قال الله تعالى في سورة آل عمران: “فبِما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين”. قال أحد المفسرين: فهي رحمة الله التي نالته ونالتهم، فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيماً بهم، ليناً معهم، ولو كان فظاً غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب، ولا تجمعت حوله المشاعر، فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يشغلهم بهمه، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا.. وهكذا كان قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت حياته مع الناس، ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري. ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يده في سماحة ندية. ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد فيهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاضت عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة.