قالت السيدة سيغولين رويال الزوجة السابقة للرئيس الفرنسي المنتخب ووالدة أبنائه الأربعة، إن هؤلاء لا مكان لهم في احتفال تسلم وتسليم السلطة بين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، وإنها قد تحضر هذه المناسبة إذا ما دعيت لكن ليس بوصفها زوجة سابقة، وإنما كمرشحة لرئاسيات العام 2007 أو وزيرة سابقة لمرات عديدة، أو رئيسة إقليم ”بواتو شارنت”، أو قائدة بارزة في الحزب الاشتراكي الفرنسي. وأكدت أن هذا الحزب سيعمل على أن تكون رئاسة هولاند بعيدة عن الشوائب ولا غبار عليها. والمعروف أن الخلط بين الشخصي والعام هو من الشوائب التي نسبت إلى رئاسة ساركوزي المنصرمة، فقد حضرت عائلته مراسم التسلم والتسليم ومن ضمن الحضور أبناؤه وزوجته السابقة ووالدته الذين لا تمثيل لهم في السلطة، وبالتالي لا يكفي أن يكونوا أولاد الرئيس حتى يصبح حضورهم المراسم تلقائياً وعلامة فارقة بينهم وبين أبناء سائر الفرنسيين، فالمشرع في هذا البلد يرى أن الفرد يقاس بما يُحسن عمله وليس بكونه ابناً لفلان أو علان. وثمة أحاديث متواترة عن نية هولاند أن يواصل الإقامة في بيته المؤلف من ثلاث غرف في الدائرة الخامسة عشرة من باريس، وسيعزف عن الإقامة في قصر الإليزيه الفخم الذي يعدّ بنظره مقراً لأداء دور رئيس الجمهورية وبالتالي ليس مقراً للمتعة الشخصية، ومن المتواتر أيضاً أن الرئيس المنتخب سيخفض راتبه شعوراً منه بوجوب التضامن مع الفرنسيين الذين يعانون آثار الأزمة الاقتصادية. وإن التزم هولاند هذه المقاييس، فسيكون التزامه متناسباً مع شعاره الأساسي في حملته الانتخابية حيث قال إنه يريد أن يكون رئيساً عادياً مقابل الرئيس المهزوم الذي قال إنه يريد رئاسة استثنائية لبلد استثنائي، الأمر الذي لا يتناسب تماماً مع الصعوبات التي يعانيها الفرنسيون، ومع المرتبة المتواضعة التي تحتلها فرنسا اليوم في سلم الأمم القوية. والظاهر أن الناخبين غلّبوا الواقعية والرئاسة العادية من خلال اختيارهم هولاند الواقعي والمتواضع والراغب في حمايتهم من التوحش الرأسمالي الذي أصاب اليونان إصابة قاتلة ويهدد بإصابة دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ما لم يتصد له قادة جدد في طليعتهم حتى الآن فرنسوا هولاند وهذا يعني أن الرئاسة العادية في قصر الإليزيه لن تكون هي نفسها بالضرورة في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي من المتوقع أن تكون استثنائية على هذا الصعيد، إذا ما سار هولاند في تحديه لأنجيلا ميركل حتى النهاية وبالتالي حملها على التخلي عن تصلبها في وجوب تخفيض الإنفاق العام وتخفيض العجز في الموازنة إلى ما تحت 3 في المئة، وتخفيض الديون الوطنية، وهذا يعني أن كلفة الأزمة الاقتصادية يجب أن تدفعها الفئات المستفيدة من الإنفاق الرسمي ومن خدمات الدولة، وهؤلاء لم يصنعوا أزمة الأسواق وليسوا بحسب هولاند مجبرين على تحمل فاتورتها، لذا اقترح ومازال يقترح ليس الإنفاق الرسمي المفرط، وإنما منح قروض للمنتجين الأوروبيين تتيح تشجيع النمو وتحسين شروط المنافسة مع الخارج وبالتالي زيادة الثروة الأوروبية التي تغطي العجز من دون أن يتحمل طرف بعينه خسائر الأزمة. يفصح ما سبق عن وجهين متكاملين للحكم في عهد الرئيس الجديد: الوجه الأول يتعلق بالفصل بين الشخصي والرسمي، أي الحرص على تحييد المؤسسة السياسية الفرنسية، ومن جهة أخرى زيادة الثروة عبر المنافسة مع الخارج. إن البحث عن حلول للأزمة الاقتصادية الراهنة خارج فرنسا وخارج أوروبا وليس داخلها، يندرج في سيرورة فرنسية كلاسيكية تقضي بحماية الوئام الداخلي، وتمتين الوحدة الوطنية واستخدامها سلاحاً في مواجهة الخارج. ولعل هذا ما يفسر دعوة ساركوزي منافسه المنتخب إلى المشاركة في احتفالات 8 ماي والسير معه جنباً إلى جنب في مراسم الاحتفال في خطوة تطوي بلا شك أجواء التعبئة التي طغت خلال التنافس الانتخابي، وتضفي على النخبة الحاكمة هالة من التقدير والاحترام في الداخل، وتعطي انطباعاً للخارج بأن الفرنسيين يعرفون كيف يشنون حروبهم الانتخابية، ويعرفون أيضاً كيف يضعون حداً لها بعد أن تقول صناديق الاقتراع كلمتها الفاصلة. إن الدرس الذي يمكن استخراجه من الرئاسيات الفرنسية المنصرمة يحمل في ما يحمل وجهين أساسيين: الأول هو أن الديمقراطية ليست مناسبة يقترع فيها الناس ضد بعضهم بعضاً، لإلغاء بعضهم وليست سلاحاً لابتزاز فئة من الناس لمصلحة فئة أخرى أو لظلم طبقة من أجل طبقة أخرى، بل وسيلة لتغليب برنامج وطني على برنامج آخر. وقد لا أبالغ بالقول إنها استدراج عروض وطنية يفوز فيها طرف، فإن التزم ما تعهده ازدادت ثقة الناس به، وإن أخفق أعرضوا عنه. والوجه الثاني هو أن الديمقراطية لا تتفق مع الشخصنة، فالحاكم فيها موظف عند الشعب بدرجة رئيس وكل تفسير آخر لا يعول عليه. يبقى درس آخر متصل بنا وهو أن الغربيين يستخدمون ديمقراطيتهم سلاحاً لجعل الحكم في بلداننا مكاناً للتنازع الأبدي بين الطوائف التي تقترع ضد بعضها بعضاً، والأتنيات التي تريد إلغاء بعضها بعضاً وتنصيب عملاء الاحتلال نكاية بالممانعين أو طريقاً إلى حرب أهلية وقبلية، أو وسيلة للتفتيت الجغرافي والديمغرافي.. أما الخلاصة التي تفرض نفسها فهي أن العربي يكون ديمقراطياً عندما يصبح سيداً وكل تفسير آخر لا يعول عليه.