الجزائريون تحت الصدمة وأئمة المساجد يدعون بالرّحمة للرّاحل فقدت الجزائر علَما آخر من أبرز أعلامها وخسرت عالما جليلا سخّر حياته لخدمة الدين والدّعوة إلى سبيل اللّه القويم بالحكمة والموعظة الحسنة حين انتقل فضيلة الشيخ عبد الرحمن الجيلالي إلى جوار ربّه، الأمر الذي صدم الجزائريين الذين يعتبرونه أبا لهم وسيكون من الصّعب أن يخلفه داعية أو شيخ آخر، وقد بدا التأثّر على أئمة المساجد عبر القطر الوطني، والذين استغلّوا تجمّع المصلّين لأداء صلاة الجمعة للدعاء له بالرّحمة والمغفرة وحسن الثواب· رحل عن عالمنا ليلة الخميس إلى الجمعة العلاّمة الكبير عبد الرحمن الجيلالي بمستشفى عين طاية بالجزائر العاصمة عن عمر يناهز القرن وثلاث سنوات· وقد استيقظ الجزائريون صبيحة أمس، على وقع هذا الخبر الذي انتشر بسرعة كبيرة تعكس المكانة المرموقة التي كان يحظى بها العالم الرّاحل الذي اقترن اسمه وصوته بلجنة الأهِلّة، حتى بات سماع صوته يذكّر كثيرين بحلول شهر رمضان المعظّم· وقد اعتبر كثيرون وفاة الشيخ عبد الرحمن الجيلالي في الأيّام الأولى من شهر ذي الحجّة، وهي خير أيّام العام على الإطلاق، علامة على حسن خاتمة شيخ جليل نذر حياته لخدمة الدين الحنيف، حيث يشهد له من عرفوه بحرصه الدائم على التمكين للإسلام في ربوع الجزائر قاطبة· وقد عرف العلاّمة الرّاحل بتقديمه لحصص إذاعية وتلفزيونية حول الأحاديث الدينية والفتاوى· وتحصّل العلامة عبد الرحمن بن محمد الجيلالي الذي عمل أستاذا جامعيا ومدرّسا للفقه الجامعي المالكي على جائزة الجزائر الأدبية الكبرى سنة 1960 وعلى شهادة تقدير من رئيس الجمهورية سنة 1987· ولد الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، رحمة اللّه عليه، يوم التاسع من شهر فيفري من سنة 1908 بحي بولوغين في الجزائر العاصمة، حفظ القرآن عن عدّة شيوخ في المساجد والزّوايا منهم عبد الحميد بن سمايا وتتلمّذ على يد الشيخ المولود الزريبي الأزهري والشيخ الحفناوي حتى أصبح فقيها وعالما في الشريعة وعلوم الفقه واللّغة· وختم الجيلالي حفظ القرآن الكريم وعمره لا يتجاوز ال 14 سنة، كما كتب مقالا في ذلك السنّ تحت عنوان عبرة وذكرى نشره في جريدة الإقدام التي كان يشرف عليها الأمير خالد آنذاك · وكافح هذا العلاّمة الجليل طيلة حياته دون هوادة في سبيل تكريس العلم والمعرفة، لا سيّما في أصول الدين الإسلامي وتاريخ الجزائر، حيث اشتهر بخصاله الحميدة حتى ذاع صيته في كافّة أرجاء المغرب العربي· اجتهد عبد الرحمن الجيلالي لإثراء الفكر الإسلامي، وقام إضافة إلى ذلك بجمع تاريخ الجزائر شاملا وكاملا في كتابه الذي يحمل عنوان تاريخ الجزائر، وهو من خلال هذا الكتاب من العلماء القلائل الذين قدّموا للشعب عملا كاملا وشاملا حول تاريخه بتطرّقه إلى كلّ المراحل التاريخية التي عرفتها الجزائر خدمة للوحدة الوطنية· وألّف العديد من الكتب في أصول الدين والفقه الإسلامي، ومن كتبه: فنّ التصوير والرّسم عبر العصور الإسلامية، المستشرقون الفرنسيون والحضارة الإسلامية، فنون الطلاسم والربقع المجيب· ومن مؤلّفاته أيضا كتاب تاريخ المدن الثلاث: الجزائر، المدية، مليانة وكتاب خاصّ بذكرى العلاّمة الدكتور بن أبي شنب، وكتاب حول العملة الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر، وكتاب ابن خلدون في الجزائر· ونال الشيخ عبد الرحمن الجيلالي في أكتوبر 2003 شهادة الدكتوراة الفخرية التي أهداها له رئيس الجمهورية عن جامعة الجزائر، كما حظي بتكريم بمناسبة مئوية ميلاده في أكتوبر 2007 من طرف مؤسسة الأرشيف الوطني· وقد قام الشيخ الرّاحل بإلقاء دروس دعوية في العديد من المساجد بالعاصمة منها: الجامع الكبير والجديد وسيدي رمضان والسفير ( صفر)، وكذلك في مدرسة الإحساس ومدرسة الهداية· رحم اللّه الفقيد وأسكنه فسيح جنّاته وألهم أهله وذويه وعموم الجزائريين جميل الصبر والسّلوان· إنّا لله وإنّا إليه راجعون