قليلة جدّا هي النصوص التي كتبت الصحراء كما فعلت الروائية ربيعة جلطي في روايتها ”نادي الصنوبر”، الصادرة عن منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون، قد يكون الأمر مختلفا مع الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية، لاسيما مع مليكة مقدم، لكن في الروايات المكتوبة بالعربية نكاد لا نعثر على نصوص من هذا النوع. كتابة الصحراء، لا تعني الوصف الخارجي لجغرافيا الصحراء بطريقة وثائقية، وإنما تعني نقل روح الصحراء من خلال تفاعل الإنسان مع المكان والتعبير عنها بشكل عميق بعيدا عن النظرة الإكزوتيكية... كم كنّا بحاجة ماسة وملحّة لرواية تكتب عذاب طوارق الجزائر، بما هم جزء صميم منا لكننا نجهل الكثير عن حياتهم وطقوسياتهم، بالشكل الذي قرأناه عند إبراهيم الكوني عن طوارق ليبيا. وتكون هذه الكتابة أصعب حين يتعلّق الأمر بكتابة المرأة الطارقية وأسرارها في مجتمع ”أموسي” له خصوصيات مختلفة عمّا عوّدتنا عليه المدوّنة الروائية العربية، بتعبيرها عن نمط واحد من المرأة المريضة بقهر المجتمع الشرقي الذكوري، ولذلك فإن الحاجة ”عذرا” تمثل بطلة إيجابية مختلفة مليئة بالكثير من التحدّي والتفاؤل ممّا لم تعوّدنا عليه روايات المرأة العربية المنكسرة والمحبطة. بخلاف ما يفهم من العنوان ”نادي الصنوبر” بما هو رمز للشمال ولفساد السلطة، وعلى غير ما يتوقّع القارئ تحيلنا الرواية على الصحراء بما هي عطش الإنسان للحياة ولكن الماء ليس هو الإجابة الوحيدة للعطش في الجنوب. تنفتح الرواية على إهداء ”إلى عثمان بالي، زرياب الطوارق.. جرفتك مياه وادي جانت ذات طوفان.. فارتفعتَ نجما.. تطلّ من عليائك على الصحراء”، وتنتهي بإثبات مقطع من أغنيته الشهيرة ”دمعة دمعة من القلب للعين سالت عالخدّين، نقشت عالوجه خطّين، غيّرت سواد العين، صبح للحبيب قلبين، وجهو رجع وجهين، غير الحال صفّين، مدّة الحال حولين، ينقسم قلبي نصين، نار وجمر لاهبين، سامع وشافت العين، لكن لا ولائين”، كأنما لتتحوّل إلى أغنية رفض لواقع يمكن اختزاله في نادي الصنوبر. ومن المفارقات العجيبة أن تقتل الصحراء صديقها عثمان بالي بالماء لا بالعطش.. للولوج إلى عوالم الرواية تقترح علينا الروائية ربيعة جلطي إحدى عشر بابا، ينفتح كل واحد منها على حكاية من حكايات الحاجة عذرا الطارقية، سليلة الملكة ”تينهنان” أو إحدى شخوصها الروائية مثل زوخا أو باية أو مسعود، إذ يروي كل حكايته وأشواقه وتوقه. تروي الرواية حكاية عشق مكتوم بين الحاجة عذرا وبين مسعود بنادي الصنوبر، الشاب المثقّف الذي اظطّرته الظروف لكي يعمل حارسا لفيلا الحاجة عذرا، التّي أنقذته من البطالة وفتحت أمامه شرفات الحلم فهو يكنّ لها حبا كبيرا دون أن يجرؤ على البوح به نظرا للفارق الاجتماعي والمادّي بينهما، فهي قد طلّقت من زوجها الطارقي الأول، بسبب عقمها، ليقع في حبّها ثريّ خليجي، تزوّجها لكنّها لم تستطع الحياة معه في بلده. وهو الذي كان السبب في الثراء والحظوة التي وصلت إليها. حيث أهداها شققا وفيلاّ فاخرة بنادي الصنوبر. تنتهي الرواية بقرار الحاجة عذرا بالعودة إلى الصحراء، وبنهاية توحي بأنها ستورث شققها لصديقتيها باية وزوخا، مكّنت نسيمة من السفر إلى الخارج لتحقيق أحلامها كمغنّية، فيما يبقى محتوى الظرف الذي طلبت الحاجة عذرا من نسيمة تسليمه لمسعود، غامضا وغير معروف يفتح نهاية الرواية على أكثر من توقّع واحتمال. أعترف أن متعتي برواية ”نادي الصنبر” لم تكتمل إلا بعدما قادني شغفي بالرواية ورغبتي الملّحة في التماهي معها، إلى شراء ألبوم لعثمان بالي، يمثل حفلا ”لايف” أقامه بمدينة قسنطينة، لكي يقرّبني أكثر من مناخات الرواية ويورّطني في أسرارها وسحرها، وكان أول ما وقعت عليه أذناي هو قوله لجمهوره في البداية ”الليلة إن شاء الله.. ما قدرناش نجيبولكم الصحراء، ندّوكم نتوما للصحراء...”. أحمد عبدالكريم