تواصل بعض المجلات الفرنسية اهتمامها بتطور الأوضاع السياسية والاجتماعية في المغرب الشقيق، وهذه مجلة "لوبسيرفاتور" تحاول من جديد الإلمام بجميع جوانب الأزمة الحكومية التي تجتازها الحياة السياسية منذ بضعة أشهر. منذ أسابيع تعيش الأوساط السياسية والاقتصادية في باريس ومثلها في الرباط تعيش في ترقب سقوط حكومة السيد عبد الله ابراهيم، كما تعلم هذه الأوساط أن الحكومة التي ستعوضها قد تألفت بعد وأنها لن تكون برئاسة سي البكاي كماأشيع في شهر ديسمبر الماضي وإنما برئاسة السيد باحنيني الذي يشغل حاليا منصب الكاتب العام للحكومة ووزيرها للعدل، وتضم الحكومة الجديدة عددا من الموظفين لم يدخلوا حزب الاستقلال إلا بعد انشقاقه وهم مرتبطون في أغلبهم بروابط شخصية مع الأمير مولاي الحسن وبهذا يتأكد التحالف الوثيق بين القصر والاستقلال القديم، وفي هذه الحكومة يحتل وزارة الخارجية السيد بوستة ووزارة المال السيد طاهري ووزارة الأشغال العامة السيد الدويري ووزارة الفلاحة السيد قادري، أما وزارة الداخلية فإنها ستسند إلى السيد الغزاوي مدير الأمن الحالي، والجدير بالملاحظة أن هذه الحكومة الموالية للقصر ستتولى "المحافظة على النظام" إلى أن تجري الانتخابات البلدية التي تقررت في شهر ماي القادم، وليس من شك أن الحكومة ستكلف من ناحية أخرى بالسهر على هذه الانتخابات حتى تكون ملائمة لرغائب القصر الملكي. كل هذا يستدعي زوال السيد عبد الله ابراهيم ولهذا الغرض فإن الحملة التي أخذت تتسع رقعتها ضد الحكومة الحالية منذ صيف 1959 وضد اليساريين المغاربة تعززت منذ أسبوعين في ميدانين إثنين. قضية بني ملال فهناك العمليات البوليسية الموجهة ضد "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" الذي يتزعمه السيد المهدي بن بركة وبعض القادة السابقين لحزب الشوى والاستقلال والمقاومة وجيش التحرير وذلك بتهمة المشاركة في "المؤامرة" المزعومة ضد الأمير مولاي الحسن. وإذا كان التحقيق القضائي ما يزال متعطلا لحد الآن، فإن عواقبه السياسية كانت عظيمة جدا، فقد توجهت العمليات البوليسية إلى عدد من القادة السابقين لجيش التحرير الذين عينوا إثر الاستقلال في مناصب القياد، وفي ظروف ما تزال مجهولة أمر "القايد الكبير" بشير بن التهامي باغتيال كوميسار الشرطة الذي كان يستعد لاعتقاله وبعد ذلك التجأ القايد مع ثلة من الحرس إلى جبال الأطلس. وفي الوقت الذي كان فيه الجيش والشرطة يلاحقان القياد وجنود جيش التحرير في الجبال الأطلسية كانت هناك عملية سياسية تجري في المدن ضد العمال المنضويين تحت لواء "الاتحاد المغربي للشغل" لأن هذه الهيئة النقابية ظلت تؤلف دائما السند الرئيسي لحكومة السيد عبد الله ابراهيم. ومن أجل ذلك اعتنى أصدقاء سي علال الفاسي منذ أشهر عديدة بتشكيل نقابات مستقلة مناهضة للاتحاد المغربي للشغل، فانتهزوا فرصة الذكرى الخامسة لتأسيس "الاتحاد المغربي للشغل" للإعلان عن تأسيس منظمة نقابية جديدة وهي "الاتحاد العام للعمال المغاربة" ولكن من الضروري أن نلاحظة أن أغلب أعضاء الهيئة الإدارية للمنظمة النقابية الجديدة ينتمون إلى النزعة السياسية التابعة للسيد علال الفاسي أي أنهم هم نفس الأشخاص الذين ذكرت أسماؤهم في التشكيلة الحكومية الجديدة، وقد ردت قيادة "الاتحاد المغربية للشغل" على تأسيس المنظمة الجديدة بتنظيم إضراب واسع في الرباط والدار البيضاء، وعلى إثر ذلك أوقفت الشرطة حوالي 60 مسؤولا محليا للاتحاد المغربي للشغل. الحكومة الأخرى إن اعتقال أنصار الحكومة التي يترأسها السيد عبد الله ابراهيم يبرز واقعا لا سبيل إلى نكرانه وهو وجود سلطتين متنافستين تحكمان المغرب، ويتضح ذلك من أن مقررات هامة كوقف قادة المقاومة الذين اتهموا بالتآمر على حياة الأمير الحسن أو اغتيال الزعماء النقابيين، مقررات كهذه اتخذت دون أن يخبر بها رئيس الحكومة مجرد الإخبار، وقد اتضحت نية وضع رئيس الحكومة بمعزل من شؤون البلاد بمناسبة الكارثة التي لحقت بمدينة أغادير فقد استقل الأمير الحسن بجميع المسؤوليات لتنظيم عمليات الإسعاف كما لو لم تكن هناك حكومة وخاصة رئيس حكومة، وإننا نجد اليوم من ناحية السيد عبد الله ابراهيم الذي يسانده نائبه ووزير الاقتصاد السيد عبد الرحيم بوعبيد ومن ناحية ثانية حكومة الأمير الحسن التي تشرف عمليا على الجيش والبوليس، وقد تسببت هذه الوضعية الغريبة في اصطدام بين "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" وبين القصر ذلك أن لسان هذه المنظمة وهي جريدة "التحرير" نشرت فصولا للتنديد بالمسؤولين عن الشرطة الذين يعملون خارج وحتى ضد توجيهات الحكومة. ولكن من الهام جدا أن نسجل لأول مرة ردود الفعل العنيفة التي أحدثتها التهجمات على النقابيين والمقاومين، ذلك أن قضية قائد بني ملال ليست مجرد اغتيال لا علاقة له بالحوادث السياسية فقد فر إلى الجبل حيث التحق به عدة مئات من الرجال الذي يواجهون اليوم قوات الجيش الملكي، وهذا يدل على أن حركة تجتاح الجبال المغربية وهي حركة لا يمكن مقارنتها "بالسيبة". ولكنه من الصعب معرفة الحقيقة عن عمق هذه الحركة وعلى كل حال فإنه يظهر أن سكان الجبال تغمرهم في الوقت الحاضر موجة عميقة لا تقل حيوية عن استنكار الطبقة في المدن للمناورات السياسية، وقد كان الإضراب العام الذي أمر به "الاتحاد المغربي للشغل" أبرز ظاهرة لقوة الشغالين اندهش لها كثير من الملاحظين ولا يمكن للقصر أن يزدريها، ففي الرباط والدار البيضاء، توقفت حافلات النقل والجرائد وأغلقت جميع المخابز والمقاهي والبنوك. وأهم ما يلاحظه المرء هو أن السيد عبد الله ابراهيم ليس له أدنى نية في تقديم استقالته بل إنه على استعداد للاستناد على الجماهير العمالية وقد اتضح ذلك من البرقية التي وجهها إلى الاتحاد المغربي للشغل لتأييد إضرابها الأخير. وهناك أخيرا ظاهرة أخرى من الممكن أن تبرز أهميتها في بحر الأسابيع القادمة، وهذه الظاهرة تتعلق بتطور السيد محجوب احردان العامل السابق لمدينة الرباط وزعيم "الحركة الشعبية" التي كان القصر يتوقع منها أن تجلب إليها سكان البادية لمعاسكة الأحزاب الحضرية، ولكن منذ أسبوعين راجت أخبار حولت حدوث تقارب بين احردان والاتحاد الوطني للقوى الشعبية ومما يؤكد هذا التطور أن السيد احردان وجه هو كذلك برقية تأييد إلى المضربين، وإذا استمر هذا التطور فإنه سيكون من شأنه أن يحدث تغييرا كبيرا في العناصر السياسية والاجتماعية المتقابلة ويقطع على العناصر المناوئة لعبد الله ابراهيم أملها في الاستناد على الطبقات الشعبية الريفية.