تحولت عملية البحث عن مكان يأوي الأبناء إلى مهمة شبه مستحيلة، بعدما بالغت الكثير من الرياض في التجاوزات والإهمال وحتى المغالاة في الأسعار.. في ظل غياب قوانين موحدة تؤطرها. تشهد رياض الأطفال انتشارا واسعا بالموازاة مع ضرورة ولوج المرأة لسوق العمل لمساندة الزوج في تأمين الاحتياجات اليومية، وهو ما استدعى توفير رعاية للأطفال من سن الرضاعة إلى غاية سن السادسة، فبقيت مسألة إيجاد مكان يليق بالأطفال مشكلا يؤرق العديد من الأولياء. غير أن هذا المشكل تحول من أزمة نقص في عدد هذه الهياكل في السنوات الماضية، إلى مشكل تأطير وصقل قدرات الطفل في هذه المرحلة باعتباره صفحة بيضاء تحفظ ما يكتب عليها. وفي ظل غياب إحصائيات دقيقة عن رياض الأطفال في بلادنا وكيفيات إنشائها والأسس المعتمدة في حصولها على الاعتماد، تبقى هذه الهياكل تعمل خارج إطار القانون. الاشتراك لا يخضع لأي معايير وقد يصل إلى 20 ألف دج يعتبر الهدف الرئيسي عند الكثير من رياض الأطفال التي ينشئها القطاع الخاص، ليس تكوين النشء عبر توفير ظروف تنشئة حسنة من خلال الاعتماد على الأخصائيين الاجتماعيين والنفسانيين، ومؤطرين ذوي كفاءات عالية، بل هو جمع المال بأقل تكلفة ممكنة على حساب البراءة، حيث نجد في الكثير من هذه الرياض أن عدد الأطفال يفوق طاقة استيعابها وعدد المؤطرين لا يغطي عدد الأطفال. وما يشد الإنتباه أكثر هو حقوق الاشتراك في هذه الرياض، فهي تختلف من واحدة إلى أخرى، حيث لا تقل أدناها عن 5 آلاف دج وتصل إلى 20 ألف دج، فهي قليلا ما تتوافق مع إمكانيات المواطن البسيط، ولا حتى الطبقة المتوسطة، لتبقى بذلك في متناول فئة معينة فقط. وفي هذا السياق قامت ”الفجر” بجولة استطلاعية استهدفت بعض رياض الأطفال بالعاصمة، وذلك من أجل كشف العديد من التفاصيل التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة. بدايتنا كانت من إحدى الرياض بأول ماي، إذ دخلنا على أساس الاستعلام عن إمكانية الحصول على مكان لطفل في الثالثة من عمره، بغية جمع بعض المعلومات، والنتيجة كانت أن التسجيلات تتم في شهر سبتمبر، أين يتوجب دفع اشتراك الشهر الأول المقدر ب 8 آلاف دج، مع التأمين السنوي ب7 آلاف دج. وبسؤالنا عن الأسعار أكدت المسؤولة هناك أنها تختلف ليس حسب الخدمات أومستوى المعرفة التي يتلقاها الطفل أوحتى المؤطرين، وإنما حسب المنطقة السكنية أوالحي الذي توجد فيه الروضة. رياض تتقاضى أجرا عن فترة الصيف من جهة أخرى اشتكت إحدى السيدات من فرض الروضة عليها دفع اشتراك شهري الصيف مسبقا حتى لو كانت ستبقي ابنها في المنزل، والدفع يتم مع أول اشتراك تدفعه في شهر سبتمبر، وفي حالة رفض الدفع فإن الروضة ترفض قبول التسجيل نهائيا. و رغم أنها حاولت أن تقتنع صاحبة الروضة ببن عكنون أنها متأكدة من أنها لن تحضر ابنها في تلك الفترة لأنها فترة عطلتها إلا أنها ألحت على هذا الشرط، واعتبرته من شروط التسجيل التي لا يمكن التغاضي عنها. فيما نجد بعض الرياض لا تفرض هذا الشرط، وهو ما أوضحته السيدة كريمة التي سجلت ابنتيها في روضة بباب الزوار، وهي تدفع اشتراك الشهر دوريا دون الاضطرار إلى دفع اشتراك فترة العطلة، وهو ما يؤكد أن هناك فوضى في هذه المؤسسات، بعدما أصبحت تفرض كل واحدة قوانين على هواها. أمهات يشتكين من المعاملة السيئة اشتكت الكثير من السيدات من المعاملة السيئة التي يلقاها أبناؤهن في الروضة، على غرار السيدة آسيا التي عانت الأمرّين خلال وجود ابنها في احد الرياض في منطقة العاشور، ورغم أن ذهابه إليها لم يتعد 15 يوم، إلا أنها كانت تجده في كل مرة يبكي في حين تنكر المشرفة عليه ذلك تماما، وهو ما جعلها تشك في الأمر. نفس الشيء بالنسبة للسيدة حياة، التي وجدت كدمات على جسد ابنتها وأنكرت المسؤولة في الروضة أي صلة لها بالموضوع، ولأن ابنتها لا تتكلم فإنها عجزت عن اكتشاف حقيقة الأمر، وهو ما دفعها إلى سحب ابنتها مباشرة من ذلك المكان، وفي نفس الوقت عجزت عن وضع ثقتها مجددا في أي روضة وفضلت إبقاء ابنتها عند إحدى قريباتها كي تضمن لها المعاملة الحسنة على الأقل. الاشتراك يلزم بوجبة الغذاء فقط أكثر ما أثار دهشة الأمهات هو رفض بعض الرياض لتقديم النظام الداخلي الذي يحتوي الأمور الواجب احترامها وكذا الخدمات المقدمة للأطفال داخل المؤسسة. وفي هذا السياق تقول السيدة نوال، إنها تفاجأت بطلب ابنتها بأخذ ما تأكله من عصير وحلويات ووجبات صباحية معها من البيت، رغم أنها تدفع اشتراك يبلغ 7الاف دج شهريا. وعند استفسارها عن الموضوع وجدت إن ذلك منصوص عليه في النظام الداخلي للروضة الذي لم تحصل إليه إلا بعد القيام بعملية التسجيل الرسمي ودفع الاشتراك والتأمينات. وهو ما حدث مع الكثير من الأمهات اللاتي لم يتمكن من معرفة سبب الاختلاف في كل شيء بين روضات الأطفال رغم أنها تقدم خدمات متشابهة نسبيا، وهو ما جعلهن يتساءلن.. هل من قانون يحكم هذه المؤسسات؟