اهتز المنتج السويسري هذه المرة في طبعته 42 على وقع الربيع العربي، الذي أثبت بما لا شك فيه أن الرأسمالية في شكلها المتخلّف أو النامي نسبة إلى البلدان النامية قد أثبتت فشلها نهائيا، لأنها -كما قال راشد الغنوشي - كانت مرادفا للسرقة والنهب وتشكيل عصابات المافيا في أقطارنا العربية، يقابلها في الجانب الشعبي الفقر والتهميش لشرائح واسعة من مجتمعاتنا. يرى العالم المتقدم أن النظام الرأسمالي قد وصل إلى حدوده بعد أن أدخل العالم في أزمة يتخبّط فيها ولا حل لها في الأفق. وبعد أن أصبحت حوالي 32 شركة عالمية تملك ثروات العالم على حساب البقية الباقية، تضاف لها عملية إدخال الغذاء الإنساني إلى البورصات والتلاعب بها على حساب القوت اليومي للبشرية التي سيصل عددها في السنوات القليلة القادمة إلى 9 مليار نسمة وإذا بقيت الأمور على حالها فإن الكارثة ستحل على الجميع دون شك. وأدى إدخال التكنولوجيا الجديدة كأداة للتسيير إلى خلق اقتصادي افتراضي وهمي لا وجد له على أرض الواقع، والأمثلة كثيرة على ذلك كميات كثيرة من النفط تباع في الأسواق العالمية ولكنها لا يوجد لها بديل في الواقع المعيش. وقد كشف المراقبون أن 25 في المئة من مادة البترول التي تداولتها الأسواق في مرحلة ما قبل الأزمة لا وجود لها أصلا في الواقع فهي افتراضية، ويمكن سحب هذا المثل على مواد كثيرة. فقد أوصلت إدارة الاقتصاد العالمي من وراء شاشات الكومبيوتر النظام الرأسمالي إلى حافة الهاوية، لأنها خلقت اقتصادا وهميا لا علاقة له بالواقع وسيطرت عليه الشركات المالية التي تعمل في السمسرة. وكان لمنتدى دافوس هذه السنة، الذي حضره 2600 شخص، الفضل والشجاعة لطرح فكرة التفكير في إيجاد نظام اقتصادي جديد للعالم يكون أكثر عدلا وإنسانية من النظام الحالي، الذي أصبح لا أخلاقيا، كما نشاهد طبعته في البلدان النامية والتي فسّرته على أساس أنه فرصة للنهب دون حدود. دافوس سبق الحدث وإن لم يستطع في أربعة أيام التوصل إلى حل يقترحه على العالم، ولكن النقاش المفتوح أمام قادة العالم سياسيين وأصحاب القرار إلى جانب الشركات العالمية الحاضرة هنا في أعالي جبال الألب، قد يفضي إلى نتيجة في المستقبل، لأن الجميع يوجد في سفينة واحدة، فقراء وأغنياء، والسفينة بدأت في الغرق وعلى النخبة إنقاذها قبل فوات الأوان. فالربيع العربي فرض على الغرب إعادة النظر في تصوراته الاقتصادية بعد فشل التجارب الماضية في عدد من الدول التي تبنّت قيمه وأنظمته الاقتصادية. والحديث يدور حول دراسة أنظمة جديدة تتبنى مشاكل المواطن وهمومه وليس تهميشه وتجويعه، فالصوت العربي أوصله هؤلاء القادة إلى العالم في منتدى منتج دافوس، والتي حوّلها المنتدى الدولي للاقتصاد إلى خلية نحل حقيقية من جراء الأعداد الهائلة التي حلت بالمدينة إلى درجة خنقها في الأربعة أيام التي دار فيها النقاش في المنتديات. الجزائر من البلدان التي لم يحضر ممثلا لها إلى دافوس ولا أحد يمكن له أن يمنحك تفسيرا مقنعا، وهل التهميش متعمد أم كالعادة قرار من أصحاب القرار في الجزائر. وقد سيطرت النقاشات حوب الوضع الاقتصادي المتأزم في بلدان منطقة الأورو على المنتدى إلى درجة حمل المفوض الأوروبي أولي رين بقوله في المنتدى إن الثلاثة أيام القادمة ستكون مصيرية لأوروبا. كما حمل المنتدى التناقضات في الرؤى بين البلدان الأوروبية في أغلبها وبريطانيا التي رفض رئيس وزرائها في تدخله بالمنتدى فكرة فرض ضريبة على المعاملات المالية التي اقترحتها بلدان بحجم ألمانيا وفرنسا في المنظومة الأوروبية الموحدة، لأن بريطانيا لا تريد تحالفا سياسيا واقتصاديا، بل تريد فقط سوقا لسلعها ومنتجاتها بينما يرى الآخرون أن حل الأزمة يكمن في توحيد الجهود الأوروبية والذهاب إلى خلق حكومة اقتصادية تدير شؤون الأمور الأوروبية من بروكسل.