صدرت النسخة العربية لكتاب رشيد بوجدرة “المجتزءات الخمس للصحراء”، التي أنجزها الشاعر حكيم ميلود. ويعد الكتاب نشيدا للصحراء التي طالما كانت ملهمة الخيال البشري الذي أبدع في وصفها والتغني بما لا يبوح به هذا الفضاء اللا متناهي، الذي قال عن بوجدرة:”ليلا لا وجود للصحراء، كل شيء حالك، فضاء سرعان ما ينتزع ثم سرعان ما يستعاد”. دُعم الكتاب الذي يقع في خمس مجتزءات تُفتح كلها بعبرات ل”سان جون بيرس” برسوم توضيحية من إبداع الفنان رشيد قريشي، لا تتحدث إلا عن الصحراء، حيث وصف بوجدرة الصحراء في القسم الأول أنها “امتداد دائري للأفق المعمى بوميض ما والناجي من العدم ، بين البرتقالي والأصفر،رغم جفاف الهواء، المرمل والزافر، خليط من الأشياء والأقدار المؤثرة لخان قوافل الزمن الماضي؟ فقط بعض الآثار، بعض الخرائب”. كما حمل الكتاب كل الأشياء الجميلة التي تخبئها الصحراء بين كثبانها الرملية وتسدل عليها الشمس أشعتها لتغطيها بدفئها فلا تفارقها إلا في ساعات متأخرة من النهار. ولأن أيام الصحراء أكثر امتدادا قال عنها الكاتب في القسم الثاني “نهار الصحراء هي الغموض، انقلاب كوني تراكم، ثقل زائد غير متسامح للعالم، انقلاب لا يصدق للجغرافيا والجيولوجيا والطبوغرافيا، ليس هناك مكان يكون فيه العماء أكثر تعمية كما في هذا الموضع ! ثم هذا الطاسيلي ذو المهاري التي لا تسبر”. ويتعمق بوجدرة في سرد تفاصيل عشقه لفضاء أقل ما يقال عنه أنه السكون الملفوف بالغموض، مثل ليل طويل يخفي الكثير من الأسرار والمعاني، فجاء في القسم الثالث من سفر بوجدرة عبر خفايا الصحراء قوله “الصحراء نشيد لليل، أيضا أهل الليل ونحن نستمع وننظر إليهم، ندرك أنه يجب البحث عن معنى للعالم”. يواصل الكاتب جولته في المجتزأ الرابع الذي افتتحه بمقولة بيرس “سأواصل جولتي النوميدية، سائرا بحذو البحر الذي لا يملكه أحد”. ويؤكدا الكاتب أن الصحراء ليست قفارا فقط لكنها “التعبير السيزيفي عن العالم.. أين يتصارع الإنسان مع الرمل ما أن ترفع الريح ، الريح هنا ، هي في الوقت نفسه أنثى وذكر”، ليصل في القسم الخامس إلى تجريد الصحراء من سكونها المريح بقوله “الصحراء خديعة أيضا، برمالها المتنقلة وكثبانها المشكلة بحمى الانتجاع، وجبالها الفحمية وأنهارها الجوفية التي تسيل على مئات الكيلومترات”، متسائلا “لكن أين الله في هذا الركام من الأشياء الجيولوجية في اللامكان“.