قامت “الفجر” بزيارة ميدانية إلى محمية الرغاية، الواقعة شرق العاصمة التي وجدناها تحتضر في صمت رهيب في غياب كلي للمقاييس الدولية المعمول بها رغم الميزانية الدولية المخصصة لحمايتها وتأهيلها من قبل المنظمة العالمية للمناطق "Ramsar" إلى جانب دفع رواتب موظفيها كل نهاية شهر. بحيرة الرغاية اليوم تكابد التقصير والإهمال من قبل الوصاية “البلدية والولاية والوزارة” إلى جانب عبث البشر الذين امتدت أياديهم إلى تخريبها والصيد العشوائي للطيور النادرة بها وأكثر من هذا تشييدهم للبيوت القصديرية على ضفافها ضاربين القوانين الدولية والوطنية عرض الحائط. كما سمحت لنا زيارتنا هذه باكتشاف هذا المعلم الطبيعي الهام الذي لا يمكن لأحد نكران جماله تبعد المنطقة الرطبة لبحيرة الرغاية عن العاصمة ب 34 كيلومترا، ونحو 15 كيلومتر عن ولاية بومرداس وتتربع على مساحة تفوق 1500 هكتار وتضم في محيطها الطبيعي مركزا للصيد، حيث تستجيب لمعايير اتفاقية “رامسار” لسنة 1971 حول المناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية. وتحولت إلى محمية طبيعية ذات بعد عالمي، وتعد أحد المؤشرات التي تحدد مدى تدهور الوضعية البيئية في المعمورة، إذ تساهم حسب المختصين في هذا المجال في التوازن البيئي في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. تتوزع المنطقة الرطبة لبحيرة الرغاية على إقليمي هراوة والرغاية وتعد آخر ما تبقى من المتيجة القديمة بعد جفاف بحيراتها ومستنقعاتها خلال الاحتلال الفرنسي نتيجة تقسيم الأراضي التي تطل على المنطقة آنذاك. وتمثل 900 هكتار منها منطقة بحرية و600 هكتار برية. وتضم المنطقة البرية في حيزها الجغرافي بحيرة تفوق مساحتها 75 هكتارا وهي مقصد الطيور المهاجرة القادمة من أوروبا هروبا من البرد الشديد وبحثا عن الشروط الملائمة للاستقرار المؤقت وفق الظروف الطبيعية والمناخية وما تمليه حركة الهجرة.أما المناطق البحرية فتضم جزيرة بونطاح المعروفة بحجرة بونطاح وهي في حد ذاتها المرجع الأساسي للطائرات قبل أن تحط في مطار هواري بومدين والمدونة في جميع خرائط العالم للملاحة الجوية. البحيرة هذه موطن لصنفين من الطيور وتتوفر على 12 صنفا من الأسماك ذات الأهمية الإيكولوجية، ما جعلها مؤشرا طبيعيا يكشف ويحدد مدى تدهور الوسط البيئي في المنطقة المتوسطية وباقي مناطق العالم، خاصة تلك المرتبطة بحركة هجرة الطيور القادمة من أماكن بعيدة من العالم حيث المسافة بينها وبين بحيرة الرغاية تفوق 800 كيلومتر. وفي لقاء جمعنا بالمدير الأسبق لمركز الصيد بالرغاية “عبد الرحمان ط”، فإن المعطيات الطبيعية التي تتوفر عليها هذه المنطقة جعلتها تستجيب للمعايير الدولية الخاصة بالمناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية وعلى أساس ذلك تم تصنيفها في جوان من سنة 2003 كمحمية طبيعية في إطار اتفاقية رامسار حول المناطق الرطبة، إذ تعد مكسبا طبيعيا عالميا يجمع أصنافا حيوانية ونباتية هامة لضمان التنوع البيولوجي، كما أنها مكملة للسلسلة الغذائية واستمرار التوازن الإيكولوجي. ويضيف محدثنا أن هذه المنطقة تعتبر الموطن الأساسي لتكاثر الطيور وتأوي مجموعة مكونة من 203 صنف منها 82 مائيا و4 أصناف من الطيور النادرة المحمية من طرف القانون الدولي و 55نوعا محمي من طرف القانون الجزائري وتتوفر على ثروة نباتية معتبرة تقدر ب 233 صنف نباتي تمثل نسبة 13 بالمئة من نباتات شمال الجزائر. من جهة أخرى، أكد محدثنا أن تصنيف المنطقة يستدعي تطبيق السياسة الدولية الخاصة بالحفاظ على المناطق الرطبة، وتتلخص في عدم المساس بالمساحات المحمية والاهتمام بتوسيعها والحفاظ عليها كمخزون غذائي ومائي هام، بالإضافة إلى الاستعمال العقلاني لمكونات المنطقة منها النبات والمياه والحيوان والتسيير الدائم لهذه الموارد الطبيعية. من جانب آخر، أقرّت الدول المنخرطة -حسب محدثنا- بضرورة الاهتمام بتوعية النشء الصاعد لتكريس ثقافة حماية البيئة، وهذه الدول المعنية مطالبة بحماية أراضيها الواقعة بالمناطق الرطبة المحمية منها الجزائر. ويتعلق الأمر بفتح مراكز تعليمية تضم قاعات البحث والمخبر والمكتب وقاعة عرض لتحسيس الصغار والكبار. انطلق العمل في الجزائر بالتعاون مع مديرية التربية الوطنية للولايات المجاورة لتقديم دروس في دراسة الوسط والعلوم وتخصيص أيام للعائلات. من جانب آخر، وفي إطار التوجه الرامي إلى وضع الأسس والآليات التطبيقية لحماية المحمية انطلاقا من أواخر سنة 2006، قام فريق عمل متخصص يضم خبراء جزائريين وفرنسيين بإعداد مخطط تسيير المحمية لمدة خمس سنوات وقد خلصت الدراسة إلى متابعة كل المكونات الطبيعية للمحمية في مجال الري وحركة الطيور والنباتات، بالإضافة إلى النمو الاقتصادي ولاجتماعي المرتبط بها، بما فيها الجوانب الخاصة بالشغل والكثافة السكانية على أن يتم إنجاز دراسة أخرى للسنوات الخمس القادمة. ولتطبيق المخطط المذكور، لجأ المركز إلى إبرام اتفاقية مع مختلف الجامعات الجزائرية منها جامعتي بومرداس وتيزي وزو لإدراج مختلف الجوانب المعنية بالحفاظ على المحمية في رسائل البحث الخاصة بنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه، الذي شرع فيه على أن تحتفظ الجامعات المعنية بحقوق النشر وتستغل المحمية النتائج المتحصل عليها في الميدان، وستكون في الأصل لصالح القطاعات المعنية. نفايات ومياه ملوثة تصب في البحيرة تستقبل بحيرة الرغاية حوالي 80 ألف متر مكعب من المياه الملوثة الناتجة عن النفايات الصناعية والحضرية والفلاحية. وحسب المعطيات الخاصة بمصالح المديرية العامة للغابات، فإن هذه الكمية من النفايات المتدفقة تتعدى المقاييس الدولية المسموح بها، وهو ما أدى على مر السنين إلى اختفاء النباتات البحرية وأسماك المياه العذبة منذ عام 1989. لهذا بادرت السلطات المحلية سنة 1997 إلى تجهيز الموقع بمحطة لتصفية المواد الصلبة دون الكيميائية وتم في أواخر سنة 2006 الانطلاق في تجهيز المنطقة بمحطة تصفية جديدة، حسب ما صرح به إسماعيل عميروش، المدير العام للري ومعالجة المياه ليومية. من جانب آخر، فإن الجزائر انطلقت مطلع سنة 2000 من خلال المديرية العامة للغابات في تصنيف المناطق الرطبة الموزعة عبر التراب الوطني والملف الخاص بمحمية الرغاية مطروح الآن على مستوى وزارة البيئة للبت فيه. يعد مركز الصيد بالرغاية أحد المراكز الأربعة التي تم أنشاؤها سنة 1983 لتربية المصيدات وحماية الحيوانات المهددة بالانقراض على المستوى الوطني وهو متخصص في تربية البط والإوز وتكثيف طيور الصيد في المناطق الرطبة. المركز هو في الأصل جزء طبيعي من المساحة الإجمالية للمحمية لا تتجاوز ال 27 هكتارا تحول بفعل الموقع الاستراتيجي الذي يتميز به طبيعيا الى مقصد سياحي، وحسب القائمين على هذا المركز، فان التقديرات الأخيرة الخاصة بحركة تدفق الزوار من العائلات وتلاميذ المدارس عليه أيام الراحة تعد بالآلاف. تعرف بحيرة “الرغاية” تدهورا كبيرا بفعل الانتشار المهول للنفايات حولها من بقايا الردوم ومخلفات البناء، خاصة ما خلفه الزلزال من حطام المباني ماي 2003 باعتبار أن البحيرة منطقة تتوسط الولايتين المتضررتين الجزائر وبومرداس إلى جانب انتشار كبير للبنايات الفوضوية على ضفافها ووسط الغابة المحيطة بالمنطقة المحمية رغم التحذيرات التي أطلقتها مصالح البيئة والبلدية نظرا للثروة الحيوانية والنباتية التي تزخر بها. تعتبر البحيرة منطقة نموذجية لتسيير وتطوير المناطق الرطبة إذ يتواجد بها 143 نوع نباتي وهي تمتد على مساحة 1100 هكتار وتتمتع بتسلسل الأنظمة البيئية، حيث نجد في الجهة الجنوبية النظام البيئي للمستنقعات تنتشر فيها الأودية وهي تمتد على مساحة من 150 إلى 75 هكتارا تنتشر من حولها النباتات التيفية كالقصب والبردي، أما المنطقة الشمالية فتتوزع بها كثبان رملية لشاطئ القادوس. كما تم إحصاء 203 نوع من الطيور من بينها 55 نوعا محميا من طرف القانون الجزائري منذ سنة 1983 بهدف تفريخ الطيور والاعتناء بتحسين سلالتها. كما استغلت المياه في سقي الأراضي قبل تلوثها مع بداية التسعينيات لقربها من المناطق الصناعية، ولهذا تم إنشاء محطة لتصفية المياه بأكثر من 80 ألف متر يوميا. تصنيف عالمي وإهمال وطني .. إلى متى؟ ينتظر القائمون على مستوى مركز تربية المصيدات ببحيرة رغاية صدور قرار رسمي يقضي بتصنيف المنطقة الرطبة لبحيرة رغاية “كمحمية طبيعية وطنية” ووضع نظام خاص لتسييرها، كما يؤكد القائمون عليها. وفي هذا الشأن، قدم ملف شامل للمديرية العامة للغابات لاستفادة هيئته من إعادة تصنيف المحمية، إلا أن مديرية الغابات بدورها أودعت الملف بوزارة البيئة وتهيئة الإقليم منذ سنة 2005 لكن ومنذ ذلك الحين لم يتم تصنيفه بعد رغم أنه صنّف كمنطقة ذات طابع دولي. المسؤولون أكدوا أهمية هذا الأجراء الذي سيضمن وضع آليات لتسيير أحسن للمنطقة من خلال تسطير مخطط لاستغلال المركز ووضع سياسة خاصة به لحماية بحيرة الرغاية من التجاوزات والانتهاكات التي تعيشها خصوصا الانتشار العشوائي للبيوت القصديرية التي أضحت تشوه المكان وتشكّل خطرا عليه، كما تعرف البحيرة إقبالا متزايدا للزوار، ما أدى إلى تعقيدات للمركز الذي يجد نفسه عاجزا عن تسيير كل هذا الكم من الزيارات بالنظر إلى صغر المساحة المخصصة لهؤلاء والتي لا تتعدى خمسة هكتارات. من جهة أخرى، وحسب ما لاحظناه، هناك نقص في مجال حراسة وحماية الموقع نظرا لقلة أعوان الأمن الذين - بالإضافة إلى مهامهم اليومية - يضطرون إلى العمل على ضمان أمن المواطنين. وبإمكان بحيرة الرغاية “أن تصبح لؤلؤة متيجة السياحية” للجهة الشرقية للعاصمة إذا ما تم الاهتمام بها أكثر من طرف الوصاية.
بحيرة الرغاية تستغيث.. هذا هو الانطباع الذي خرجنا به بعد إنهاء روبورتاجنا حول أحد المعالم البيئية المتواجد بالجزائر العاصمة. البحيرة امتدت لها يد الإنسان فلوثت مياهها وأضحت النفايات تصب فيها، زد على ذلك، فإن بقايا البناءات المهدمة ومواد البناء تشكل ديكورا منفرا لضفافها، ناهيك عن البيوت القصديرية التي انتشرت داخل المحمية الباحثة عن حماية.