بالرغم من اعتقاد الكثيرين أن المشي أثناء النوم وارتكاب بعض التصرفات الخطيرة ما هو إلا نوع من الأساطير الخرافية التي تصورها أفلام الخيال العلمي وبعض الرسوم المتحركة، إلا أن الطب الحديث يؤكد أنها ظاهرة عادية كثيرا ما تتكرر لدى العديد من الناس لاسيما الأطفال، باعتبارها من أكثر اضطرابات النوم التي تحدث لدى الأفراد. خلال شرحه لظاهرة المشي أثناء النوم يقول أخصائي الأمراض العصبية محديد خالد " أن الفرد خلال نومه يكون في حالة من اللاوعي تدفعه للقيام ببعض الأعمال دون إدراك، فتجده ينهض من الفراش ويتجه إلى غرف أخرى من البيت، ومن الخصائص الفيزيولوجية التي ترتبط بحالة المشي أثناء النوم هو أن الفرد يكون في حالة من الغيبوبة ولا يدرك ما يقال له في كثير من الأحيان، وقد يصعب إقناعه بالعودة إلى فراشه، كما أنه لا يمكنه التحكم في مختلف الحركات التي يؤديها"، وعن ما إذا كان الفرد يرى ما حوله في هذه الحالة، فقد أكد الدكتور محديد "أنه من الممكن أن يفتح عينيه غير أنه في الحقيقة لا يرى بوضوح الأشياء الموجودة من حوله". كما كشف الدكتور خالد خلال حديثه أن المشي خلال النوم من بين أشهر الاضطرابات التي يمكن أن تحدث للفرد خلال نومه ولكنها من العادات النادرة التي يمكن أن تحدث مرة واحدة في حياة الفرد وقد تتكرر باستمرار لدى العديد منهم. حوادث بالغة الخطورة تنتج عنها "حمار الليل" هي التسمية التي يشاع استخدامها في الوسط الشعبي لظاهرة المشي الليلي دون إدراك، والتي لطالما شكلت مصدر قلقل للعديد من الأولياء الذين يفاجؤون بتصرفات أبنائهم الخطيرة، وفي ذات السياق تقول صبرينة التي تعاني من تنقل ابنتها ليلا في أرجاء البيت:" أظل طوال الليل مستيقظة تحسبا لأي تصرف طائش يمكن أن تقوم به ابنتي التي سبق لها أن أوشكت على السقوط من الشرفة وهي نائمة"، ومن جهته يقول مصطفى أن ابنه الذي لم يتجاوز سنه العاشرة يقوم ليلا مباشرة للمطبخ بما أنه مقابل لغرفته، ويقوم بتناول أي شيء يجده أمامه، مضيفا أنه في أحد المرات قام بشرب ماء الجافيل ونقل على إثرها للمستشفى. ومن الحوادث الطريفة التي حدثت لبعضهم تلك التي روتها نسرين والتي يقوم ابنها في كل مرة يستيقظ فيها ليلا بفتح باب الخزانة باعتباره باب للمرحاض ويقضي حاجته فوق الملابس، أما سعاد فتقوم بضرب أختيها اللاتي تنامان معها في نفس الغرفة ضربا مبرحا، حتى ظنتا أنها تتعمد فعل ذلك متحججة ب"حمار الليل". الأطفال والمسنون أكثر المعرضين لها كما أكد الدكتور محديد خالد أن الأطفال هم من أهم الفئات إصابة بهذا النوع من الاضطرابات التي تحدث بصورة نادرة جدا وتختفي بعدها إلى الأبد، ولكن يمكن أن تحدث مرة أخرى في مراحل عمرية أخرى، كما تزداد هذه الحالة عند كبار السن، وقد يكون هذا دليلا على بداية خلل في عمل خلايا الدماغ وعن المدة التي تستغرقها تلك الحالة عند الأفراد الذين يتعرضون لها، فيقول أنها قد لا تتجاوز بعض الدقائق، كما أن كل الأحداث التي تكون في تلك المدة التي يقضيها الفرد في المشي وهو نائم فلا يمكنه أن يتذكر شيئا منها. لا وجود لأسباب مباشرة وفي حديثنا عن الأسباب التي تؤدي إلى هذا النوع من اضطرابات النوم، فيؤكد الدكتور محديد خالد أنه لم يتم تحديد بعد الأسباب التي تجعل الفرد يقوم ويمشي وهو نائم، إلا أن الدراسات التي كانت في هذا المجال، فتؤكد أن الظاهرة راجعة بالدرجة الأولى إلى اضطرابات في عمل الدماغ ناتجة أساسا عن الضغط النفسي الذي يعاني منه الفرد، حيث يكون الأفراد الذين يشتكون من توتر وقلق نفسي أو حتى إرهاق شديد هم أكثر الذين يزيد احتمال أن يشتكوا من اضطرابات النوم بما فيها المشي خلاله، كما يزداد هذا العرض عند الأفراد الذين لا يحصلون على قسط كاف من النوم. وعلى الأهل التعامل مع الأمر برشد.. قد يتساءل البعض عن التصرف السليم الذي يسلكه في هذه الحال وإن كان من الضروري إيقاظ الفرد أو تركه نائما. وفي هذا السياق يجيب الدكتور خال قائلا: "إن إيقاظ الفرد الذي يمشي أثناء النوم لا يشكل خطرا على حياته، بل على العكس، تركه يمشي لوحده هو الخطر بحد ذاته، لذا يجب أن نوقظه بهدوء حتى لا يؤذي نفسه، لأنه لا يمكن معرفة ردة فعله، كما نحاول توجيهه بهدوء إلى فراشه" وبخصوص العلاج، فيذكر المتحدث أنه لا يوجد علاج محدد لمثل هذه الحالات، ولكن لابد من محاولة تجنيبه أي إصابات خلال مشيه من خلال إبعاد الأشياء المضرة عن طريقه مع ضرورة أن يعمل الفرد على تجنب تلك الأعراض من خلال الابتعاد عن الأسباب سابقة الذكر مع ضرورة أخذ قسط كاف من النوم وبشكل منتظم، وخلال عملية التشخيص يجب التأكد من أن الفرد لا يعاني من أي اضطرابات عقلية، إضافة إلى عدم تعاطيه بعض الأدوية التي تجعل نومه مضطربا، وقد يستدعي الأمر زيارة طبيب نفسي أو طبيبا مختصا في الأعصاب من أجل الوقوف على الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة ومحاولة الحد منها.