كم من غني طامع عنده من المال ما يكفيه وولده ولو عمّر ألف سنة، ولكن حرصه يدفعه للمخاطرة بدينه ووقته وجهده طلبا للمزيد. وكم من فقير قنوع يرى أنه أغنى الناس، وهو لا يجد قوت يومه؛ ذلك أن الغنى الحقيقي غنى النفس ورضاها بما قسمه الله لها من عطاء، وهذا مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس الغنى في كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس“ رواه البخاري. وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “أترى يا أبا ذر أن كثرة المال هي الغنى؟ إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب، من كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا”، رواه ابن حبان. وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال: قلّة تمنّيك، ورضاك بما يكفيك. فالعزّ كل العز في القناعة، والذل والهوان في الحرص والطمع؛ ذلك أن القانع لا يحتاج إلى الناس فلا يزال عزيزا بينهم، والحريص قد يذل نفسه من أجل أن يحصّل المزيد؛ ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه استغناؤه عن الناس”، رواه البيهقي. وقد كان محمد بن واسع رحمه الله تعالى يبلّ الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد.