نعم، دشنا الديكتاتورية بعد وفاة الرسول (2) (...) إن الإسلام في جانبه التوحيدي يُعبر عنه ب”لا إله إلا الله”وفي جانب الإيمان به أو عدم الإيمان يُعبر عنه ب”لا إكراه في الدين” وأيما حاكم أكره الناس على الدخول في طاعته بالإكراه مهما كان وزنه ومهما كان قربه من الرسول إنما جعل من شخصه الضعيف الذي لا حول له ولا طول شخصا أعظم وأكرم من الرسول ومن الله لأن الرسول لم يقتل معارضيه ولأن الله عز وجل ترك إبليس وهو الذي يمثل المعارضة في الشر.. تركه يصول ويجول في بني آدم مذ امتنع من السجود لآدم إلى يوم يُبعثون. اسأل التاريخ يا تاريخ هل أبحنا المعارضة للمعارض بعد وفاة الرسول أم أكرهنا الناس على المبايعة بحد السيف؟ بل ذهب البعض إلى التهديد بحرق بيوت من لم يبايعوا، وتغنى بهذه الفعلة في شعره بكل افتخار الشاعر الكبير حافظ إبراهيم، إذ أُشرب منذ صغره أنها مرحلة ذهبية تتطلب الأحادية”الديكتاتورية” حتى لا يشتري الناس ما سواها من معادن السوء، وكفى بالأمة ضلالا وانحلالا عندما يبارك شعراؤها وفقهاؤها ومثقفوها الديكتاتوريات، وعندما أبى البيعة زعيم الأنصار سعد بن عبادة وطأته الأقدام وصاح صائح محذرا من مصيبة أعظم وهي مصيبة قتله قائلا: قتلتموه، رد عليه مهندس ذلك الاختيار بقوله: قاتله الله. يقول التاريخ حين يروي قصة وفاة سعد بن عبادة أنه بال في جحر يسكنه جن فتأذى الجن ببوله فقتلته الجن بسهمين وجدوهما مغروزين في جسده، وسُمع أحد الجن يقول: إنا قتلنا زعيم الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده أليس هذا ضحكا على عقول الناس؟ الجن تقتل المعارضين بالسهام على الرغم من أن فضيحة الاغتيال السياسي بادية للعيان وصاحب الفعلة لا نحتاج لكي نتحقق من فعلته إلى تحقيق كبير فيداه أوكتا وفوه نطق ونفخ كما يقال؟؟ وهذا أبو بكر بن العربي حين ينبري للدفاع عن الخليفة الثالث في كتابه العواصم من القواصم، يقع في ورطة الطعن في الخليفة الثاني دون أن يشعر لأن العقل العربي في غياب حرية التفكير والتعبير أصبح مجرد وعاء يجمع بين المتناقضات حتى عند من يُسمون لدى العامة بأكابر العلماء، فتجد في صحيح من الصحاح والأمثلة من هذا النوع كثيرة باب النهي عن لعن الدواب في رواية تقول أن رسول الله سمع أحد الصحابة يلعن ناقته وأشار على الرسول بركوبها فقال له الرسول لا أركب دابة ملعونة، ثم لا نلبث بعد هذه الرواية أن نجد رواية أخرى عن عائشة أم المؤمنين تقول: دخل رجلان على رسول الله فحدثاه فأغضباه فلعنهما وسبهما؟ وتذهل عائشة أمام اللعن والسباب النبويين ”تعالى النبي عن ذلك علوا كبيرا” فتقول له إنه لم يبق أي خير لهذين الرجلين بعد سبك ولعنك إياهما؟ فيجيبها الرسول: أما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت اللهم إنما أنا بشر ككل البشر فأيما مسلم لعنته أو سببته فاجعل له ذلك زكاة ورحمة، فقولوا لي بربكم أي عقل يقبل بالجمع بين هذه المناقضات؟ المبعوث رحمة للعالمين والذي وصفه القرآن بقوله ”وإنك على خلق عظيم” ينهى عن لعن الدواب ويلعن ويسب الأصحاب؟ يقول بن العربي ما فحواه دفاعا عن الخليفة الثالث وإن نقموا منه على حبسه أبي ذر فقد حبس الخليفة الثاني عبد الله بن مسعود في نفر من الصحابة سنة كاملة حتى استشهد وذلك لإكثارهم من رواية الحديث عن الرسول، وهكذا يثبت ابن العربي للمسلم ولغير المسلم أن حرية التعبير حتى في رواية الحديث عن الرسول كانت ممنوعة فضلا عن نسف قاعدة عدالة الصحابي التي جاؤوا بها بعد قرنين من منع الأحاديث من الأساس، كما يثبت أنه بعد وفاة الرسول مباشرة مُنعت رواية الحديث عن الرسول بل أُحرق الخليفة الثاني بيده 500 حديث مروية على لسان الصحابة كما جاء في كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي، وحجة الخليفة أن هؤلاء الذين رووا تلك الأحاديث هم من أوثق الناس عنده، ولكنه خشي كما جاء في كتاب تذكرة الحفاظ أن يكون أولئك الثقات قد رووا على غير مراد ما أراد رسول الله؟ وإذا كان ذلك كذلك كيف تصح الرواية عن من جاء بعدهم بعشرات السنين وتحوز ابنته حصة الأسد في رواية الحديث؟ خلاصة ما أقوله للقارئ الكريم بناء على هذه الأدلة أن الأوربيين في القرون الوسطى حكمهم حكام في مرتبة آلهة لا يجوز نقدها فتأخروا عن الركب الحضاري عدة قرون وما تقدموا إلا بحمل معول النقد وإنزال أولئك الحكام إلى مرتبة البشر العاديين، ونحن على العكس من ذلك حكمنا حكام في مرتبة البشر العاديين فحولهم التقديس إلى مرتبة الآلهة التي لا تُسأل عما تفعل وهم يُسألون ولن يتقدم المسلمون إلا بالنقد والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها أولئك الحكام ومن دار في فلكهم من الأقزام والأعلام بأنها أخطاء ليست من هدي الإسلام ولا من هدي المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام. بقلم: الصادق سلايمية