يقتصر معالجة ملف الأسواق الموازية في بلادنا على مصالح الأمن فقط، في ظل غياب نظرة ودراسات إستراتيجية تضع حد لهذا الأخطبوط الذي ينخر الاقتصاد الوطني ويتسبب في مضاعفات خطيرة، ترهن نجاح مخططات الإنعاش الاقتصادي وإحداث التنمية المستدامة المرجوة لفك العزلة وتدارك التأخر التنموي في عديد جهات الوطن، هذا ما عبّر عنه الكثير من الناشطين في هذا القطاع في جولة استطلاعية ل «الشعب» عبر اسواق العاصمة. لم تجد الهيئات المشرفة على الجماعات المحلية والتجارة والاقتصاد سوى اللجوء لمصالح الأمن لوضع حد للباعة الفوضويين أو الأسواق الموازية كما يسميه البعض، وتشهد مختلف الساحات العمومية والأحياء الشعبية بمختلف نواحي الوطن مطاردات يومية لم تفلح في إقناع الناشطين في هذه السواق بالتوقف عن خرق القوانين والبحث عن سبل جديدة لولوج عالم التجارة بطرق قانونية من خلال السجل تجاري والبحث عن محل لإضفاء الشرعية على نشاطه التجاري وتمكين الدولة من حقوقها الضريبية ومستحقات الضمان الاجتماعي . قدر الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، الناشطين في السوق الموازي ب 100 ألف تاجر يفرضون منطقهم ويسيرون اقتصاد يساوي ملايير الدولارات مستغلين حركة الاستيراد الفوضوي وبروز الصين كقبلة تصدر سلع متنوعة وبأسعار تنافسية شجعت هذا النوع من التجارة التي بدأت بتجارة الشنطة في نهاية الثمانينات لتتوسع في سنوات العشرية الدموية حيث كان لغلق 1500 شركة وتسريح 400 ألف عامل أثرا سلبيا على الاقتصاد الوطني الذي عاش أسوأ حالته مع ارتفاع المديونية وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في 1994. وأحدثت التعليمة الموجهة للولاة في هذا الظرف بضرورة وضع حد للتجارة الفوضوية حالة استنفار قصوى بالعاصمة وكبرى المدن، حيث عرفت ساحة الشهداء وباب الوادي وباش جراح وبومعطي حالات من الاحتقان، وهي وضعية تحدث عنها شهود عيان وعبّر العديد من الباعة الفوضويين عن استيائهم من التعليمة مؤكدين بأن هذا النوع من التجارة مصدر رزقهم الوحيد في ظل انعدام مناصب العمل وكشف أحد الباعة الناشطين/ أ.و/ في باش جراح عن رفضه التوقف عن النشاط الذي شرع فيه منذ أكثر من 7 سنوات لأنه لا يتخيل ممارسة نشاط آخر. وتغيرت لهجة الرجل بعد أن حدثناه عن ضرورة تسوية وضعيته والعمل بسجل تجاري ودفع الضرائب فرفض جملة وتفصيلا وقال بأن دفع مصاريف الكراء والضرائب والتأمين لن يبقي له شيئا في ظل غلاء أسعار كراء المحلات التجارية التي تفوق 20 ألف دينار في باش جراح وهناك من يصل إلى 40 ألف دينار. كما رفض التجار الناشطون بين ساحة الشهداء وشارع بوزرينة التوقف عن ممارسة نشاطهم الموازي حتى ولو أصرت السلطات على توقيفهم بالقوة لأن أوضاعنا الاجتماعية صعبة للغاية ولا نجد أن نسترزق في ظل ضعف فرص العمل. وأشار منتخب محلي ببلدية باب الزوار بأن محاربة السوق الموازي سيستمر بكل الأشكال، موضحا بأن المجلس الشعبي لبلدي بباب الزوار قد وضع حدا للأسواق الموازية الفوضوية بحي 5 جويلية والجرف في انتظار تطهير سوق دبي وهذا في سياق استرجاع صورة الحي والحفاظ على النظافة وتمكين التجار الحقيقيين من ممارسة نشاطهم كما أن تحصيل الضرائب سيتحسن في حال توفير الظروف الجيدة للتجار الشرعيين. وتعرف الأسواق الموازية إقبالا منقطع النظير من المواطنين في ظل تدهور القدرة الشرائية وكذا الأسعار التنافسية التي توفرها الأسواق. ويحتاج الملف إلى تجنيد كل القطاعات التي تربطها علاقة بقطاع التجارة والاستثمار والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والداخلية والمالية لتسطير خطة ترتكز على محاولة استقطاب التجار الفوضويين إلى الميدان القانوني من خلال تحفيزات في كراء المحلات وتخفيضات ضريبية مثلما هو معمول به في عديد الدول لأن استمرار نشاط السوق الموازي ستكون له أضرار وخيمة.