خصّ المناضل الوزير صالح ڤوجيل ”الفجر” بحديث، حول تجربته في الحركة الوطنية وثورة التحرير، ونقف معه في الحلقة الثانية عند النقاط التالية: مهمة الرائد عميروش مبعوث لجنة التنسيق والتنفيذ إلى ولاية أوراس النمامشة في أكتوبر 1956، بحثا عن تسوية فرضية بعين المكان، لمشكلة قيادة الولاية المعلقة منذ استشهاد مصطفى بن بولعيد قبل 7 أشهر.. وقد حضر محدثنا اجتماع 20 أكتوبر ناحية سيدي علي لا كمجرد شاهد، بل بصفته النائب السياسي للشهيد محمد (بوعزة) عرعار الذي كلف وإياه بخلافة عاجل عجول مؤقتا على رأس المنطقة.. بعد أن كان قبل مبدئيا فكرة اللحاق، بلجنة التنسيق والتنفيذ عن طريق الولاية الثالثة.. اجتماع تونس في أبريل 1957، في إطار تسوية مشكلة القيادة دائما وقد فوجئ المجاهد صالح ڤوجيل بتعيين محمود الشريف، فكان رد فعله عنيفا على ذلك.. الأمر الذي دعا رفيقه السابق محمد العموري النائب السياسي للقائد الجديد إلى طلب رفع الجلسة، ليحاول إقناعه على انفراد بخلفيات حل توافقي، يخضع لاعتبارات وطنية بالدرجة الأولى. فهذا التوافق كانت تمليه حركية الثورة التي جرفت معها الحركة الإصلاحية بشقيها السياسي (حزب البيان) والثقافي (جمعية العلماء).. وكان اختيار محمود الشريف (عضو حزب البيان في تبسة) نوعا من التطمين لفرحات عباس ورفاقه، بإشعارهم أنهمن ممثلون في جيش التحرير أيضا، كما هم ممثلون في جبهة التحرير الوطني، من خلال وجودهم في مجلس الثورة الجزائرية بوجه خاص. في خلافة عجول.. بعمق الأوراس تعاهد رفاق مصطفى بن بولعيد على كتمان سر استشهاده ريثما يتدبرون مسألة استخلافه.. ولمعالجة الفراغ الطارئ في القيادة، عينوا مؤقتا شقيقه عمر خلفا له(*).. ومنح بالمنسابة اسم ”خليفة” كاسم حركي له بدل عمر. وسارع المسؤولون الذين حضروا مأساة استشهاد القائد بتشكيل وفد للإتصال بالمنطقة الثالثة (الصومام جرجرة)، تتمة للمهمة التي كان الشهيد قد كلف بها محمد العموري، غداة فراره من سجن الكدية مساء 10 نوفمبر 1955. لم يرافق المجاهد الشاب هذا الوفد الذي قاده عمر بن بولعيد، وتمكن فعلا من تجديد الإتصال بقائد المنطقة الثالثة بلقاسم كريم في مايو 1956، لكن غداة مؤتمر الصومام ومجيء الرائد عميروش آيت حمودة في مهمة إلى ولاية أوراس النمامشة، استدعي رفقة الحاج لخضر لحضور اجتماع بناحية كميل، معقل عاجل عجول، أحد رجالات فاتح نوفمبر بالأوراس.. وخلال هذا الإجتماع في بداية أكتوبر 1956 علموا أن الرائد عميروش يتهيأ رفقة كل من عجول والعموري للذهاب إلى ناحية النمامشة، لمقابلة يوسف زيغود الذي كلف من مؤتمر الصومام بمهمة في نفس الإطار: تسوية مشكلة قيادة الولاية الأولى التي ظلت معلقة، منذ رحيل قائدها الأول مصطفى بن بولعيد، وكلف بالمناسبة المجاهد محمد (بوعزة) عرعار بخلافة عجول مؤقتا بمساعدة صالح ڤوجيل، وقد حددت مهمتهم الأولى في معاودة استقطاب المجاهدين الذين كانوا انفضوا من حول عجول الذي أشيع عنه خطأ ضلوعه في مقتل بن بولعيد خاصة. ويبدو أن عجول لم يكن يمانع في هذا الاستخلاف، كما يدل على ذلك تقديمه الهيئة المستخلفة إلى والده، كي يساعهد على معرفة المخابئ ومراكز التموين بالناحية... وقد قدم لها والوالد بالمناسبة مبلغ 25 مليون سنتيم. باشر بوعزة ومساعده مهامهما على رأس المنطقة الثانية (آريس كميل بوعريف)، واستقر مؤقتا ناحية عسقيل.. ويذكر الشاهد في هذا الصدد، أن مجموعة القيادة كانت معها مجاهد من تونس يدعي علي الهمامي، من جماعة صالح بن يوسف واثنان من المغرب (مساعد ورقيب من وحدة الطابور)، كما التحق بها مجند جزائري، فر من باتنة ومعه رشاش ثقيل.. بعد أيام فوجئ بوعزة ورفاقه بعودة عجول مصحوبا ب 15 من عناصره الذين كان يصفهم ب ”الشبان العظماء”.. وفسر عودته وحيدا، بأنه منع من مواصلة الطريق رفقة عميروش، من طرف جماعة مسلحة ناحية عالي الناس.. وأنه الآن يتأهب للإلتحاق بلجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة عن مؤتمر الصومام عبر الولاية الثالثة.. وبناء على ذلك قدم له بوعزة مصروف الطريق، مقابل التوقيع على وصل استلام.. لكن بعد 24 ساعة تلقى بوعزة مفاجأة ثانية من عجول: بعث إليه رسولا يطرح مشكلة العناصر العائدة من ناحية مشونش، والتي كانت خرجت عليه كما سبقت الإشارة يطرحها في شكل طلب محدد: أن هذه العناصر هربت إلى مشونش بأسحلة رفاقها، ومن ثمة عليها أن تعيد إليه هذه الأسلحة! تطوع ڤوجيل لمقابلة عجول في هذا الشأن، تمهيدا للقاء لاحق محتمل يقوم به بوعزة شخصيا.. وقابله فعلا ليقول له: يا شيخ (لقب عجول آنذاك) أنتم الذين كلفتمونا باستعادة هذه العناصر.. ولم نقم إلا بما أمرتم.. تمكن الشاهد من تسوية المشكلة مؤقتا، لكنه ورفاقه أصبحوا حذرين، بعد أن أثار عجول مخاوفهم بهذا التصرف المريب. من هذا الذي.. يخلف بن بولعيد! تلقى بوعزة ورفاقه من المستخلفين على المنطقة الثانية من ولاية أوراس النمامشة، بعد أيام رسالة من عميروش، يستدعيهم إلى اجتماع قادم ناحية سيدي علي في 20 أكتوبر 1956، ويطلب منهم تهيئة المكان لاستقبال نحو 300 مجاهد مع تفوير المؤونة اللازمة لذلك. وفي الأجل المحدد تجمع المجاهدون بالناحية المذكورة، فعلم بوعزة ورفاقه أن عجول سبقهم إلى الإتصال بعميروش وكوكبة القاعدة التي تصابحه، وأنه شكاهم إليها في قضية الخارجين السابقين عليه، والذين عادوا إلى المنطقة بفضل مساعيهم. وعلدما خيم الليل مساء 20 أكتوبر، التحق المجتمعون بالأكواخ المحدود لهم.. كان ڤوجيل جينئذ رفقة الصادق بوكريشة، فإذا بإطلاق مفاجئ للرصاص سقط إثره المجاهد أحمد أزروال على صدره، فلم يشعر إلا ودمه الساخن يتدفق عليه.. هب مسرعا في طلب ممرض المنطقة لإسعافه، فلما عاد وجده قد لفظ أنفاسه.. لم يكن أزروال القتيل الوحيد في الحادثة، بل كان معه اثنان آخران من مساعدي عجول.. قام قوجيل ورفاقه بدفن الثلاثة بالقرب من مكان الإجتماع، وكلهم حسرة وألم عما حدث.. بعد قليل قامت جماعة عجول باعتقال عناصر من حراسة المنطقة وجاءت تريد مقايضتهم بابنيها الأسيرين لديها حسب ظنها.. فعملت بمصريها ودفنهما.. قام والد إحدى الضحيتين (*) يبكي فقيده بلوعة، استدرًّت دموع الجميع.. قرر عميروش في بداية الأمر إثر هذه الحادثة الألمية - التي أصيبت خلالها عجول في يده التنقل باتجاه جبل الشلية، وتمّ بالمناسبة ترسيم بوعزة على رأس المنطقة الثانية، ومعه ڤوجيل نائبا سياسيا، في انتظار تعيين نائبه العسكري.. لكن بعد قليل بلغ عميروش أن قائد الولاية الثالثة السعيد محمدي قد استشهد أو أسر، فقرر العودة إلى ولايته على جناح السرعة.. وصادف ذلك حادثا مؤلما آخر: اختطاف الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني مساء 22 أكتوبر 1956.. وقبل أن يغادر عميروش الأوراس، أكد لهم أن لجنة التنسيق والتنفيذ ستدعوهم إلى اجتماع لاحق بالولاية الثالثة.. وتمّ هذا الإجتماع فعلا أواخر السنة وأوائل العام الجديد ناحية ثامقرة، وترأسه السعيد محمدي باسم لجنة التنسيق.. شهد ما يشبه الشوط الأول في مسألة قيادة الولاية وتسويتها.. لم تحضر قيادة المنطقة الثانية هذا الإجتماع، لأنها كلفت قيادة الولاية بالنيابة، ريثما تعود عناصر القيادة التي انتقلت إلى الولاية الثالثة. أما الشوط الثاني والحاسم فتم بتونس في ربيع 1957، بتعيين مجلس ولاية جديد برئائسة العقيد محمود الشريف وعضوية الرواد محمد العموري، وأحمد نواورة وعبد الله بلهوشات.. استدعيت قيادة المنطقة الثانية إلى تونس، لتزكية هذا الإتفاق بعد حصوله.. فوجيء ڤوجيل بهذه الطبخة الفوقية.. وفوجئ أكثر بتعيين محمود الشريف، فعارضه بحدة لما علم به أثناءأول اجتماع بهم، قال بصراحة المجاهد الشاب ماهذا الذي يمكن أن يخلف البطل مصطفى بن بولعيد! كان العموري أول من فوجئ بهذا الموقف الحاد من رفيقه السابق، فطلب أن ترفع الجلسة لحظة.. وكان سي الحواس قد نهره قبل ذلك قائلا: أنت مشوش! فرد عليه: ألا تدري أنه كان يشاع عنك أنك من أتباع مصالي؟! حاول العموري أن يقنع ڤوجيل على انفراد.. شارحا أن ما حصل إنما هو حل توافقي، وتم قبوله على هذا الأساس، وذكر بالمناسبة أن قادة المناطق الحدودية موافقون على هذا الحل، فإن رفضناه نكون سببا في تمديد أزمة قيادة الولاية التي طالت أكثر مما ينبغي. وهنا رد ڤوجيل: لماذا لم يخبرونا بذلك من قبل؟ مضيفا: لماذا لست أنت قائد الولاية؟ أو أنواورة؟ أليس كلاكما من رجال الفاتح نوفمبر؟! أما سي الحواس فقد أقبل عليه باكيا وهو يقبله قائلا: أنت على حق! (*) هما الصادق بادسي وعبد الرحيم ثنية
الشهيد محمد (بوعزة) عرعار الشهيد محمد عرعار (بوعزة)، كان من شباب الأوراس الثائر الذي هاجر إلى القاهرة حيث احتك بالمجاهد المغربي عبد الكريم الخطابي.. وهناك انضم إلى مجموعة شباب المغرب العربي، كانت في طريقها إلى العراق للتدرب بإحدى كلياته الحربية.. كان يومئذ متنكرا بهوية مغربية، لأن العراق ملكي لم يكن يسمح للجزائريين بذلك، حفاظا على حسن علاقته بفرنسا، حليفة بريطانيا الوصية على العرش، كان ذلك في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.. وحسب المجاهد بوبكر بن زينة (من ناحية الونزة)، أنه عاد إلى الجزائر في مايو 1954، رفقة محمد عرعار ومصطفى الأكحل (علي زغداني) وعلي الأشهل وعمار دكاري.. لكن صالح ڤوجيل يفيدنا بأن محمد عرعار يكون عاد إلى ليبيا ومصر مرة أخرى، ليدخل إلى الأوراس في ربيع 1955.. بعد أن كان قد تخرج من العراق برتبة ملازم. ويفهم من شهادته أنه عاد بمفرده بعد أن داهم في طريقه مركزا عسكريا ناحية وادي العرب، وغنم منه السلاح الذي التحق به.. استشهد الفقيد أواخر سنة 1957 بجبل بوعريف، وقد خلف على رأس المنطقة الثانية نائبه السياسي علي (النمر) ملاح الذي تولي في ربيع السنة الموالية قيادة الولاية بالنيابة لفترة قصيرة.
(*) كان فر من محشد الجرف (المسيلة) في منتصف أكتوبر 1956، وحضر اجتماع 20 من نفس الشهر بسيدي علي، وقد خلف على رأس المنطقة محمد العموري. (**) تحمل هذه التعيينات توقيع العقيد عمار أوعمران المكلف بالشؤون العسكرية في الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، وكذلك توقيعات أعضاء مجلس الولاية الأولى.
هيكلة الولاية الأولى بعد اتفاق أبريل 1957 مجلس الولاية: العقيد محمود الشريف قائدا. الرائد محمود المعموري نائبا سياسيا. الرائد عبد الله بلهوشات نائبا عسكريا. الرائد أحمد أنواورة نائبا مكلفا بالإتصال والأخبار.
قيادة المنطقة الثانية (وسط الأوراس): النقيب محمد (بوعزة) عرعار قائدا. الملازم الأول علي بن مشيش نائبا مكلفا بالإتصال والأخبار. الملازم الأول علي (النمر) ملاح نائبا سياسيا. الملازم الأول عمار عشي نائبا عسكريا. قادة نواحي المنطقة: الناحية الأولى: الملازم عمار بن العڤون. الناحية الثانية: الملازم عمار أمعاش. الناحية الثالثة: الملازم صا لح ڤوجيل (خلفا للطاهر النويشي). الناحية الرابعة: البشير ورتاني.
قادة المناطق الأخرى: المنطقة الأولى: المكي حيحي (*). المنطقة الثالثة: أحمد بن عبد الرزاق (الحواس). المنطقة الرابعة: عمار راجعي (؟). المنطقة الخامسة: محمود ڤنّز. المنطقة السادسة: صالح ( بن علي) اسماعلي (**).