من أثقل الأمور التي قد تواجه مواطنا غير فارغ شغل، أن يجد نفسه، مرغما على الوقوف في طابور ما؛ للوصول إلى أمر ما، سواء كان ذلك الأمر إداريا أو استهلاكيا. ويا سواد يوم ذلك المواطن لو كان هذا الطابور عاطلا عن الحركة. وضعٌ كهذا قد يمثّل عقابا شديدا لقليلي الصبر مثلي، رغم إلصاق صفة السلوك الحضاري على فعل الوقوف في الطابور، وأعتقد أنّ الشعور بالأنانية وتغليب الذاتية يتفتّق عند كثير منا وهو يسير ببطء في قلب طابور نحو مبتغاه، في الوقت الذي تتحوّل فيه أمتار قليلة بين أقدامنا وطلبنا إلى كيلومترات غير معبّدة. وقد تتحول عيون الواحد منا إلى مخالب صقر تجرح كلّ من تسوّلُ له نفسه حرق الطابور أو التذاكي على الواقفين فيه، وكم هم كثر أولئك المبدعين في التذاكي على الطابور. في الحقيقة، انزعاجي من عقاب الوقوف في "لاشان" دفعني إلى البحث في معاجم اللغة العربية، عن شجرة عائلة كلمة "طابور" فلم أعثر لها على أصل، حتى أن الترجمة العربية للكلمة الفرنسية (la queue) تأخذك إلى كلمة "ذيل" وأحيانا إلى كلمة "الصف" وهي كلمة مفتوحة على معان كثيرة، ليست بالضرورة مرتبطة بفعل الوقوف في الطابور. لذلك؛ فمن المحتمل جدا أن كلمة "طابور" هي من الكلمات الدخيلة التي تسربت إلى لساننا العربي من الفارسية أو التركية إبان عقود السيطرة. المهم، وبعيدا عن تعقيدات اللغة، دخلت كلمة "طابور"، رغم أرجلنا، إلى خانة كلمات السلوك الحضاري، لكني أصرّ على أن أصف هذا الفعل الحضاري ب"المُزعج"، والذي طالما شكّل لي فوبيا حقيقية، وها هو اليوم يعود إلى استفزاز قلقي مجددا وأنا أشاهد صور الجزائريين الواقفين في مختلف ولايات الوطن على أهبة الوقوف في طوابير غاز البوتان، واضعين بذلك "قرعة الغاز" في خانة المواد التي وجب أن يقف لها الجزائري في الطابور احتراما وإجلالا لندرتها، شأنها شأن الأوراق الإدارية أو الرواتب الشهرية أو حتى حليب الشكاير وزلابية بوفاريك في رمضان... هنيئا إذن؛ ل"قرعة الغاز" إعادة الاعتبار لها، وانضمامها إلى عائلة المطالب الشعبية "المطوبرة".