الفرنسيون شيّدوا برج إيفل وأعادوا بناء ما دمّره هتلر بمناجم ومصانع جزائرية رغم إجماع الخبراء الاقتصاديين الذين تحدّثنا إليهم عن صعوبة تحديد القيمة المالية لخسائر الجزائر الاقتصادية خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وما جنته فرنسا طيلة 130 سنة من الاستيطان و10 سنوات من الاستقلال قبل ضبط قانون تأميم المحروقات والأراضي، إلا أن كلهم شدّدوا على ضرورة أن “تعوّض فرنساالجزائر ولو رمزيا عن خسائرها”، كما اقترحوا “بداية مفاوضات جديدة بين الطرفين تعتذر من خلالها فرنسا عن جرائمها الاقتصادية وتمنح امتيازات تجارية واستثمارية للجزائريين تكفيرا عن أخطائها”. الخبير الاقتصادي فارس مسدور يكشف ل”الفجر”: “خزينة الداي احتوت ذهبا بقيمة 7 ملايير دولار” قال خبير الشؤون الاقتصادية، فارس مسدور، إن القوانين الدولية المنظمة للعلاقات الاقتصادية تمنح للسلطات الجزائرية الحق في طلب التعويض من فرنسا عن الثروات المستنزفة خلال الفترة الاستعمارية، بعيدا عن قضية طلب الاعتذار والتعويض عن الجرائم الحرب المرتكبة في حق الجزائريين التي تتراوح مكانها منذ بضعة سنوات. وأوضح مسدور، في اتصال مع “الفجر”، أن تعويض فرنسا للخيرات المستخرجة من الجزائر يمكن لها إعطاء الاقتصاد الجزائري دفعة قوية وتوظيف هذه الموارد المالية في العديد من المجالات، قد تخرج الجزائر من تبعيتها إلى اقتصاد الريع وانطوائها على ما تضخه عائدات النفط الموجه للأسواق العالمية، فضلا عن إعادة الحياة للمناطق الميتة جراء الممارسات الاستعمارية، كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة “رڤان” بالجنوبالجزائري، التي تعتبر منطقة ميتة من الناحية الإيكولوجية بسبب انعكاسات التجارب النووية الفرنسية خلال فترة الاستعمار. وأشار المتحدث إلى أن طلب التعويض والحصول عليه على شكل مشاريع استثمارية تنجزها الشركات الفرنسية، لن يكون في صالح الاقتصاد الوطنية بقدر ما تستفيد منه فرنسا للخروج من الأزمة التي تمتد إليها من أوربا. وأوضح أن الاقتصاد الفرنسي يبحث عن منافذ للنجاة من خلال مباشرة مشاريع استثمارية خارج القارة العجوز، تشكل الجزائر أبرز وجهاته نظرا للفرص الكبيرة التي تعرضها، خاصة أن مكانة فرنسا بدأت تتراجع مع تصاعد مد دول أخرى، على غرار ما يعرف دول جنوب شرق آسيا، في حين أرجع تعطل ملف تعويض فرنسا عن جرائمها في حق الجزائريين لأسباب تتعلق بممارسات جهات معينة تعمل بالخفاء لحساب الحكومة الفرنسية. وفضل فارس مسدور عدم تحديد مشاريع أو معالم بالاسم على أن فرنسا استخدمت في تشييدها الثروات الجزائرية، وأكد أن الاقتصاد الفرنسي قام بأكمله على خيرات الجزائر، مشيرا إلى أن الإليزيه أعاد بناء فرنسا من الأساس بما كانت تنتجه المناجم والمصانع الجزائرية، إثر انهيارها بفعل احتلالها وتدميرها من طرف ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وقال الخبير الاقتصادي إن الحديث عن الثروات الجزائرية المستنزفة من قبل فرنسا يمتد على طول الفترة الاستعمارية من 1830 إلى 1960، من منطلق أن فكرة الاحتلال غذاها بدرجة أساسية العامل الاقتصادي من شقين اثنين، الأول يرتبط بكونه ذريعة للتخلص من الديون المترتبة على فرنسا والمستحقة الدفع والتي كان الداي يطالب بها، بالإضافة إلى أن المعطيات التاريخية تؤكد أن خزينة الداي حسين كانت تحتوي على الذهب والمعادن النفيسة بما قيمته حاليا 7 ملايير دولار. وأما الجانب الثاني فيتعلق بحصول الدولة الفرنسية على مصدر هام للمعادن والمواد الفلاحية، إذ كانت ولاية تيارت وحدها كما قال مسدور تؤمن حاجيات فرنسا من الحبوب، بصرف النظر عن المواد الطاقوية التي نقلتها إلى فرنسا منذ اكتشافها للبترول والغاز في الصحراء الجزائرية، والتي جعلتها تتمسك بها وتدعو إلى الاحتفاظ بها في اتفاقيات إيفيان. سعيد. ب الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى: “على فرنسا تسديد فواتير الجزائريين لمدة 100 سنة وإنجاز مصنعي رونو ولافارج دون مقابل” قال الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى، إنه في حال تعويض فرنسا للجزائر عن الانتهاكات الاقتصادية المرتكبة خلال فترة الاستعمار الفرنسي من خلال استغلال الطاقة والمعادن واليد العاملة وتحويل الجزائر إلى سوق لتصريف فائض منتجاتها واستيلائها على الخزينة العمومية والديون التي تعادل 20 مليون فرنك فرنسي، فإن هذه الأخيرة ستكون مضطرة لدفع مصاريف الخزينة العمومية إلى غاية 2112 على الأقل، أي طيلة 100 سنة. وأوضح الخبير، في اتصال ب”الفجر”، أن التعويض في المرحلة الراهنة يشكّل خيارا شبه مستحيل بسبب الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعيشها فرنسا وتداعيات أزمة الأورو، وهو ما يجعلها عاجزة حتى على ضمان عيشة مقبولة لشعبها، الأمر الذي يفرض على الجزائر مطالبتها بالتعويض من خلال فتح مفاوضات على نطاق آخر. وحسب مصيطفى، فإن التعويض سيكون ممكنا من خلال مطالبة فرنسا بمنح امتيازات أخرى للجزائر تكفيرا عن الجرائم المرتكبة خلال فترة الحقبة الاستعمارية، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، على غرار منح تسهيلات للطلبة الجزائريين للدراسة في فرنسا مجانا وتبادل الخبرات ونقل الخدمات والتكنولوجيات والاستثمار في المجالات التي لا تزال تشهد عجزا ونقصا في الجزائر، في مقدمتها الدواء والخدمات الصحية والحبوب، إضافة إلى إقرار شراكات جديدة دون شروط على غرار إنجاز مصنع رونو ولافارج وتوتال، ناهيك عن اعتماد مبدأ المقايضة بين الطرفين. وأوضح ذات الخبير أن فرنسا بإمكانها مساعدة الجزائر لدخول منظمة التجارة العالمية وفق شروطها، وأن الحكومة الجزائرية بإمكانها اعتماد ورقة التعويضات للضغط على الفرنسيين في كافة الملفات السالف ذكرها. وقال بشير مصيطفى إن أبرز المجالات التي استغلت فرنسا فيها الجزائر من الناحية الاقتصادية هي الطاقة، على غرار البترول والغاز واليورانيوم، وكذا المعادن كالذهب والألماس والحديد والفوسفات، في حين أن أكبر الإنجازات الفرنسية سواء في مجال الصناعة أو العمران منجزة بفضل المادة الأولية الجزائرية، كما أن برج إيفل الذي تفتخر به فرنسا تم تصنيعه من مواد بناء جزائرية. إيمان كيموش رئيس اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني ل”الفجر”: “هولاند مطالب بتسديد ديون الداي حسين.. وسنجهّز ملفا مفصلا عن التعويضات” أكّد رئيس اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، أن الحكومة الجزائرية ملزمة بتقديم طلب رسمي إلى السلطات الفرنسية لتعويض كافة الأموال والثروات التي استنزفتها في الجزائر طيلة قرن و30 سنة من الاستعمار، مشيرا إلى أن فرنسا ليست مطالبة فقط بالاعتذار عن جرائمها وتعويض ضحاياها، وإنما أيضا إرجاع كافة الأموال التي تحصلت عليها من الجزائر خلال فترة تواجدها بالمنطقة. وقال ذات المسؤول، في اتصال ب”الفجر”، إن الجزائر كانت تدين لفرنسا قبل الاستعمار وتحديدا قبل حادثة المروحة سنة 1830 ب 20 مليون فرنك فرنسي، إضافة إلى أنها استغلت ثروات الجزائر وممتلكاتها طيلة 130 سنة من الاستعمار، ناهيك عن العشر سنوات الأخرى التي استغلت فيها المحروقات الجزائرية والثروات الطبيعية، الأمر الذي يجعلها اليوم ملزمة بتقديم اعتذار رسمي عن ذلك ودفع تعويضات مالية عن الحقبة الاستعمارية.واعتبر رئيس اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان أن الحكومة مطالبة بتقديم ملف مفصل يتضمن كافة التجاوزات المرتكبة من قبل الاستعمار في الجزائر، وكل الأموال المستنزفة في هذا الإطار، وإلزام الطرف الفرنسي ونحن نحتفل بخمسين سنة من الاستقلال بتعويض الجزائريين بالمبالغ المالية اللازمة، لاسيما أن الجزائر ليست البلد الوحيد الذي يطالب بتقديم تعويضات مالية، وإنما هي واحدة من بين عشرات الشعوب التي تعرضت لاضطهاد دام عدة سنوات، بل ووصل أزيد من قرن من الزمن، الأمر الذي يجعل الطرف المستعمر ملزما بتقديم تعويضات مالية كأدنى حد. وشدّد فاروق قسنطيني أن الطرف الفرنسي ملزم بتقديم تعويضات مالية بالنسبة للديون التي كانت فرنسا مطالبة بدفعها سابقا، والتي تعادل 20 مليون فرنك فرنسي، وذلك بقيمة الديون حاليا وليس بقيمتها سنة 1830، مشيرا إلى أن المبلغ تضاعفت قيمته حاليا بما يعادل مئات المرات بعد مرور ما يعادل 190 سنة.واعتبر ذات المسؤول أنه وفقا لما تنص عليه القوانين الدولية، فإن ديون الشعوب القديمة تمحى بالتقادم، أي بعد مرور أزيد من قرن من الزمن، وبمجرد تعرض ذلك الشعب إلى الاستعمار، فإن الديون المسجلة على هذا البلد تمحى بإطار تلقائي، إلا أن ذلك لا يمنع الدول المعنية بإعادة فتح الملف للمطالبة بدفع الأموال المستحقة عليها، على غرار ما هي عليه الأوضاع بين الجزائروفرنسا. إيمان كيموش 50 سنة من الاستقلال لم تحررنا اقتصاديا من فرنسا 2.7 مليار دولار تصب في خزينة الإليزيه سنويا من الجزائر أكد خبير الشؤون الاقتصادية، بشير مصيطفى، أن فرنسا هي المستفيد الأول في علاقتها مع الجزائر من الناحية الاقتصادية، واعتبر تبعا لذلك المنفعة المعاملات بين البلدين غير متكافئة، بالنظر إلى أن توزيع الفائدة بينهما على الصعيد الاقتصادي، ما يفرض على السلطات الجزائر التوجه إلى تنويع علاقتها بحتا عن فرص أفضل للشراكة. وأوضح مصيطفى، في حديث مع “الفجر”، أن فرنسا، بعد مرور 50 سنة من استقلال الجزائر لاتزال تستفيد من ماضيها الاستعماري من الناحية الاقتصادية للظفر بأكبر حصة ممكنة من المشاريع والاستثمارات في الجزائر، بفعل العامل التاريخي واللغوي، بالإضافة إلى التقسيم الدولي لهيمنة القوى الاقتصادية. وأشار إلى أنه من بين 272 مشروع للدول الاتحاد الأوروبي في الجزائر بقيمة إجمالية تصل إلى 15 مليار دولار، تقدر حصة فرنسا منها 121 مشروع. وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مقارنة حجم الصادرات والواردات بين الجزائروفرنسا تؤكد أيضا عدم توازن العلاقات من الناحية التجارية، إذ تؤكد المعطيات الاقتصادية للعشرية الماضية يضيف بأن الواردات الجزائرية من فرنسا ارتفعت بأكثر من الضعف مسجلة نسبة بلغت 238 بالمائة، في حين زادت نسبة الصادرات ب100 بالمائة، على أنها تتشكل أساسا من المواد الأولوية والطاقوية، ما يدل على أن الميزان التجاري لصالح فرنسا. ونوه المتحدث إلى أن نسبة الاستثمارات الفرنسية في الجزائر مرشحة للاتفاع خلال السنوات القليلة المقبلة، بالأخذ بعين الاعتبار صعود الاشتراكيين إلى السلطة من خلال جلوس فرونسوا هولاند على عرش الإليزيه، مذكرا بعديد من المشاريع التي جمدت أو عرف مسار المفاوضات من أجل تجسيدها مماطلات كثيرة أدت إلى تعطيلها أو تأجيل الانطلاق في انجازها. وقال إن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تسيطر عليه الشركات الفرنسية يقدر ب 2،7 مليار دولار، تسيطر المشاريع المنجزة في قطاع البتروكمياء والمحروقات على ملياري دولار منها، نظرا لكونه مجال مربح خال من المخاطر الاقتصادية، في حين توزع بقية المشاريع الاستثمارية الفرنسية على مجالات ذات مستوى مخاطر متدني أيضا كما هو الشأن بالنسبة لنشاطات التامين، المياه والخدمات المصرفية والبنوك. وخلال تطرقه إلى القطاع الصناعي، أشار بشير مصيطفى إلى مشروع المصنع الفرنسي “رونو” الذي قال إنه يعرف مؤخرا تقدما في مجال المفاوضات، ليضيف أن إنجاز المشروع في الجزائر من شأنه خلق العديد من فرص الاستثمار المكملة له، إذ يفترض إيجاد حركية اقتصادية وفضاء لشركات المناولة في مختلف المجالات، سواء تلك المتعلقة مباشرة بالصناعة الميكانيكية كالزجاج وقطع الغيار، أوالمجالات المرتبطة بخدمات ما بعد البيع.