحوث تتماشى والمحاور الأساسية التي تم التطرق إليها في رسائلهم الجامعية ويفرضون عليهم شراء مذكراتهم التي يتم طبعها على شكل كتب. وهو ما أكدته سامية متخرجة من علم المكتبات، حيث قالت إن هناك أستاذة في مادة تكنولوجيا المعلومات أجبرت طلبتها على شراء رسالتها في الماجستير لاعتمادها كأحد المراجع الأساسية في المادة المذكورة سابقا. وما هذه سوى عينة صغيرة أمام الكثير من هذا الصنف الذي يفرض على الطلبة شراء رسائلهم الجامعية لهدف أو لآخر. ..وللناشر رأي في الموضوع يقول الناشر محمد بغداد، ممثل منشورات بغدادي، إنّ "دار نشرهم تهتم بطبع ونشر مختلف أنواع المطبوعات سواء تعلق الأمر بالكتب أو الرسائل الجامعية، لكن بالنظر إلى القيمة التجارية تعتبر الرسائل الجامعية أقل قيمة من الكتب الأخرى، وبالتالي فإن طبعها لا يكون بنسبة كبيرة مقارنة بغيره من المطبوعات"، ويضيف بغداد :"نحن في دار بغدادي سبق وأن خضنا تجربة طبع رسائل ماجستير، إلا أن التجربة باءت بالفشل لأنها لم تقدم الجديد للقراء، لذلك فإن من يريد طبع رسائله من الأساتذة فيتوجب عليه استيفاء الشروط الأساسية منها ضرورة حملها لقيمة علمية مفيدة للمجتمع وبالخصوص العاملين بقطاع التعليم والبحث العلمي". وحسب اعتقاد بغداد، فإن "التخصص لعب دورا كبيرا في إفشال تجارتها لأنها تتوجه إلى قرّاء معينين ومحصورين في طبقة لا تتعدى هذه العينة من الطلبة، فمهما بلغت درجتها العلمية وقيمتها المعرفية فطبعها يبقى مرهونا بإعداد دراسة حول جمهور قرّائها المتخصص، إلى جانب وجود عنصر المخاطرة في طبع مثل هذه الأعمال". ويعطي بغداد أمثلة على ذلك، على غرار طبع دار بغدادي لعدد معين من رسالة بها حوالي 400 صفحة يكلف 80 مليون سنتيم، وعليه فانعدام الطلب عليها يبقيها حبيسة الرفوف وبالتالي يعد ما أُنفق عليها من أموال وما بُذل من مجهودات قد ذهب أدراج الرياح. وأشير هنا إلى أن الكتاب المدرسي بحكم احتكامه على شريحة واسعة من القرّاء، لا نتردد في التعامل معه ونحن نعلم مسبقا أن هذا النوع من الكتب الموجهة للتعليم تستغرق عملية تسويقه مدة طويلة تصل أحيانا إلى عدة سنوات، لأننا متأكدون أن هامش الربح فيه، سيغطي كل المصاريف الأولية لهذا العمل، بغض النظر عن قيمته العلمية والمعرفية، على عكس الرسائل الجامعية التي تعتبر في نظري - يضيف بغداد - مهمة بما تحويه من علم ومعرفة، لكنها من الناحية التجارية ليست عملية مربحة، ولا نتعامل مع هذا النوع من الأبحاث إلا في حالات نادرة، منها على سبيل المثال أن يكون صاحب العمل يتمتع بمكانة داخل الوسط العلمي الجامعي فنطبع له من باب المجاملة لا غير ولمعرفتنا المسبقة بأن هذا العمل سيكون له طلب معين. وتفتح دار القصبة، حسب ممثلها سعيد سبعون، أبوابها للجميع سواء فئة الطلبة، الأساتذة أو الكُتاب، وفيما يخص هذا الإطار المتعلق بالرسائل الجامعية يؤكد سبعون أنه "قبل عملية الطبع يتم دراسة العمل المقدم، لبحث استيفاء الشروط اللازمة واستحقاق هذا العمل للنشر بما يحتويه من قيمة علمية وفكرية، كما تلعب مكانة واسم المؤلف دورا هاما في العقد المبرم بين الدار وصاحب العمل، ناهيك عن ضرورة تماشي الرسالة أو البحث مع سياسة وخط النشر الذي تنتهجه الدار على غرار التخصص، الذي يطبع أعمال منشورات القصبة، حيث تركز هذه الأخيرة - حسب سبعون - بالدرجة الأولى؛ على الطابع التاريخي وكل ما له علاقة بالحقل الأدبي، خاصة منه الروائي وكذا الكتاب المدرسي"، لذلك يعتقد سبعون، بصفته واحدا من الفاعلين في دار القصبة، أن طبع الرسائل الجامعية لا يتمتع بأهمية كبرى لدى دور النشر الجزائرية، خاصة وأنها لا تلقى رواجا عند جمهور القرّاء، ما عدا إذا حولت إلى كتب وهذا نادرا ما يتم اعتماده. ومن جملة الأسباب التي تقف عائقا في وجه طبع الرسائل الجامعية والتي يدرجها سبعون في سياق حديثه، هي ارتباطها بطبيعة المحتوى أو الموضوع المتناول، وشريحة الطلبة التي تتعامل مع هذه الرسائل، إلى جانب الأوضاع المزرية التي تعيشها المنظومة التعليمية في الجزائر والتي لا تمت بصلة إلى تطوير البحث العلمي والمعرفي على جميع الأصعدة، حيث هناك فئة من الأساتذة تبحث فقط عن نشر رسائلها دون مراعاة الإضافة التي تقدمها هذه البحوث إلى الحقل العلمي، وهو ما ساهم في تدهور المستوى العلمي والتعليمي في البلاد. وفي هذا السياق يشير سبعون إلى غياب الرقابة عن مثل هذه الأعمال التي تقدم للنشر وعلى غيرها من المطبوعات الأخرى، مضيفا :"أظن بأن الإشكالية المطروحة على مستوى الكتاب والرسالة الجامعية تكمن في انعدام دراية كافية من طرف أهل الاختصاص بكل ما يتعلق بالنشر والطبع، وهو ما أثبتته تجربة دار القصبة مع كل من تعاملت معهم في الآونة الأخيرة؛ حيث كان يعتقد هؤلاء أن العملية الهدف منها الحصول على دبلوم أو شهادة نهائية لا غير، متناسين أهمية هذه الرسائل التي تعتبر مراجع هامة إذا ما بنيت على أسس سليمة". من جهته، يؤكّد الناشر عبد الرحمان رباحي، مدير منشورات دار الجزائر للكتب، أن من شروط الطبع توفر جملة من الظروف التي تعطي المصداقية للعمل المراد طبعه؛ غير أن الإحصائيات تؤكد وجود عدد قليل من الرسائل التي طبعت ونشرت، ويتم ذلك على أساس القيمة العلمية التي تحتويها وبالتالي لأنها قبل كل شيء تحمل إفادة للقرّاء، بصفة عامة والمتخصصون منهم على وجه الخصوص، لكن، يضيف رباحي: "إذا نظرنا إلى العملية التجارية فإنها عملية غير مربحة، فهناك اختلاف وفرق شاسع بين أن تطبع كتبا وأن تطبع رسائل وهو أمر يتوقف على صاحبها وقيمة هذا العمل كشرط أساسي في قبوله وتمريره للطبع. وتتم العملية عن طريق اتفاق مسبق بين الطرفين حول السعر وعدد النسخ وإجراءات أخرى تكمل عمليتي الطبع والنشر". والملاحظ في هذا الإطار - حسب رباحي دائما - أن الرسائل الجامعية يتكفل بطبعها الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، وهي نقطة سلبية تعاب عليه، لأنه لا يحاول أن يضيف الجديد فيما يتعلق بعمليات الطبع، على عكس الخواص الذين يستعملون أجود الورق وأحسن الألوان، وبالتالي فإن المؤلف يتوجه إلى دور النشر الخاصة ويساهم بحصة معينة من الأموال لإخراج عمله في حُلة جميلة للقارئ، في حين أن الكتاب المدعم من طرف الدولة على مستوى الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية يعمل القائمون عليه -يضيف رباحي - على تنفير القارئ بطريقة غير مباشرة دون مراعاة شكله أو محتواه، فالأمر بالنسبة إليهم لا يهم لأن الكتاب مدعم من الناحية المالية، وما نراه مكدس في الرفوف لدليل على ذلك وعلى ضعف الرسائل الجامعية المطبوعة به. بوالسعد وادي، مسؤول دار النشر الاجتهاد، يرى من جهته، أنه لطالما اهتمت دار نشر الاجتهاد على اعتبارها مكتبة أيضا بكل ما يتعلق بالتعليم خاصة منها الموجهة للتعليم العالي؛ غير أنه ومنذ بداية احتكار الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، تغير مسار الدار التي ابتعدت نوعا ما من احتكاكها بالجامعة ما عدا بعض المؤلفات التي أصرت الدار على المضي في إصدارها خدمة للحرم الجامعي وللطلبة بالدرجة الأولى، غير أن الدار - حسب وادي - "لم تطبع أي رسالة جامعية كما أن مكتبتنا لا تحوي بين رفوفها أي نوع من الرسائل الجامعية بالرغم من أنها أولى المكتبات التي ارتبط عملها بالكتب الجامعية وتختص بكل ما يتعلق بالكتاب العلمي"، والسبب حسب ما يعتقد وادي، هو احتكار الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية لكل ما يتعلق بهذا المجال، بالإضافة الى أن الطلب عليها لا يرقى الى المستوى الذي يسمح بطبعها على اعتبار أن المهتمين بهذا النوع من الرسائل والبحوث لا يطلبونها، إلى جانب أن أصحاب هذه الرسائل قلّما يتوجهون إلى دور النشر لطبع رسائلهم الجامعية وربما السبب يعود لارتفاع التكاليف أو لأن الرسائل متوفرة على مستوى الجامعات والمعاهد. أما الناشر رابح بوكريش، مدير منشورات هومة، فيقول عن هذه الإشكالية إنّ دار هومة التي أشغل منصب مدير نشرها فهي تتكفل بطباعة مختلف الرسائل الجامعية سواء تعلق الأمر بالماجستير أو الدكتوراه، ومؤكدا أن تواجد 400 رسالة تنتظر الطباعة بالدار في اختصاصي الحقوق والتاريخ منها 320 رسالة في الحقوق و80 رسالة جامعية في التاريخ، أما فيما يخص المعايير المعتمدة في اختيار الرسائل فإن ذلك يخضع لمقاييس تجارية بالدرجة الأولى، يليها تلاؤم العمل المقدم مع إطار عمل المؤسسة؛ ثم طبيعة الموضوع المقدم لأن المحتوى يلعب دورا هاما في إبرام العقد بين صاحبه ودار النشر، إذ لا يمكن القبول بعمل لا يقدم إضافة للقرّاء خاصة منهم الطلبة الذين توجه لهم مثل هذه الأعمال بالدرجة الأولى، فضلا عن ذلك، فإن القبول بطبع هذه الرسائل مبني على اعتبارات علمية كون هذه الرسائل مراجعة من طرف لجان خاصة تضم دكاترة وأساتذة جامعيين لديهم الأهلية الكافية للبت في مثل هذه الأعمال، دون إغفال أن أغلبية من يلجأ الى طباعة الرسائل هم من الدكاترة المؤهلين. وعن أسباب توجه هؤلاء الى دور النشر بدلا من الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، أرجع محدثنا السبب الى نوعية العمل المقدم من طرف دور النشر إلى جانب السرعة في العملية وكذا الشفافية في تطبيق العقود المبرمة بين المؤلفين ودور النشر، أما تكاليف الطباعة فهي متقاربة -حسب ذات المتحدث - لأن العملية يتحكم فيها قبل كل شيء وبنسبة 90٪ سعر الورق، غير أن المشكل الوحيد الذي يطرح في هذا الصدد هو المدة الطويلة التي تستغرق في طباعة هذه الرسائل بالنظر إلى التزامات الدار بطباعة أعمال أخرى، مما يولد في كثير من الأحيان توتر العلاقات بين أصحاب الأعمال ومدراء دور النشر ويوقع هذه الأخيرة في متاهات أخرى. أما مسألة إن كانت هذه الرسائل تلقى طلبا كبيرا في المكتبات أم لا، فهذا ليس من اختصاصنا لأن مهمة الدار تتوقف عند طباعة الأعمال. بعيون المكتبيين مرزاق قصاب مسير "مكتبة دار الحكمة" يرى مرزاق قصاب، القائم على شؤون مكتبة اتحاد الكتّاب الجزائريين بأن الرسائل الجامعية سواء تعلق الأمر برسائل الدكتوراه أو الماجستير التي تجلب من طرف دور النشر أو عن طريق بعض أساتذة الجامعة أن بيعها ممنوع منعا باتا بغض النظر عن تلك التي تصدر في شكل كتاب عبر ميكانيزمات معينة فيسمح ببيعها. وحسب المتحدث، فإن الثقل العلمي للرسائل متوسط ولا يرقى لأن يعرض بالمكتبات. وأضاف "مكتبتنا تتجنب بيع أو عرض مثل هذه المطبوعات ضمن رفوفها، لأنه ليس في مصلحتنا بيع شيء لا يحمل إضافة للمجتمع بصفة عامة". غير أنه يرى بأن ما يعرض منها في مكتبات أخرى أساسه العرض فقط، وهو على حد تعبيره نوع من الإشهار والترويج لهذه الرسالة المتخصصة التي يهدف من ورائها تحقيق الربح على حساب القيمة العلمية، لأنها رسالة أكاديمية بحتة يبحث عنها الطلاب جيلا بعد جيل. بالمقابل، يرى قصاب مرزاق حسب جملة من التجارب التي مر بها طيلة عمله كمكتبي بأن مصير مثل هذه الرسائل هو التخزين والتكديس لفترات طويلة من الزمن حتى تصبح غير صالحة للقراءة، لا سيما تلك التي بذل فيها مجهود علمي، حيث يعتبر الوضع شيء مؤسف لا يخدم المجتمع العلمي الجزائري من باحثين وناشرين يتحمل مسؤوليته الجميع، ويشير بأصابع الاتهام إلى الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية الذي يتحمّل جزءا من المسؤولية باعتبار أن ما يطبع لا يتم بطريقة احترافية بل بطريقة تبدو سطحية وغير جدية تتمثل في الشكل الضعيف للمطبوعة بخلاف الناشرين الخواص الذين يطبعون بشكل احترافي باستعمال التقنيات الحديثة من أجل إصدار منتوج مميز شكلا ومضمونا، رافضا في ذات السياق الاحتكار الذي يمارسه الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية على الطبع والنشر المتعلق بالوسط الجامعي، حيث يدعو إلى تحرير هذه العملية وتعميمها على دور النشر عبر مختلف ولايات الوطن لأن مصلحة البحث العلمي والمعرفي تقتضي ذلك. رئيس مكتبة "سقراط" محمد بافدال ^ يقر محمد بافدال بوجود قواعد خاصة لعرض وبيع الرسائل الجامعية، فالأمر حسبه ليس بالسهولة التي يراها البعض، بل توجد مجموعة من الأسس التي تنظم العملية داخل مكتبته، ويشير إلى ضرورة توفر الرقم الموحد للإيداع وكذا "ردمك" وهما شرطان من شروط دخول المطبوعات إلى مكتبته، لكن في حالة خاصة كالرسائل الجامعية فإنها لا تعرض لعديد الأسباب التي تمنعه من ذلك كغياب الشرطين السابقين وكذا نقص القيمة العلمية بها لأنها - حسب اعتقاده - ليست كالتي صدرت في شكل كتاب، لأن الرسالة الجامعية تفتقر إلى التصحيح، التنقيح، والمراجعة العلمية الدقيقة، فبقدر ما كان صاحبها على درجة كبيرة من العلم فإنه يشترط عليه أن تمر رسالته على لجنة القراءة الخاصة بدور النشر أو الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، وضرورة تماشيها مع خط نشر الدار رغم أنها رسالة متخصصة تستهدف جمهورا معينا. وأشار في حديثه إلى قلة المتوافدين على اقتناء هذا العمل لظروف تبقى حبيسة جدران الجامعة تتمحور حول علاقة الطالب بالأستاذ، فهناك نوع من الأساتذة يفرض اقتناء كتابه (رسالته) على الطالب غير مبال بالأهمية العلمية للعمل، ما يهمه في هذه الحالة هو التشهير لشخصه والربح المالي نظير "خدمة" يؤديها للطالب. وحسب تجربة رواها المتحدث، فقد حدث ذات مرة وأن أرغم أستاذ طلبته على شراء كتابه من المكتبات ليتبيّن في الأخير أن كتابه نسخة طبق الأصل لرسالة قامت بها طالبة من مصر لنيل شهادة الماجستير، وهو ما اعتبره محدثنا دليلا قاطعا يشير إلى تدني المستوى العلمي في الجامعات الجزائرية. سمير بوعلي، منسق كتب بمكتبة ابن خلدون ^ يرى سمير من جهته بأن الوجه العام لهذه الظاهرة يدخل ضمن إطار علمي أكاديمي بحت يخص الطلبة والأساتذة والباحثين في الجامعة، لذا فهو يعتقد بأنه ليس هناك أي مانع من عرضها بالمكتبة خاصة إذا كانت تحمل قيمة علمية من شأنها أن تخدم الحقل العلمي بالجزائر والوسط الطلابي على وجه الخصوص، فقط يشير إلى أفضلية تلك التي تحوّلت إلى كتاب لأنها تتصف بالدقة والتحليل والمراجعة للبيانات شريطة توافر طريقة سليمة تراجع كل الرسائل التي أصبحت كتبا، لأن الغرض منها تطوير المعرفة والعلوم التي تساهم في إثراء البحث والتحصيل العلمي بالإضافة إلى التكوين الجيد للطلبة. ولم يخف من جانبه أن عرضها وبيعها بهدف تحقيق هامش ربحي أيضا لأن العملية مرتبطة يبعضها البعض، يقوم خلالها أصحاب المكتبة بالاتصال بدور النشر والديوان الوطني للمطبوعات الجامعية قصد الحصول على نسخ كثيرة من أجل بيعها، بالإضافة إلى الرسائل المتحصل عليها من طرف دار العزة والكرامة التي تنضوي تحت اسمها مكتبة ابن خلدون. فيما نوّه سمير إلى تراجع الاهتمام بالكتاب من طرف الطلبة بسب الحالة المالية الشحيحة التي يعانون منها وكذا الانجذاب نحو الرسائل بصفة أكبر لتعلقها ببحوثهم الفصلية أو بحوث السنة النهائية الخاصة بإعداد مذكرة التخرج. بعيون الأساتذة الجامعيين كمال رميدي أستاذ بقسم الفيزياء بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة أكد الأستاذ رميدي كمال وجود عدد معتبر من الرسائل التي تؤخذ إلى دور النشر للطباعة لأغراض تتعلق بالبحث العلمي وأخرى تجارية خالصة. وعن تجربته قال "أجل أخذت مجموعة من المطبوعات في مادة الفيزياء ذات مواضيع قيّمة تعود لعديد الأساتذة، منها عدد قليل من الرسائل الجامعية ومقررات موجهة للتعليم في الطور الثانوي، حيث يعتقد بأن معايير طبعها تتمثل في القيمة العلمية التي تحملها وكذا المردود الربحي الذي يتبع العملية". وحسب قوله، فإن غاية الأستاذ من الطباعة هو الحصول على المال من جهة والإفادة العلمية من جهة ثانية. عبد الكريم كاملي، مشرف على المجلس العلمي وأستاذ مادة البيوكيمياء من جانبه، يرى الأستاذ عبد الكريم كاملي بأن الرسائل التي تدخل طي الطبع عددها قليل إذا ما قورنت بالكتب، لأن السبب يتعلق بتخصصها، حيث تعالج إشكالية ضيقة تنحصر في الوسط الجامعي وغياب ثقافة شراء وبيع الكتب لدى الطلبة، ناهيك عن مستواهم المادي الضعيف رغم مضمونها العلمي الجيد، لذلك فإن دار النشر إذا أرادت الطبع تقيس مدى المقروئية لهذا التخصص المتوفرة في الخارج مع اتفاق أولي يسبق عملية الطبع، إلا أن الأمر يختلف في دار نشر عمومية تابعة لوزارة التعليم العالي والتي تسعى إلى البحث العلمي ولا تجعل الربح التجاري من أولوياتها، فجل ما تركز عليه هو خدمة العلم والمعرفة، وقدم مثالا عن أوروبا حيث قال "سعر الكتاب المتخصص غالي الثمن لأن عدد النسخ قليل" وهو يرى بأن دور النشر لا تعتمد على معايير علمية بحتة بل تطبع كتبا تجارية تباع في السوق يغيبُ عنها الجانب العلمي بشكل ملفت للإنتباه، معتبرا نقص طبع الرسائل ومنها التي تحولت إلى كتب راجع إلى سبب آخر وهو بروز ظاهرة جديدة في عالم التكنولوجيا أو ما تسمى بقاعدة معلومات إلكترونية تحتوي على قيمة علمية كبيرة تستهدف جمهورا متخصصا جعلته يعزف عن شراء المطبوعات من الرسائل والكتب. عبد الرؤوف بوجليدة، النائب التجاري بالديوان الوطني للمطبوعات الجامعية يعتبر بوجليدة عمل الديوان أنه يقوم أساسا على المحتوى العلمي للعمل مهما كان نوعه والسعر المعقول الذي يقدمه في تدعيم الطبع وإنتاج الكتب خدمة للأسرة الجامعية، وهو ما جعل الأساتذة والمؤلفين يقصدونه بهدف طبع أعمالهم المختلفة التي تمس الوسط الجامعي أو غيره، نافيا في نفس الوقت احتكار الديوان لعمل دور النشر الأخرى بدليل تقديمه لسعر معقول يخدم مختلف الزبائن، وما يسميه آخرون احتكار نعتبره خدمة عمومية، لكن شريطة توفر شروط الطبع، حيث يرسل العمل إلى المقر الرئيسي ببن عكنون لدراستها وإبداء الرأي فيها. وحسب بوجليدة، فإن الاتصال بمن يريدون الطبع يكون انطلاقا من إعلانات الجرائد ورغبتهم بالطبع عندنا، حيث نتصل بالشخص المقصود ونعرض عليه خدماتنا ومن ثمّة يكون الاتفاق بنشر العمل أولا.