في سبتمبر 1945، احتدم نقاش سياسي وفكري كبير في كل أرجاء إنجلترا، شاركت في هذا الجدال أغلب النخب الإنجليزيين سواء تلك التي كانت في سدة الحكم أو تلك التي كانت حرة كالمفكرين والمبدعين والاقتصاديين والمحللين السياسيين المنتمين لصحف إنجلترا الكبرى. دار هذا النقاش الكبير حول "قضية الهند". لقد كانت بلاد الهند بالنسبة للإمبراطورية الإنجليزية العظيمة أكبر مغنم وصلت إليه فسيطرت على قومياته المتعددة وأراضيه الشاسعة. كانت الهند تتجاوز "الحلم الأمريكي" والجوهرة الأسترالية" بشيء عظيم لم يصادفه الإنجليز لا في أراضي أمريكا الشمالية (كندا والولايات المتحدة حاليا) ولا في غابات أستراليا التي لا يحدها البصر. كانت الهند (ولا تزال) بالنسبة للمستعمرين الإنجليز أعظم حضارة إنسانية حية اصطدموا بها خلال احتلالهم الطويل والعريض لستين بالمائة من أراضي "الكوكب الأزرق". في تلك الفترة، أي سنة 1945، كان "المهاتما غاندي" قد وحد كلمة الهند بشيء لم يحدث في التاريخ البشري أبدا، أي أن تحارب عدوك حتى وإن كان أقوى إمبراطورية فوق الأرضي، مثل الإنجليز المدججين بالسلاح وأصحاب العلم الغزير، أن تحارب عدوا كهذا بأجمل وأعظم ما هو موجود في الحضارة الهندية، الزهد، الإيثار ورفض السلع الإنجليزية مهما كانت ضرورتها، فالهندي، حسب المهاتما غاندي، قادر على "العمل لتحقيق المستحيل" بعرقه وفي أراضيه دون الاعتماد على أي إعانة خارجية مهما كان نوعها ومهما ألحت ضرورتها". ما إن شارفت سنة 1945 على نهايتها حتى كانت الغالبية الساحقة لمفكري الإنجليز وسياسييهم وقد اتفقت على أن الهند خطر كبير على وجود الحضارة الإنجليزية نفسها"! حضارة الهند قد تستوعب حضارة الإنجليز فتلتهمها في النهاية، وبالتالي "يصبح الإنجليز تابعين لحضارة الهنود"! بالطبع، قررت الحكومة الإنجليزية سحب جيوشها من الهند، فاستقل هذا البلد العظيم في 15 أوت سنة 1947، غير أن المستعمرين الإنجليز انتقموا ولو "جزئيا" من الهند، كانوا قد وجدوا الضعف في المسلمين، فألبوهم بقيادة محمد علي جناح على أفكار المهاتما غاندي الوحدوية، وهكذا قام محمد علي جناح "بمهمته الإنجليزية" فأسس للمسلمين دولة اسمها "باكستان"، وإن رفض بعض الهنود المسلمين الخروج من بلاد الهند العظيمة، عدد هؤلاء المسلمين الذين يعيشون اليوم في الهند أكثر من مائة مليون نسمة.