لا تزال العديد من العائلات الڤالمية تحافظ على العادات والتقاليد التي ورثوها أبا عن جد رغم مظاهر العصرنة والتمدن التي طغت على حياتهم اليومية، خاصة تلك المتعلقة بالأكلات التقليدية التي تطبخ في فصل الشتاء الذي يعرف ببرودته الشديدة خاصة في القرى والمداشر. تقوم النسوة بطبخ أطباق لحماية الجسم من انخفاض درجة الحرارة، وحمايته من الجوع طيلة اليوم. ومن بين هذه الأطباق التي لا تزال موجودة إلى غاية يومنا هذا “العصيدة” و”العيش الحار بالقديد” هذه الأكلات التقليدية تقلّص تناولها لدى بعض العائلات خاصة الشباب الذين يرون فيها أطباق غريبة ولا يحبّذون أكلها. وفي المقابل، هناك فئة أخرى لا يمر فصل الشتاء دون تناول هذه الأطباق. وقد حاولنا خلال إثارتنا هذا الموضوع، معرفة رأي الصغار والكبار في هذه الأكلات التي تكاد تختفي وينتهي تناولها مع نهاية الجيل القديم، حيث أكد لنا العديد من الشباب عن جهلهم وعدم تناولهم لمثل هذه الأطباق في حياتهم. وقال آخرون إنهم تذوقوها في عدة مناسبات متمنين المحافظة على مثل هذه الأكلات التي اعتبروها أطباق غنية وحافظة لسلامة الجسم خلال انخفاض درجة الحرارة، فيما اعتبر الحاج ابراهيم وعمي حوسين أن “العصيدة والعيش الحار بالقديد” لا يغيبان عن مائدتهما طيلة أيام السنة مع بعض الزيادة في فصل الشتاء. أما الحاجة أم السعد التي التقيناها منتظرة قدوم الحافلة، فقد ترددنا في بادئ الأمر في التحدث إليها وسؤالها عن هذه الأكلات وكيفية طبخها. الحاجة أم السعد التي نتمنى لها طول العمر، وأثناء حديثنا معها تفاجأت لسؤالنا، لكن ما أن قلنا لها بأننا نريد أن نكتب موضوعا عن هذه العادات التي تكاد تنقرض عن موائد العائلات الڤالمية حتى فتحت لنا قلبها وبدأت تسرد لنا كيف تعلمت طبخ العصيدة التي أكدت بشأنها الحاجة أم السعد أنها تتطلب مجهودا عضليا كبيرا حتى لا يحترق الدقيق في قاع القدر أثناء الطهي، مشيرة إلى أنها احترقت في العديد من المرات أثناء قيامها بطبخ “العصيدة”. أما فيما يخص “العيش بالقديد” فاعتبرت الحاجة أم السعد عملية تحضيره أسهل مقارنة بالعصيدة، حيث تتنوع طريقة تحضيره من عائلة إلى أخرى، فهناك عائلات تحضره مسبقا وتجففه وتضعه في كيس مثل ما تحضّر الكسكسي وحين تريد طهي العيش يكون جاهزا، فيما تحضّر بعض العائلات الأخرى طبق العيش في نفس اليوم الذي تريد طهيه فيه.أما القديد فأغلب العائلات تحضره خلال عيد الأضحى، إذ تقوم العائلات بتجفيف اللحم مع الملح وقليل من الثوم ليكون جاهزا حين تحتاجه النسوة عندما تردن طبخ العيش بالقديد. كما تأسفت الحاجة أم السعد على اندثار هذه العادات وسط زحمة الموضة والعصرنة والتمدن والأكلات السريعة التي طغت على المجتمع الڤالمي، مقدمة لنا خلال نهاية الحديث معها دعوة لتذوق العصيدة باللبن والزبدة الحرة من يدها.