ذات يوم من أيام أكتوبر العام 1984، التقيت أنا والكاتب الجزائري الكبير مرزاق بقطاش المرحوم الشيخ عبد الرحمن الجيلالي (1904 - 2011) أمام عمارة مكتبي بالمؤسسة الوطنية للكتاب (سابقا) في شارع العربي بن مهيدي بالجزائر العاصمة. كنت أنا والأستاذ مرزاق بقطاش نحمل في أيدينا ”تفسير القرآن الكريم لابن عربي”. كانت المؤسسة الوطنية للكتاب قد استوردت ثلاثة آلاف نسخة من ”تفسير الشيخ الأكبر العارف بالله”، وكانت لهفة القراء الجزائريين لا تقل عن شغف مرزاق بقطاش الذي ألّح حتى أحجز له نسخة بمخزن شركتنا الموجود في قصبة العاصمة. سلّمنا على الشيخ الفاضل عبد الرحمن الجيلالي، فكانت حرارة سلامه أقوى ضماتنا لصدره النحيف الهش، وسرعان ما سقطت عين الشيخ الجيلالي على الكتب التي نحملها، كان وهو في الثمانين يومها ثاقب البصر، شغوفا بالكتب كما عهدته دوما. قطّب جبينه، دون أن تفارق البسمة شفتين الرقيقتين وسألنا بلطف: ”من أين لكما هذه (يعني المجلدات)”؟ ضحك مرزاق بقطاش باحتشام وأجابه: ها هو المدير أمامك ، أنا بريئ كثدي أمي الذي رضعته (كان مرزاق بقطاش قد حدس، في لمح البصر، ما يخفيه الشيخ الجليل من وراء سؤاله!). ضحكت أنا الآخر وقلت للشيخ: عجبا أيفاجئني فقيها جليلا وجود ”تفسير القرآن الكريم” بين أيدي مرزاق وجيلالي؟. فارقت التقطيبة جبين الشيخ وتراجعت ابتسامته وهو يجيبني بجدية: - الأمر أخطر من المفاجأة، يا ولدي! بصراحة أنا خائف عليكما إن قرأتما هذا التفسير!. اندهشت من جواب الشيخ المرحوم، التفت إلى مرزاق بقطاش فإذا الدم قد أخلى وجهه!، بيد أنه سرعان ما استرجع جأشه وقال للشيخ الفقيه: - خوفك في غير محله يا شيخ الفقهاء، نحن نملك الحصانة الكافية التي تمكننا من بلوغ بر الأمان بعد قراءة أي متصوف أو فيلسوف، ثم إن الشيخ الأكبر العلامة ابن عربي هو، كما يقول الأمير عبد القادر ”شعاع أنار به الله الإسلام الحنيف”. للحظات ، لم ينبس الشيخ الجيلالي ببنت شف، ثم قال لنا فجأة وهو، يهز رأسه: - أتمنى أن يزداد إسلامكم قوة. ثم صعدنا، نحن الثلاثة إلى الطابق الثاني حيث كان يوجد مكتبي لنحلّ بعض الأمور الإدارية العالقة الخاصة بكتب الشيخ عبد الرحمن الجيلالي ومرزاق بقطاش. غير أن ”تحرّج” فقيه الجزائر الكبير من قراءتنا لتفسير القرآن الكريم لابن عربي بقي يحيرني ومازال يقلقني لحد الساعة. ذلك أنني أعتبر الشيخ الجيلالي قدوة في أخلاقه وثقافته، فكيف ”يخاف علينا من قراءة ابن عربي. ... يتبع