لا تزال الجامعة الجزائرية تغرق في المشاكل يفسر في الوضع الحرج الذي يمر به قطاع التعليم العالي، فلم تنجح المنشآت والهياكل التي أنجزت في تقريب الجامعة من الطالب، كما لم تمنع استمرار التسيير الكارثي لقطاع الخدمات الجامعية ناهيك عن المشاكل البيداغوجية التي أضحت تعيق أداء الأستاذ، وتحولت إلى كابوس يرهن مصير الطالب الذي أدخله في نمط ”الاتكالية” الذي تعود عليه، بعد صار واضحا للعيان التزام الإدارة بأمر ”سياسة الكوطة” مع نهاية كل موسم جامعي والذي بموجبه يتخرج حوالي 250 ألف طالب كل سنة. ولم تفلح المحاولات الظرفية التي تلجأ إليها الوزارة الوصية لترقيع ما يمكن تصليحه في قطاع التعلم العالي، لذلك بات حتميا عليها إشراك كل الفاعلين في معادلة الجامعة لإنقاذ صورتها وبعثها نحو الرقي والازدهار لحجز مكانة لها بين جامعات دول العالم وتحسين ترتيبها. اتحادية مستخدمي قطاع التعليم العالي: ”القائمون على القطاع أهملوه وانشغلوا بأمور السياسة” تعتبر الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع التعليم العالي المنضوية تحت لواء النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية ”السناباب” أن الوضع الحالي في الجامعة لا يرضي الجميع، سواء كان على المستوى البيداغوجي أو المستوى الإداري، لأن التسيير الراهن ”كارثي وبكل معنى الكلمة” وأصبح الوضع ”في حالة متقدمة من التعفن حتى وإن تعلق الأمر بقطاع حساس كقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، إلا أن السلطات العمومية والوزارة الوصية لا تولي أهمية لما يحدث”. وذكر رئيس الاتحادية الوطنية لمستخدمي قطاع التعليم العالي، شايبي عبد الرحمان، في فوروم ”الفجر”، بأن قطاع التعليم العالي يعتبر من أهم القطاعات المؤثرة في المجتمع وله تأثير كبير كونه بوابة المجتمع وهو خزان مليء بالطاقات الشبانية التي تدعم في كل سنة إدارات وشركات ومؤسسات الدولة الجزائرية بآلاف حملة الشهادات الجامعية، وفي شتى التخصصات من أجل التسيير والعمل على التطوير في كل المجالات لتحقيق الرقي والازدهار والتقدم، لكن ”هذا القطاع اليوم صار يشرف على تسييره أجانب لا يمتون بصلة للقطاع، كما فتح الشهية أمام أصحاب المال والفساد لاستغلال الفرصة والإشراف عليه، وصارت الشهادات تباع كما تباع السلع والبضائع وتعيينات المسؤولين تكون حسب الولاء”. وأوضح المتحدث أن المشرفين على تسيير القطاع يعتمدون على سياسة ”فرق تسد مع عدم إعطاء أي اعتبار لقيمة العلم والشهادة المحصل عليها مع الغياب التام لتقييم الكفاءة العلمية، ومبدأ تكافؤ الفرص غائب كذلك بحكم أن العامل والموظف في القطاع يحال على التقاعد بعد خدمة طويلة بالرتبة التي تم توظيفه بها”، مؤكدا أن الجامعة تحولت إلى مجال ل ”البزنسة”. وأضاف المتحدث ذاته ”وهذا الواقع هو ما يحدث في قطاع الخدمات الجامعية من تجاوزات تتم بالجملة وتصوروا حتى مادة الخبز، مثلا في جامعة سعد دحلب بالبليدة تقتنى من ولاية بومرداس، ووجدنا الفارق في تكلفة اقتناء مادة ”الخبز” في كل عملية يقارب 25 مليون سنتيم، ومن أغرب ما يحدث داخل قطاع الخدمات الجامعية إلغاء دور الأطباء في مراقبة المواد الغذائية”. و”الخلاصة التي يمكن استخلاصها هو أن قطاع الخدمات الجامعية يسيره متابعون قضائيا، ومدراء ولائيون لا تزال العدالة تلاحقهم فإذا أنهيت مهامهم في ولاية فشلوا في تسيير الخدمات الجامعية فيها بحكم أنه في كل جامعة توجد ولاية يتم تعيينهم في المنصب نفسه في ولاية أخرى”، يضيف المتحدث. وبشأن الممارسة النقابية، أكد شايبي دحمان، أنها ”ممنوعة وفي حال سبب النشاط النقابي الإحراج بطلب كشف الحقائق، فإن مصير النقابيين يكون العزل والتحويل وهناك أدلة تثبت هذه الممارسات”، مذكرا أن نقابته طالبت ”في عدة مرات لقاء الوزير وطرح انشغالاتها عليه، لكن في كل مرة الطلبات لا يتم الرد عليها، أو تكون الحجج بأن الوزير مشغول في اجتماع، لكن الواضح أن الوزير نسي أو تناسى أنه يشرف على تسيير قطاع حساس لذلك لا تهمه وضعية الطلبة ومشاكل العمال والموظفين بقدر ما يهمه ما يحدث في جبهة التحرير الوطني”. مجلس أساتذة التعليم العالي: ”يجب تفادي الجهوية والحزبية في التعيينات” خلال تدخله في فوروم ”الفجر”، الذي تناول قطاع التعليم العالي ومشاكل الجامعة، أكد منسق المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي رحماني عبد المالك، مساندته للاتحادية الوطنية لمستخدمي التعليم العالي في إضرابها خلال الأسبوع المنصرم بسبب عدم تلبية الوزارة الوصية لمطالبها الشرعية، مؤكدا في السياق ذاته أنه ”لا يمكن بناء جامعة فعالة بدون أبنائها وهؤلاء والجميع هم أبناء الجزائر للدفاع عن جامعة عمومية ويجب أن يكون هناك تكامل لبناء جامعة قوية وفعالة في مستوى التحديات”. وبالنسبة ل ”الكناس”، فإن ”الحلول ليست في الاحتجاجات والإضرابات، بل في الحوار الجاد والبناء والشراكة الفعلية الحقيقية هي إشراك كل الفاعلين في القطاع لمناقشة ودراسة والاستماع إلى المقترحات للخروج بحلول نهائية لا ظرفية لمختلف المشاكل التي تعاني منها الجامعة، ونحن كنقابيين لدينا مسؤولية لأن الوضعية التي تعيشها الجامعة في الوقت الحالي حرجة للغاية والقطاع يوجد فيه ما هو سلبي وما هو إيجابي، لكن لا يجب أن نسكت عن السلبيات”. وطالب رحماني ب”تجديد الحوار في القطاع، ولابد أن يشمل الجميع (الطلبة، العمال، الموظفين والأساتذة)، وعلى الرغم من كل التطورات التي عرفتها الجامعة فكل القوانين المطبقة في المجال البيداغوجي، الإداري والمالي تبقى متأخرة وعاجزة، ويجب إعادة النظر ومراجعة طرق التسيير ولكن يجب أن نطرح السؤال التالي: من يفكر للجامعة ومن يخطط لها؟ وعندما لا يشارك الطلبة، العمال والأساتذة في بناء استراتيجية لقطاع التعليم العالي يحدث ما يحدث الآن، وحتى على مستوى النخبة السياسية لا توجد حركية واهتمام بالجامعة حتى في البرلمان، وحولنا ”دمقرطة الجامعة إلى شعبوية”، وأمام كل هذا السلطات العمومية تسير نحو تقسيم الجامعات مع تغييب الأطراف الهامة في معادلة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وعليه لا يمكن الهروب عن الشراكة والحوار ويكون تجديد الآليات بحوار حقيقي وأبناء الجامعة هم من يسيرها (العامل، الأستاذ والطالب)”. وحسب رحماني ، فإن ”الوضع الحالي الذي تمر به الجامعة يستوجب المراقبة، والمتابعة والتوجيه في آن واحد، خصوصا وأن الدولة تصرف الملايير على القطاع، في الوقت الذي تتم فيه تعيينات لتولي المسؤولية وشؤون التسيير دون مقاييس ولا معايير وتتم العملية في الغالب من أجل إحداث توازنات جهوية، حزبية وسياسية مع غياب تقييم حقيقي للإصلاحات والجامعة”. وتطرق المتحدث أيضا إلى مسلسل نشر غسيل الفضائح والفساد خصوصا فضيحة تزوير شهادة البكالوريا في وهران، والتي أسالت الكثير من الحبر، متسائلا في السياق نفسه ”من يروج للفساد؟ ومن يريد تخريب الجامعة وتحطيمها بهذه الطريقة؟”. واعتبر منسق ”الكناس” هذه الحملة ”مجرد تصفية حسابات على ظهر الجامعة”، داعيا إلى ضرورة الخروج من هذا المستنقع، ومضيفا أن ”هؤلاء الناس أي (الجهات التي كشفت الفضائح) ناموا لمدة 10 سنوات وبعد ذلك استفاقوا لكشف الفساد والتزوير (لماذا قضية التزوير خرجت في الوقت الحالي) وعليه يجب إبعاد السياسة عن الجامعة”. وفي الشأن البيداغوجي، شدد المتحدث ذاته على ضرورة تكوين متواصل للأستاذ ”البسيكوبيداغوجي”، مع وجوب تكييف مهنة الأستاذ مع المعطيات الجديدة إضافة إلى ضرورة الاهتمام بنتائج البحث العلمي. وقال رحماني ”إن الطالب اليوم يعيش أزمة فقدان الثقة بالنفس بسبب المشاكل البيداغوجية، ونحن لسنا راضين عن أدائه، فقد صار يخاف من النقطة التي تمنح له في الامتحان، ويلجأ في الكثير من الأحيان إلى الاحتجاج على النقاط المحصل عليها، ويطالب بتغيير رزنامة الامتحانات، وتمديد فترة التحضير لها وهذا كله خوفا من النتائج التي يحصل عليها، كما ورث الطالب في الجامعة طريقة ”الاتكال”، فتجده ينتظر الأستاذ فقط ما يلقنه من دروس ومحاضرات، وهو ما ألغى لديه روح المبادرة والإبداع، وتحول إلى مجرد وسيلة تلقي فقط، لكن لا يجب أن نغفل جانبا مهما وهو أن الإمكانيات متوفرة وموجودة، لذلك يجب استغلالها لوقف هذا النزيف إذا علمنا أن 60 بالمائة من الطلبة في السنة الأولى خصوصا في المواد التقنية يعيدون السنة، وهنا يجب النظر في هذه المشكلة العويصة التي تتطلب فتح نقاش وورشات يؤطرها مختصون، وأهل الاختصاص من أساتذة وباحثين بإشراك كل الشركاء الاجتماعيين دون استثناء”. الاتحاد العام للطلبة الجزائريين: ”مدراء الخدمات فاشلون ونظام ”أل.آم.دي” مكانه في الثانوي” أما ممثل الاتحاد العام للطلبة الجزائريين، فارس بلباسي، فيرى أنه ”رغم المشاكل التي تعيشها الجامعة من حركات احتجاجية وإضرابات إلا أنها على العموم تعود بالنفع في الأخير على الجامعة”. وبخصوص المشاكل البيداغوجية فقد ركز على نظام ال ”أل.آم.دي” وكيفية تطبيقه، لاسيما أمام النقص الفادح في التأطير وعدم توفر الإمكانيات لنجاح هذا النظام، ناهيك عن عدم فهم الأساتذة لهذا النظام، كونهم منذ سنوات يدرسون النظام الكلاسيكي، مضيفا أنه ”أمام هذا الوضع حتى رؤساء الجامعات صاروا عاجزين عن إيجاد حلول لهذه الوضعية المقلقة”. وبشأن الخدمات الجامعية، قال بلباسي ”هناك تأطير للكم الموجود في الجامعة خاصة مع وجود مدراء غير قادرين على تسير القطاع، وهؤلاء ليسوا قادرين حتى على تسيير أنفسهم، فكيف يسيرون هياكل يقصدها آلاف الطلبة”. ونفى المتحدث، في سياق آخر، ما يلصق بالتنظيمات الطلابية من اتهامات بأنهم لهم يدا في إعداد قوائم الناجحين في مسابقات الماجستير التي تنظم كل عام، مؤكدا أنه لو كان الأمر كذلك لكان كل منخرط في التنظيمات الطلابية في تلك القوائم، واعتبر ما يروج ضد التنظيمات الطلابية في هذا الشأن ب”الأكاذيب الباطلة التي لا أساس لها من الصحة”. أما عضو المكتب الوطني للاتحاد العام للطلبة الجزائريين كمال بوحزام، فقد أكد أن ”معاناة الطالب في الجامعة تبدأ بعد حصوله على شهادة البكالوريا مباشرة، وهذا ما يجعل المسؤولين في الجامعات في بعض الأحيان يركزون على سياسة ”الكوطة”، وهنا نطرح السؤال أين هي مصداقية الشهادة المسلمة للطالب؟، لكن لا يمكن أن ننسى أن هناك طلبة تعبوا في التحضير لشهادة البكالوريا ونالوها بجدارة واستحقاق وبالتالي لا يجب التعميم لكن تبقى نسبة الرداءة حتى وإن كانت قليلة تؤثر في النسبة الجيدة حتى ولو كانت ضئيلة جدا”. وأشار المتحدث ذاته إلى ”وجود صراعات في بعض الأحيان تقف وراءها جهات مصلحتها خلق جو مشحون داخل الجامعة، خدمة لأغراضها، لاسيما إذا تعلق الأمر بالحركات الاحتجاجية والإضرابات”، مثمنا في سياق آخر ”سعي الدولة لإنجاز الهياكل والمنشآت، لكن هذا لا يكفي أمام المتغيرات التي تحدث في الشأن البيداغوجي، والذي صار يشكل حجر عثرة أمام دكاترة وأساتذة خصوصا نظام ”أل . آل . دي”، حيث تجد العجز واضحا لدى هؤلاء، وهو ما يعني غياب الكفاءة في التأطير، وعليه يجب إعادة النظر في منظومة التكوين في الجامعة بالنسبة للنظام الجديد”، مقترحا أن يشرع في تدريس نظام ”أل . آم . دي” في التعليم الثانوي بإشراك وزارة التربية الوطنية لتحضير طلاب الثانويات مسبقا ليجدوا أنفسهم عندما يلتحقون بالجامعات قد تعودوا عليه. وعن الخدمات الجامعية، أكد المتحدث ذاته أن ”الوجبات رديئة وغير صحية لذا تجد الطلبة يتجهون نحو محلات الأكل الخفيف ”الفاست فوود” و”البيتزيريا” لسد جوعهم، بالرغم من أن الدولة خصصت الملايير لتحسين أوضاع الطلبة لكن تبقى الوضعية على حالها”. الاتحاد العام الطلابي الحر: ”أقطاب الامتياز لإنتاج الجودة والجامعة الإلكترونية ضرورية” يرى الأمين العام للاتحاد العام الطلابي الحر، مصطفى نواسة، أن الجامعة الجزائرية في سياق مسيرتها عرفت إنجازات وسقطات، ويجب على الجميع تجاوز هذه السقطات وأن لا نبقى رهينة للفشل، و”أما الجامعة اليوم تحديات عدم تجاوزها له تأثير جد سلبي على المجتمع بصفة عامة، وقطاع التعليم العالي والبحث العلمي على غرار كل القطاعات، ونحن كتنظيم طلابي مواقفنا نقولها وبكل وضوح، خصوصا لما يتعلق الأمر بإصلاح الجامعة، هذه العملية يجب أن تتواصل بتحديث الآليات في التسيير والتلقين”، معتبرا أن انتشار الجامعة في كل الولايات مكسب للجزائريين، مقترحا التوجه نحو ”أقطاب الامتياز”، و”أن نكون نحن من يقرر مصير القطاع، ونضع نصب أعيننا البحث العلمي، في تخصصات الطاقات المتجددة والفلاحة الصحراوية باستحداث أقطاب الامتياز في المناطق التي يمكن للطالب أن يدرس فيها لتوفرها على المحيط الذي يلائمه لترقية مستوى الجامعة”. وبالنسبة للأستاذ فيرى، نواسة، أنه ”يجب أن يكون في حالة تكوين دائم، مع عملية رقابة دائمة، وكذا خلق نظام التفتيش وضرورة استعمال التقنيات الحديثة، وبخصوص نظام ”أل.آم.دي” فيجب تفاعل الجامعة مع المتغيرات والتطورات والانفتاح مع ما هو معمول به في الدول، كما يجب الابتعاد عن النظام ”الفرانكوفوني” في نظام ”أل.أم.دي” ومطابقته مع النظام ”الأنجلوساكسوني” بالإضافة إلى ضرورة مراجعة نظام المدارس التحضيرية كونه يعاني بعض الاختلالات في الوقت الحالي”. وبخصوص الحوار من جانب الوزارة الوصية مع مختلف الشركاء الاجتماعيين، أكد الأمين العام للاتحاد العام الطلابي الحر أنه ”يشهد تراجعا على المستويين المركزي والمحلي ويجب إعادة بعث الحوار بشكل جدي حتى يساهم الجميع في تطوير الجامعة”. واقترح المتحدث التوجه نحو الجامعة الإلكترونية، خصوصا وأن الجامعة الجزائرية تتوفر على كفاءات وإمكانيات تسمح لها بتحقيق هذه العملية، ومنه التوجه نحو تحقيق الجودة ببذل جهد لتهيئة الأرضية نحو حكومة إلكترونية، ومنه تخفيف الضغط على كل الأطراف، داعيا في السياق ذاته، إلى ضرورة تكوين العمال في التسيير لمسايرة كل التطورات والتغيرات في هذا المجال. وفي الأخير، أكد الجميع على ضرورة أن تكون الجامعة فضاء للعلم والبحث العلمي وتطوير الكفاءات والقدرات، بالتكوين والعمل بمبدأ تكافئ الفرص للجميع، مع فتح أبواب الحوار الجاد وتبادل المقترحات، وإشراك كل الفاعلين في معادلة الجامعة للرقي والتطور والازدهار.