كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه، وولد لا يعذره، وجار لا يأمنه، وصاحب لا ينصحه، وشريك لا ينصفه، وعدو لا ينام عن معاداته، ونفسٌ أمَّارة بالسوء، ودنيا متزيّنة، وهوى مُرد، وشهوة غالبة له، وغضب قاهر، وشيطان مُزين، وضعف مستولٍ عليه، فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه ووكّله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة؟ المسلم ابتلاه ليمتحن صبره إن الله سبحانه وتعالى لم يبتلِ العبد ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء كما له عليه عبودية في السراء، وله عليه عبودية فيما يكره كما له عليه فيما يحب. وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوتت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى، فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية هذا الوضوء بالماء البارد في شدّة البرد عبودية وتركه المعصية التي اشتدت دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية ولكن فرق عظيم بين العبوديتين.