تشهد المراكز التجارية في الآونة الأخيرة نوعا من الحركية، خاصة بعد حملة التطهير التي واجهتها الأسواق الموازية باعتبارها منافستها الأولى. يعود سبب ذلك إلى أن معظم الجزائريين فقدوا البديل الذي يقصدونه للاستفادة من الأسعار المعقولة التي تناسب ميزانية ذوي الدخل المتوسط، ليجدوا أنفسهم مرغمين على التسوق في مراكز ومحلات تجارية لم يعهدوها من قبل، وبين ارتفاع أسعارها وتباين الجودة فيها يتيه الكثيرون. لعل أنسب الأمثال الشعبية المناسبة لحال أصحاب المحلات التجارية النظامية بعد قرار التطهير الذي مس الأسواق الموازية ..”مصائب قوم عند قوم فوائد”، لاسيما أن أولى البدائل التي لجأ إليها عدد كبير من المواطنين كانت المراكز التجارية. وفي هذا الشأن يقول مراد، صاحب محل تجاري ببلوزداد:”قبل القضاء على طاولات التجارة الموازية كنا جد مهمشين فنادرا ما يدخل زبون لشراء بعض الملابس، في الوقت الذي كانت الطاولات منتشرة في الخارج بأسعار جد مغرية، أما الآن فنحن نشهد إقبالا كبيرا من طرف الزبائن خاصة في نهاية الأسبوع”. وفي السياق تقول فوزية، إحدى المواطنات التي التقينا بها، أنه رغم ارتفاع أسعار المحلات غير أن الجودة والنوعية لا غبار عليها لدى أغلبهم مقارنة بتلك السلع المتداولة في الأسواق الشعبية، التي غالبا ما تكون رديئة النوعية. ومن جهة أخرى، واجهت أغلب المراكز التجارية الضخمة، في مقدّمتها فضاءات فاخرة بالعاصمة، قلة إقبال المواطنين وغلق عدد من محلاتها رغم عدم مرور وقت طويل على تدشينها، في الوقت الذي تحوّل عدد من هذه المراكز إلى مجرّد بنايات مهجورة نتيجة عدم استقطابها للزبائن، رغم أنه تم تصنيفها كأكبر المراكز التجارية بإفريقيا.. غير أن الوضع تغير كثيرا بعد تحرر هذه الأخيرة من شبح الأسواق الموازية، خاصة في المناطق القريبة منها، وهو الأمر الذي أكده أحد الباعة بالمركز التجاري ”القدس” بأعالي العاصمة، والذي أكد أنه في اتجاه مغاير، أضحت المحلات الفاخرة والمساحات الكبرى التي تعرض الماركات العالمية تعجب الزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية، بمن فيهم أصحاب الدخل المتوسط الذي لا يكاد يكفي لتلبية المستلزمات الضرورية!. أسعار ملتهبة ترهق جيوب المواطن عادة ما يتفاجأ الزبون القاصد لأحد المحلات في المراكز التجارية بالفارق الكبير لأسعار نفس المنتوج بعدد من الأسواق، ولا يجد إجابة لهذا التباين في الأسعار غير بعض إجابات التجار الذين لا يجدون حرجا في تفسير الظاهرة بإرجاع الأمر إلى سعر كراء محلاتهم التي يحكمها عامل الموقع وسمعة المركز. كما يؤكد هؤلاء الباعة أن الأسعار تتضاعف عشر مرات أحيانا عن السعر المتعارف عليه في المناطق الأخرى، وعليه تتضاعف أسعار السلع. وحسبما أكده لنا سمير، صاحب محل في المركز التجاري ببئر خادم، فإن سعر الكراء يختلف من محل لآخر لذا فإن غلاء الأسعار تربطه علاقة طردية مع موقع المحل. وفي الوقت الذي يبرر أغلب الباعة تصرفاتهم بكلفة الكراء، يتهم عدد كبير من المواطنين هؤلاء بالانتهازية واستغلال الظروف لرفع الأسعار، لاسيما في ظل قلة البدائل أو انعدامها أحيانا، فالكثير من التجار لم ينتظروا طويلا بعد حملة القضاء على المحلات التجارية ورفعوا أسعار سلعهم بشكل كبير، وهو الأمر الذي لقي تذمر العائلات التي وصفت هذا السلوك بالجشع. وفي ذات السياق تقول السيدة فلة، التي التقينا بها في سوق علي ملاح الذي عاد للنشاط مؤخرا بعد حملة التطهير التي مسته قبل أشهر:”في أول زيارة قادتني إلى السوق بعد إعادة فتحه صدمت بالأسعار الملتهبة التي لم تصل يوما إلى هذا الحد”، ومضيفة أن معظم أصحاب المحلات اغتنموا فرصة زوال المحلات الفوضوية لجعل سلعهم تسوّق بضعف أسعارها الحقيقية”. ساحة الشهداء وبومعطي.. بديل للمواطن البسيط لايزال العديد من أصحاب الدخل المحدود يتمسكون بآخر الوجهات الشعبية التي ألفوها للتسوق واقتناء حاجياتهم، والمتمثلة في كل من سوقي ساحة الشهداء وبومعطي، واللذين لايزالان يلبيان حاجة المواطن البسيط بالنوعية والأسعار ذاتها. وفي ذات الصدد تقول هند، التي تقطن ببئر خادم، إنها لاتزال تفضل قطع مسافات طويلة للتبضع في ساحة الشهداء التي لاتصل إليها إلا بعد أن تقل 3 حافلات، مشيرة إلى أن المراكز التجارية لا تتناسب والطبقة التي تنتمي إليها، فكل السلع تقريبا في سوق مثل ساحة الشهداء تتناسب والقدرة الشرائية للمواطن البسيط، حسب ذات المتحدثة. ومن جهتهم أعرب العديد من تجار السوق الموازية عن ارتياحهم لبقاء الأمور على حالها بالنسبة إليهم، وهو الأمر الذي عبر عنه عبد المالك، 38 سنة، تاجر في ألبسة الأطفال بسوق بومعطي، بقوله:”لولا هذه التجارة لما كان لدي ما أعيل به عائلتي المتكونة من أربعة أفراد”. كما أكد لنا أغلب الباعة في هذا السوق أن الإقبال يزيد يوميا من طرف المواطنين.