لماذا لا تتوفر الساحة الفكرية الجزائرية على مساحات نقدية جدّية يعتمد عليها الباحث الجزائري، وتجنبه متاعب اللجوء إلى استيراد ما ينتجه الناقد الأجنبي؟ ألا يمكن للنقد أن يقوّم مسار المجتمع ويقدّم البدائل النهضوية له؟ هذه الأسئلة وأخرى توجهت بها ''الحوار '' إلى الدكتور عبيد عبد الرزاق رئيس قسم الأدب العربي بجامعة الجزائر بن يوسف بن خدة، فأفادنا بهذه الإجابات. لماذا لا توجد حركة نقدية في الجزائر؟ - لا يجب أن نقول أنه لا توجد حركة نقدية في الجزائر، فهناك نقد ويجب أن ننظر إليه من زاويتين احداهما خاصة، والأخرى عامة، اذ يوجد نقد على مستوى الجامعات الجزائرية سواء في الرسائل التي تناقش يوميا، أو في المجلات المتخصصة التي تصدر في كل المعاهد والجامعات، وهي كثيرة جدا، وأيضا مجموعة من الكتب التي تصدر عن بعض دور النشر. وهذا فضلا عن الملتقيات الكثيرة التي تتضمن أو يكون محورها موضوع النقد سواء من حيث المناهج التي تعالج بها هذه الموضوعات أو من حيث المادة النقدية الموجهة للجمهور. لكن هذه الاعمال تظل حبيسة أدراج الجامعات؟ - بالفعل معظم هذه الاعمال تبقى في رفوف الجامعات، والمشكلة لا تخص الكاتب الباحث ولا البحث أو الدراسة النقدية في حد ذاتها، بل تكمن في الطبع، أي في دور النشر، حيث أصبحت تنشر وتهتم بالكتب التجارية ككتب الطبخ والكتب المدرسية، وكتب التجميل، وبعض الكتب في مجالات عامةو والتي تخص كل شرائح المجتمع وكذلك الروايات... الخ. لكن الكتب الجادة مثل الرسائل أو الدراسات النقدية لا يجد الناقد الجزائري دار نشر تنشر وتهتم بأعماله النقدية مهما كانت قيمتها. فالناقد موجود وغياب الناشر هو مشكل وسبب غياب أو ضعف الحركة النقدية في الجزائر. الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية كان له دور كبير في مثل هذه الاصدارات، فأين هو اليوم؟ - الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية كان له نشاط كبير جدا، والعملية بالنسبة له ثقيلة نسبيا وتتطلب وقتا طويلا، في حين الكتاب النقدي اذا لم ينشر في وقته يتجاوزه الزمن، لأن النقد يتطور بسرعة ويتنوع وتتعدد مواضيعه يوما بعد يوم، ففي الوقت الذي يحضر فيه الديوان لنشر كتاب يكون الوقت قد فات للباقي. وهكذا نبقى نحن نستهلك ما ينتجه الآخرون. نفهم من كلامك أنك ضد النقد المستورد؟ - أن تستورد العلم والمعرفة لا عيب في ذلك ، بل بالعكس ستستفيد منها وتلحق بالركب أو على الأقل تحاول، لكن أن تستورد كل شيء فهنا يكمن العيب والضرر الكبير، فنحن مع أخذ ما انتجه الآخر لكن دون اهمال تاريخنا الثقافي، نحن مع خلق نوع من التواصل الايجابي مع الآخر، نأخذ من مسائلهم الحضارية لأنها ملك لجميع البشر ويأخذون أيضا مما أنتجنا فتراثنا غني جدا، ويلزمنا فقط تنمية هذا التواصل. بعيدا عن الناشر والناقد لاحظنا في الآونة الأخيرة انتشار المناهج الحديثة في دراسة التراث العربي ألا يعتبر هذا تغريبا له؟ - لا يجب أن ننظر إلى هذه الحركة بمنظور سلبي لأن دراسة الفكر العربي بالمناهج الحديثة تجنبنا الوقوع في نوع من الاجترار، فدراسة التراث العربي الكبير من الناحية التاريخية تعج بها الساحة الفكرية العربية، لكن تقييم تراثنا على ضوء المناهج الحديثة قليل جدا، ومن شأنه تقريب الابداع العربي من الآخر، كما أنه يحييه في كل مرة أي حسب الدراسة المسلطة عليه وما تستدعيه كل دراسة. العام الماضي قامت جامعة الجزائر بمبادرة نقدية وهي مناقشة كل عمل أدبي يصدر عن اساتذة الجامعة، فما فائدته؟ - قبل هذا حاولنا بجامعة الجزائر التنسيق بين الاستاذ المحاضر والمطبق قدر الامكان، وذلك بجعل المحاضر والمطبق استاذا واحدا، وتفادينا في السنوات الاخيرة نوعا ما هذا المشكل. أما بخصوص المشروع الذي اتخذته الجامعة فقد كان بمناسبة احتفالية الجزائر عاصمة للثقافة العربية، وتواصل العام الماضي حيث شكلنا لجانا لمناقشة ونقد الاعمال التي يقوم بها اساتذة الجامعة، وهذا نشاط مكمل، حيث قمنا بعدة ندوات استضفنا بعض المبدعين للحضور الى لقاءات مع طلبة الماجستير للنقاش حول جانب معين في كتاباتهم، وتنشر هذه الاعمال النقدية في مجلات أو دوريات.