عاد الإرهاب الذي كافحته الجزائر لسنوات طوال بمفردها إلى الواجهة من جديد بعد سيطرة الجماعات المتطرفة على ثلثي الأراضي المالية بالقرب من الحدود الجنوبية للجزائر، حيث تترامى حقولها البترولية في صحراء شاسعة أسالت العرق البارد لفرنسا التي عادت من جديد تحت غطاء مكافحة الإرهاب، لتتموقع في الساعات الأخيرة على بعد كيلومترات معدودة من برج باجي مختار.. إرهاب أعمى تفنن في قطع الرقاب على مدار عشرية سوداء مازالت الجزائر تجتر جراحها الغائرة، وصور أطفال بن طلحة والرمكة والرايس الذين تحولوا إلى “خرفان مشوية” لا يمكن أن تندمل ولو بعد قرون. لأن الحياة لا تتوقف، لملم الجزائريون جراحهم ورفعوا تحدي الوئام الوطني وبعدها المصالحة الوطنية، لتبقى الجزائر تلاحق بقايا الجماعات الإرهابية، التي تلقت ضربات موجعة على يد الجيش، وفشلت في الكثير من مخططاتها الإجرامية التي كانت تبحث بها عن صدى إعلامي، يعيدها إلى الواجهة من جديد والجزائر تقف على رجليها من جديد، ودول المعمورة تتسابق بحثا عن فرصة استثمار بعد أن حباها بالذهب الأسود الذي رفع احتياطيات صرفها، وجعل صندوق النقد الدولي الذي أثقلت ديونه كاهل الجزائر في السنوات الماضي يتسول الجزائريين. عادت الحياة إلى الجزائر، التي أبهرت العالم بصمودها وتحديها وتجاهل محنها.. جزائر يتعايش فيها الجميع بلا تطرف ولا غلو.. لكن فجأة تتلبد الغيوم في سماء أشقائنا، وتتسارع الأحداث بطريقة دراماتيكية على حدودنا الجنوبية والشرقية، ورياح ما يعرف بالربيع العربي تجتث أنظمة عمرت طويلا، وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يراهنون على ثورة في الجزائر، بدأ إسلاميوها يعدون العدة لحمل المشعل، فاجأت الجميع بأنها غير معنية بربيع عاشته منذ سنوات، لكن الربيع تحول إلى شتاء امتدت قوة عواصفه إلى الجزائر التي وجد الطامعون في ثرواتها فرصة من ذهب بعد أن سيطرت الجماعات المسلحة على شمال مالي، وهي في طريقها لإعلان الإمارة في صحراء قاحلة لا تصلح إلا لتجار الموت، حيث تنتشر مافيا السلاح والعبيد والسموم البيضاء، والجماعات المتطرفة، التي وجدت في سلاح القذافي المهرب من مخازنه بعد الإطاحة به دعما لم تكن تحلم به، لتقوى شوكته أكثر فأكثر وتتحدى المجموعة الدولية بحرب لا تنتهي غير آبهة بالتدخل العسكري في المنطقة. الجزائر كافحت التدخل العسكري في مالي كما حذرت من تبعات سقوط نظام القذافي، ليقينها أن لا أحد سواها سيدفع ثمنه، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه سفنها، ويصبح الإرهاب المدجج بالأسلحة والصورايخ، ومن كل جنسيات العالم على بعد كيلومترات معدودة من شريانها الاقتصادي. الجماعات الإرهابية في مالي ظلت تستفز الجزائر لجرها إلى جحورها بجبال كيدال وصحاري تمبوكتو، ظلت تبحث عن ضربة مدوية للفتك باقتصاد الجزائر، حاولت مرارا وتكرارا ضرب منشآتها النفطية بحاسي الرمل وحاسي مسعود لكن فطنة الجيش الجزائري كانت أكبر. درودكال الذي بدأت القوات الفرنسية تلاحقه في مالي، استغل الظروف الأمنية الصعبة بالمنطقة والتضاريس الوعرة ليكشر عن أنيابه من جديد، ما يؤكد أن الجهاديين الجدد كما يسمون أنفسهم يصرون على قطع الأرزاق لأنها أصبحت أجدى من قطع الرقاب، كيف لا و37 مليون جزائري يعيشون من تجارة الذهب الأسود، والأكثر أن الفائدة ستكون أعم وكاميرات العالم تتحدث عن جرائمهم. والأكثر أن استهداف المنشآت النفطية أضحى ماركة عالمية مسجلة عند الجماعات الإرهابية في دول ما يعرف بالربيع العربي، حيث تعرضت منشآت نفطية في مصر إلى تفجيرات في وقت سابق، مثلما حدث في اليمن وليبيا وتونس اللتين سارعتا إلى تعزيز حراسة قواعدهما النفطية، تحسبا لأي هجوم بعد الذي حدث في عين أمناس التي أنقذ فيها الجيش الجزائري البلاد من كارثة حقيقية. ووسط تحذيرات أطلقتها منذ يومين وكالات الاستخبارات الأمريكية من هجمات جديدة لدرودكال، تبقى الدول العربية وعلى رأسها الجزائر تواجه خطر التطرف في مصدر رزقها. إعداد: حياة سرتاح / فاطمة الزهراء حمادي قال إنها ستصبح المستهدف الأول لجماعات الإرهاب مبتول: علينا تكثيف الحماية على المنشآت الصغيرة دعا الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن مبتول، الدولة إلى ضرورة وضع إستراتيجية محكمة لحماية كل المنشآت النفطية سواء تلك الموجودة في الجنوب الجزائري، أو تلك المتواجدة في مناطق أخرى من الوطن، وتقبع في أماكن معزولة وقليلة الحراسة أيضا. أشار مبتول، في تصريح له ل”الفجر”، إلى أن الجزائر اليوم مطالبة أكثر بتوفير الحماية والأمن لكل منشآتها النفطية بمختلف أنواعها، بما أن صادرات الجزائر في عين أمناس تساوي 18 بالمائة من صادرات الجزائر، ولكن ليس هذا الذي علينا أن نتخوف منه، لأن الدرس من حادثة تيڤنتورين علينا أن نحفظه وأن نضع مخططا أمنيا واسعا لحماية هذه المنشآت المرتبطة بعين أمناس وبحاسي رمل، والتي توزع منها الجزائر صادراتنا للدول الأوروبية، والتي تقارب ال 30 مليار متر مكعب من الصادرات سنويا، والتي تقدر بحوالي 55 بالمائة من الصادرات الجزائرية. هذا الوضع يدعو للخوف والقلق بشأن المخططات الأمنية التي وضعتها الدولة على هذه المنشآت. وأضاف المتحدث في السياق ذاته، أن المعلومات الأكيدة هي أن غالبية الشركات الأجنبية تستغل الحقول الكبيرة، وهي التي تكون مستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية، تماما كما حدث في قاعدة”الحياة” بتيڤنتورين مؤخراً، لكن بما أن الدولة وضعت مخططا استراتيجيا لحماية هذه المنشآت الكبيرة التي تتوفر على الشركاء الأجانب، علينا أن لا نغفل المنشآت الصغيرة، ونتركها عرضة لأي خطر قد يأتي من قبل هذه الجماعات التي جعلتنا اليوم نعيد النظر في السياسة ومخططات الأمن والسلامة التي تعتمدها كبرى الشركات البترولية في الجزائر. هذا ونوه الخبير إلى أن الحراسة الأمنية لن تكون مجانية، كما أن الشركات الأجنبية للأمن والحماية لم ولن تقدم أي إضافات لهذه المنشآت التي ستكون اليد الجزائرية قادرة على حمايتها من خلال شركات الأمن الخاصة، وفي الأخير دعا المتحدث إلى ضرورة أن يكون الأمن الخاص بحماية هذه المنشآت قويا، لأن المحروقات هي أمن الجزائر واستقرارها. قال إنه من حقنا الرد على الإرهابيين بكل اللغات سلطاني: “إلا اللعب بخبزة الجزائريين يا ملثمين ندد رئيس حركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني، بمحاولات الجماعات الإرهابية ضرب الجزائر في عمقها الاستراتيجي عبر استهداف المنشآت النفطية، مؤكدا أن الأمر عندما يتعلق بخبزة الجزائريين فإنه من حق الدولة أن ترد على هؤلاء بكل اللغات، بما فيها السلاح والحديد الذي كان الرد الأمثل أمام محاولات الإرهابيين المساس بشريان الاقتصاد الذي لا نتقوت على غيره. وقال سلطاني إنه غير مسموح للجماعات المتطرفة أن تعبث بالأمن الغذائي للجزائريين، وأن تفكر في استهداف منشآتها النفطية، لأن الجزائر لن تتسامح مع من يلعب بخبزة أبنائها، وسترد على الملثمين أو الموقعين بالدم، أو أي فصيل إرهابي يفكر في الاقتراب من ذهبنا الأسود بكل اللغات بما فيها الرصاص والدم، مشيدا بالرد القوي والذكي للجيش الشعبي الوطني في عين أمناس، عندما قطع الطريق على مصاصي الدم لضربنا في العمق، والحصول على فرائس سهلة يضغط بها على الجزائر كيفما شاء عندما يهرب إلى خارج حدودنا، “جيشنا من طينة الكبار والمسلم لا يلدغ من الجحر مرتين.. نعرف كيف نكافح إرهابنا، ولا ننتظر من أحد أن يقترح علينا أو أن يكون وصيا علينا داخل أرضنا”. وأكد الوزير الأسبق أنه يكفي أن نعرف من هم الموقعون بالدم لنقف على حقيقة مخططاتهم الإجرامية، “الموقعون بالدم فصيل لحركة إجرامية دولية متعددة الجنسيات تضم في صفوفها كل الناقمين على سياسة بلدانهم، ولا يرون حلا للمشكل إلا بالدماء.. لكن من غير المقبول عندنا كجزائريين الاقتراب من قوتنا وقوت أطفالنا”. وبدا الشيخ الذي قطع وعدا بعدم الترشح لعهدة أخرى على رأس حمس التي طلقت الحكومة واثقا من نفسه، وهو يؤكد أنه، رغم سنه، مستعد للعودة إلى صفوف الجيش الشعبي الوطني للدفاع عن بلده وقوت الجزائريين إن تحتم الأمر. اعتداء تيڤنتورين يؤجل مؤتمر إليزي لمحاربة التطرف فلاحي: “مستهدفو المنشآت النفطية قطاع طرق يستحقون أقصى عقوبة” تشدد وزارة الشؤون الدينية على أن مستهدفي الأمن الغذائي للجزائر في الفقه الإسلامي قطاع طرق تشدد عليهم العقوبة، خاصة وأن خطر التطرف تعدى أبعاده إلى محاولة قطع الأرزاق. قال مستشار وزير الشؤون والأوقاف، عدة فلاحي، في تصريح ل”الفجر”، إن وزارة أبو عبد الله غلام الله تسابق الزمن لمواجهة الخطر الذي يترصد بالجزائر عبر بوابة “الدين”، سواء تعلق الأمر بمحاولة إبعاد الجزائريين عن مرجعيتهم الدينية واستغلال ظروف بعض الشباب لتنصيرهم عبر الغزو الثقافي أو اختراق مذهبي من إخواننا في نفس الدين، كما هو الحال مع أتباع الخميني، ليبقى التطرف الذي أذاق الجزائريين على مدار سنوات الدم مرارة “الإسلام السياسي”، الخطر الأكبر الذي يهدد الجزائريين اليوم في لقمة عيشهم عبر استهداف المنشآت النفطية، التي تمد الخزينة العمومية بأكثر من 98 بالمائة من مداخيلها. وأضاف المكلف بالإعلام في وزارة الشؤون الدينية، إن هؤلاء المتطرفين أعداء الأمة يبحثون عبر استهداف المنشآت النفطية، كما حدث مؤخرا في عين أمنس قرب الحدود الجزائرية الليبية، عن ضربة إعلامية كبيرة لارتباط منشآتها النفطية بشركات أجنبية، في محاولة لتدويل مطالبهم، كون الرهائن متعددي الجنسية يضمنون تغطية كبرى القنوات الإخبارية العالمية بوكالاتها وصحفها”، فضلا عما يمكن أن يجنيه هؤلاء المتمردون من تجارة العبيد، والحصول على فدية تمول عملهم الإجرامي الذي تدينه كل الأعراف والتقاليد. وفي رده على سؤال “الفجر” حول مساعي وزارة الشؤون الدينية لمحاربة الظاهرة، وتجنيد كل الجزائريين لمواجهة مد التطرف، أكد ذات المسؤول أن وزارة الشؤون الدينية برمجت منذ مدة سلسلة من اللقاءات لمحاربة التطرف الذي بدأ يأخذ أبعادا خطيرة في الجنوب، بسبب ما يحدث في شمال مالي، خاصة مع انتشار سلاح القذافي الذي بات يهدد المنطقة برمتها، والتدخل العسكري في شمال مالي الذي ستدفع الجزائر فاتورته لا محالة. أكد أن حماية المنشآت النفطية أكبر من شركات الأمن الخاصة بن خلاف: “الإرهابيون يصطادون في خبز الجزائريين” طالب النائب في البرلمان عن جبهة العدالة والتنمية. لخضر بن خلاف، السلطات الجزائرية بحماية قوت الجزائريين ومصدر رزقهم من المتطرفين، الذين يعرفون أن الجزائر تسدد جميع فواتيرها بما فيها الخبز والحليب من مداخيل الذهب الأسود، مشددا على أن حماية المنشآت النفطية من يد العابثين في الظروف الحالية أكبر من شركات الأمن الخاصة. قال بن خلاف، في تصريح ل”الفجر”، إنه يتوجب على الدولة حماية النفط من كل الأعمال التخريبية لأنه قوت الجزائريين ومصدر رزقهم الوحيد، ويكفي أن كل فواتير الاستهلاك بما فيها الحليب والخبز وكل المواد الأساسية التي تدعمها الدولة تسدد من مداخليه التي لا تقل عن 98 بالمائة. وشدد ذات المتحدث على أن حماية المنشآت النفطية بعد الذي حدث في عين أمناس، في ظل الظروف الأمنية الاستثنائية في الساحل بعد التدخل العسكري الفرنسي في مالي لتطهيره من الإرهابيين، وتهديدات القاعدة بحرب لا تنتهي، يؤكد أن التحدي أكبر من شركات الأمن الخاصة المكلفة بحماية العملاق النفطي سوناطراك، وكافة فروعه بما فيها الشراكات مع الأجانب، وأن الظروف الحالية تقتضي تكاتف جميع الأجهزة الأمنية من جيش ودرك لحماية قوت الجزائريين، مضيفا أنه يتحتم على الجزائر أن تأخذ التهديدات الإرهابية على محمل الجد، وتعتمد جميع التدابير الأمنية اللازمة، تجنبا لأي كوارث إنسانية وبيئية في حال فكر الإرهابيون في استهدافها بتفجيرات كما كانت تخطط له في قاعدة تيڤنتورين، عندما كشفت التحقيقات الأمنية أن بعض الرهائن كانوا ملغمين لتفجير المكان. وأضاف النائب في الغرفة السفلى أن إستراتيجية الجماعات الإرهابية تقوم في الأساس على اختيار الهدف القادر على تحقيق أكبر قدر من الأذى والضرر، لضرب الجزائر في العمق، ولتحقيق صدى إعلامي واسع، والأكيد أنها لن تجد أهم من المنشآت النفطية كقطاع استراتيجي يوفر لقمة الجزائريين، ومئات الآلاف من مناصب الشعل، لتنفيذ مخططها الإرهابي.