تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية بقلم محررها الاختصاصي في الشؤون المغربية مقالا حول تطورات الوضع الحكومي والأزمة المستمرة بين حكومة السيد عبد الله إبراهيم والأمير مولاي الحسن، كما أبرز الكاتب دور الحكم الذي يرجع إلى جلالة محمد الخامس لفض هذا النزاع. إن الجو السياسي بالمغرب بلغ من الثقل ما جعل كارثة أغادير نفسها لا تتوصل إلى إحلال هدنة بين الأطراف المتخاصمة ولو لبضع أسابيع فقط، فقد كنا نظن أن انصراف الشعب إلى مواساة الكارثة سيخفف من حدة التطاحن السافر الذي ظل قائما منذ عدة أشهر بين حكومة السيد عبد الله إبراهيم التي يساندها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبين الأمير مولاي الحسن الذي يسانده حزب الاستقلال، ولكن هذه الهدنة لم تحصل، والأغرب من ذلك أن الزلزال نفسه كان فرصة لتغذية الخلافات الحادة بعد أن بقيت مدة طويلة في الغموض بحيث لا تبدو إلا في شكل مشاحنات ونزاعات بين الفرق والشخصيات، أخذت الأزمة تظهر في معالمها الحقيقية وفي حدودها الواضحة، وعلى هذا الأساس يمكن تحليلها إلى العناصر التالية: هل ينجح ولي العهد وأصدقاؤه في إسقاط الحكومة الحالية إما عن طريق إقناع الملك بالتخلي عن السيد عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وإما بدفع هذين المسؤولين إلى التضامن الصريح مع شخصيات سياسية يجري الآن تتبعها من طرف العدالة وإما بطريقة ثالثة وهي دفع بعض الوزارء إلى الخروج من الحكومة؟ ولكن الجدير بالملاحظة أن الأزمة لا تقوم سوى على المشاحنات الفردية والمطامح الشخصية، بل إن النزاع تتقابل فيه من ناحية عناصر تدعي أنها عناصر تقديمية بتركيز دعايتها على المشاكل الاجتماعية والتصميم الاقتصادي ويتزعم هذه العناصر التقدمية رئيس الحكومة والسيد محجوب بن الصديق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، ومن ناحية أخرى عناصر يتزعمها ولي العهد ترفض أن تنعت بالرجعية إلا أنها لا تتردد في إعلان تمسكها بالدين والأمة والعرش والتوازن الاجتماعي. يظهر أن الضغط المسلط على الحكومة بلغ حده الأقصى بحيث لم يعد بالإمكان تجنب القطيعة بين القوى المتقابلة. وإن أكثر ما سمم الحالة هو إلقاء القبض على عدة زعماء ينتمون إما لاتحاد القوات الشعبية وإما إلى (جيش التحرير) فأما الصنف الأول فإنه يؤاخذ على نشره مقالات ينتقد فيها مسؤولية الحكومة أمام الملك وحده. والصنف الثاني متهم بتدبير مؤامرة ضد الأمير مولاي الحسن ولكن يظهر أن هذه المؤامرة ليست سوى حلقة من (المؤامرة الدائمة) التي تتمثل بالنسبة لدولة عصرية في وجود جيش لا يخضع لأوامر رئيس الدولة ويعتمد أسلحة أتوماتيكية مستقلة عن تسليح الجيش الملكي. وأما التتبعات العدلية التي اتخذت ضد السيدين البصري واليوسفي فإنها ما تزال مستمرة، وإذا كان الثاني قد أسعف بالسراح المؤقت وتمكن من الانتقال إلى سويسرا للمعالجة فإن الأول قد تفاقمت التهم الموجهة إليه وأصبح مهددا بتهمة المشاركة في المؤامرة لاغتيال الأمير. وأما قادة جيش التحرير الذين اعتقلوا ما بين 14 و26 فيفري فإنهم نقلوا أخيرا أمام قاضي التحقيق وقد اشتكى بعضهم من التعذيب للاعتراف بالتآمر على أمن الدولة وحمل الأسلحة. إن هذه التدابير الجريئة إذا اعتبرنا مكانة المعتقلين وسمعتهم في الأوساط الشعبية - ما كانت لتؤثر على الحياة السياسية في المغرب لو لم يكن المتهمون أصدقاء سياسيين للسيدين عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد اللذين يعسر عليهما جدا البقاء على رأس الحكومة بينما لا تخضع لنفوذها أدوات الدولة كالجيش والشرطة. ولكن هناك من يقول بأنهما يفضلان البقاء في الحكم ولو كان منقوصا على تسليم المكان إلى أعدائهم السياسيين. ومن الواضح أن وضعية الحكومة الحالية حرجة للغاية وأنها لا تسمح حتى بإنجاز أعمال مرضية في الحقلين الاقتصادي والدبلوماسي مثلا. ولكن هل يرضى جلالة محمد الخامس بإقصاء السيدين إبراهيم وبوعبيد عن الحكم وتولي مسؤوليات النفوذ بصفة مباشرة لا عن طريق حكومة يكون ابنه هو روحها؟ هذا هو في الواقع جوهر المشكل نظرا إلى أن الملك تمسك لحد الآن بدور الحكم واحتفظ لنفسه بسمعة الرجل النزيه الذي يقف فوق الجميع ولا ينحاز إلى فريق دون فريق. وإنه لا يمكن لأحد تقدير النشاط السياسي الذي يقوم به الملك إذا لم يعلم أن هذا النشاط تنعكس فيه طبيعته وتظهر عليه المبادئ القارة التي يؤمن بها جلالته، وأول مبدأ هو حرصه على عدم الاشتراك في أية عملية من شأنها أن تعود بالمضرة على العرش والمبدأ الثاني هو المحافظة على صداقة أعدائه الطبيعيين، أي الثوريين السياسيين والاجتماعيين، حتى ولو لزم الأمر بالاشتراك معهم في الحكم. وهذا المبدأ هو الذي دفع الملك إلى منح ثقته للسيد عبد الله إبراهيم وتكليفه بتشكيل الحكومة في أواخر 1958 بالرغم من أنه أقرب الزعماء إلى الجماهير العمالية. هذا ومن طبيعة الدور الذي يقوم به الملك أن يبقى على الحياد وأن يسعى إلى تلافي الاصطدامات والقطيعة. ولكننا مع ذلك مازلنا نتساءل هل أن الملك سيقتنع في النهاية بالتخلص من الحكومة الحالية واستخدام نفوذه الخاص ضد أعضائها الذين بالرغم من ادعائهم الوفاء له - لا يخفون عزمهم على الحد من نفوذه وتحويل الملكية الحالية إلى ملكية دستورية؟ إننا نعلم أنه رفض رفضا باتا في شهر سبتمبر الماضي أن يعزل الحكومة الحالية، ولكنه في الشهر الماضي يظهر أن رأيه استقر على اتباع سياسة صارمة فأعطى الإذن باعتقال بعض القادة من جيش التحرير وقد ترتب عن تلك الإجراءات استقالة الفقيه مولاي العربي العلوي أبرز العلماء المغاربة، ومما لا شك فيه أن هذه الاستقالة كان لها أثر بعيد في نفسية الملك وأنه اعتبرها بمثابة تحذير له. ولكن هناك عاملين جديدين من شأنهما تغيير وجهة نظر الملك وتحويل موقفه. أما العامل الأول هو هذه المؤامرة التي اكتشفت في الوقت المناسب ضد ابنه الذي اندفع من أجله إلى الأمر باتخاذ إجراءات بوليسية ضد أشخاص كان يحميهم في السابق. وأما العامل الثاني الذي لم ينتبه له أغلب الملاحظين فهو التأثير الذي عاد به الملك من جولته في ربوع الشرق الأوسط. لقد شاهد محمد الخامس كيف أن بلاده أغنى وأقوى من الأقطار العربية التي زارها ولكنه شاهد إلى جانب ذلك كيف أن قادة هذه الأقطار يتحكمون فيها من غير أي تضييق على نفوذهم. ومن غريب الصدف أن أشد ما تأثر به الملك هو وضعية الملك حسين الذي ذكره بابنه، ولهذا فإنه يمكن القول إن سياسة الملك الجديدة دخلت عليها تأثيرات الحكم المباشر الذي لمسه في المشرق العربي. وهكذا فإنه تبين لنا أن كل شروط الأزمة الوزارية قد توفر وأن حكومة السيد عبد الله إبراهيم أصبحت كالشخص الذي تأجل إعدامه، ومع ذلك فإنه من واجبنا أن لا ننسى أن الملك لا يميل كثيرا إلى الأزمات والتغييرات السياسية وتبعا لذلك فإنه من الممكن أن تتحول الأزمة الداخلية إلى فتح خصومة جبهة خارجية حول القواعد الأجنبية، وإذا قلنا القواعد الأجنبية فإننا نعني القوات الفرنسية التي يبلغ عددها 12 ألف جندي والتي اتجهت إليها أنظار المسؤولين بعد أن تم الاتفاق مع واشنطن على الجلاء عن القواعد الجوية الأمريكية، وأما القوات الإسبانية المرابطة في شمال البلاد فإنه لا حديث عنها. ولهذا فإنه من المتوقع أن تتأزم العلاقات الفرنسية المغربية من جديد وخاصة إذا أجريت تجربة ثانية للقنبلة الذرية برڤان. هذا بالإضافة إلى استمرار الحرب الجزائرية التي فقد الأمل في حلها قريبا. ومهما كانت الأسباب لتحويل الأنظار إلى مشاكل الخارج فإن أزمة حكومية لابد أن تقع في الرباط وسيكون لها هذه المرة مغزى آخر باعتبار التغييرات التي حصلت في البلاد منذ سنتين.