الحكومة تستعجل.. الشعب ينتفض.. الأخصائيون يرافعون والبراءة تدفع الثمن ياسر، شيماء، سندس، هارون وإبراهيم أسماء أطفال لم تشفع لهم البراءة ولم تنصفهم جشاعة النفس البشرية، هي حكاية أبرياء ضحايا من تجردوا بأفعالهم الوسخة من الإنسانية ليختاروا ”الإجرام”، في حين بات حكم القصاص لا يشفي غليل عائلات راحت فلذات أكبادهم غدر مكبوتات تعددت بين عوامل اجتماعية وأخرى نفسية . هزّت ظاهرة الاختطاف أو بالأحرى الاعتداء والاغتصاب من ثم قتل الأبرياء أنحاء كل تراب الوطن، والتي دفعت أرواح قائمة من الأطفال لا يتعدوا سن العاشرة ثمن تراكمات وأمراض نفسية تجمعت في نفوس اختارت الإفصاح عنها بطرق وحشية واكتست طابع الشذوذ. يمر شهر آخر ويدخل الطفل ياسر النفق المظلم، بعد غياب زاد عن تسعة أشهر غياب كل يوم من يضعف أمل عائلة الحاضر الغائب عن الأنظار الذي لا يزال غيابه المفاجئ إلى حد الآن يطرح آلاف من علامات الاستفهام. قصة خطف جعل من أم ياسر امرأة عليلة طريحة الفراش رغم اختلاف النهايات الذي تعودنا على الاستيقاظ عليها كل صباح مفادها أخبار أبرياء حكم القدر عليهم أن يلفظوا آخر أنفاسهم بين أيادي ذئاب باتت تتصف يوم بعد يوم بوحشية خاصة وأن نهايتهم تكون بالاعتداء والقتل. في وقت لا تزال فيه دوافع اختطاف وقتل الطفلة شيماء صاحبة 8 سنوات مجهولة وتطرح مزيدا من الغموض والتساؤلات بعدما اختار قاتلها باب المنزل كعنوان لمباشرة مشروعه الدنيء ليرمي بها بعد ذلك جثة هامدة بمقبرة المعالمة بلدية زرالدة، لتكون سندس ضحية أخرى من ضحايا الظاهرة التي سجلتها الجزائر وبكثرة نهاية 2012 وبداية العام الجاري، غير أنه وإن كانت النهاية واحدة إلا أن هوية قاتل سندس فكت ولو بعد الشفرات بعدما تبين أنها أحد القريبات والعملية تندرج ضمن مخطط تصفية حسابات عائلية لا غير. ليفيض خبر اختطاف وقتل الطفلين هارون وإبراهيم الكأس، وهز مدينة الجسور المعلقة في سابقة لم تشهدها المنطقة من قبل جريمة وصفت بكل وحشية ودون تأنيب ضمير لمت فيها كل أنواع الممارسات الدنيئة من اختطاف إلى اغتصاب وضرب وقتل. جريمة لم ولن يشفي حكم المؤبد غليل أبناء سيرتا الذي لازالوا ولحد الساعة يطالبون بالقصاص لمقترفي أكبر الكبائر. جراح لم تشف غليلها بعد ليستفيق الجزائريين على خبر اغتيال بريئة أخرى من أبرياء الجزائر الذي تعودنا خلال الأيام الأخيرة على ذاهبهم غدرا دون اقترافهم أي ذنب، سناء سدو صاحبة الربيع السابع الذي ودعت الحياة على يدي زوج أمها الذي اختار الخطف كطريقة أسهل وأنجع للتخلص منها بعد ومن ثم رميها في أحد البراميل والتي كانت ضحية أو مجرد طعم للانتقام من سلسلة الشجارات والخلافات التي كانت قائمة بين الزوج وأم سناء. ياسمين صغير ولد قابلية: ”الإعدام ”قرار سياسي” والعودة إليه يحتاج إلى قرار آخر” تعتزم الحكومة خلال الأسبوع المقبل، إعادة النظر في قانون العقوبات في جزئه الخاص بالعقوبات المطبقة على مرتكبي جرم اختطاف الأطفال، حسب ما أكده الرجل الأول في القطاع الداخلي دحو ولد قابلية، بموجب تقرير ستتقدم به وزارة العدل قصد وضع حد نهائي لظاهرة الاختطاف الدخيلة على المجتمع الجزائري. وفي موضوع ذي صلة، أضاف ذات المتحدث، أكد أن هذا الاجتماع يخص إنشاء مجموعة عمل تضم ممثلين عن قطاعات الصحة، العدل، التربية والأسرة إضافة إلى الدرك والشرطة، مهمتها حصر الدوافع النفسية والاجتماعية. وتقديم مجموعة من الحلول والاقتراحات التي تضمن الوقاية والتحسيس حول هذه الظاهرة وكذا التدابير العقابية الصارمة لمواجهتها. كما تمّ الاتفاق خلال هذا الاجتماع على تفعيل العمل الجواري اتجاه الأطفال والأولياء والمجتمع المدني وكذا تكثيف دوريات مصالح الأمن بالمجمعات السكنية. وأبرز ممثل الحكومة أنه أصبح من ”الضروري” تجنيد كافة الأطراف إلى جانب مصالح الأمن من أجل اعتماد ووضع حيز التنفيذ خطط فعالة من أجل حماية الأطفال. وبخصوص حالات اختطاف الأطفال إبعاد وتحويل القصر المسجلة من قبل مصالح الأمن الوطني خلال العام المنصرم، فقد وصل حدود 204 حالة من بينهم 170 فتاة، وفي سياق التعداد وبالنسبة للثلاثي الأول من السنة الجارية فقد سجلت مصالح الشرطة قرابة 30 حالة اختطاف نجم عنها مقتل 4 منهم، خاصة وأن التحليل العملي لهذه الحالات يبرز أن أغلبها تتم بدافع الاعتداء الجنسي من طرف شواذ ومسبوقين قضائيا، وفي حالات قليلة أخرى نتيجة نزاع عائلي أو بدافع الانتقام. وعلى هامش هذه الجلسة العلنية وفي تصريح للصحافة، أكد ولد قابلية أن وقف تنفيذ حكم الإعدام في الجزائر ”ليس مدرجا في القانون وإنما هو قرار سياسي والعودة إلى تنفيذ هذا الحكم يحتاج أيضا إلى قرار سياسي” وبذلك يضيف ذات المتحدث فإن ذات القرار أصبح يحتاج إلى توسيع وتعميم لاغير. رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان، قسنطيني يرافع: ”الإعدام أنجع الطرق للحد من ظاهرة الاغتيال والاختطاف” أبدى رئيس اللجنة الاستشارية للدفاع وترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني تأييده الكلي لقرار الحكومة الرامي إلى إعادة النظر في الأطر والتشريعات القانونية قصد وضع حد لظاهرة الاختطاف وقتل الأبرياء التي ارتفعت مؤشراتها بقوة. وعلى صعيد الأحكام الواجب إصدارها في حق سفاحي الدماء في ما يخص الإعدام أو حكم القصاص الذي طالب به ألاف الأشخاص من مدينة قسنطينة بعد حادثة اختطاف الطفلين هارون وإبراهيم، أكد قسنطيني أن كل هذه الأمور من اختصاص السلك القضائي بالرغم من من عدم تأييده إلى حكم الإعدام الذي لا طالما رافع لإلغائه غير أن هذا الحكم أصبح ضروري للحد من حالات الاعتداء وقتل الأطفال يضيف قسنطيني . وعن موقف اللجنة من الظاهرة كشف أن الهيئة التي يترأسها بصدد إعداد تقرير سيتم إرساله لرئاسة الجمهورية، والذي يتم التطرق فيه إلى أهم النقائص والفجوة الحاصلة في القانون الجزائري للحد من الظواهر المماثلة. كما دعا فاروق قسنطيني إلى ضرورة معالجة الوضع بكل حذر وعدم التسرع في اتخاذ القرارات وصياغة الأحكام، مضيفا في السياق نفسه خاصة وأن العامل الأساسي وراء تفشي ذلك يترتب عن آثار ما خلفته العشرية السوداء ما بات يتطلب دراسة سوسيولوجية معمقة وطارئة. فرق مختصة للتكفل النفساني بأولياء الضحايا كشفت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة سعاد بن جاب الله، أمس، على هامش الجلسة العلنية المخصصة للأسئلة الشفوية بالمجلس الشعبي الوطني عن عمل الوزارة لتجنيد فرق مختصة من أجل التكفل النفساني بأولياء الأطفال ضحايا الاختطاف. وفي السياق، أكدت بن جاب الله على وجود جهود مكثفة بين الخلايا الجوارية المختصة في النشاط الاجتماعي التابعة للوزارة والحركة الجمعوية من أجل ”العمل الوقائي” وذلك تنفيذا للتعليمات الأخيرة للوزير الأول عبد المالك سلال المتعلقة باتخاذ مجموعة من الإجراءات ضد اختطاف الأطفال. الأخصائية النفسانية سميرة شعلال ل”الفجر”: ”قتلة الأطفال من ضحايا العشرية السوداء” قالت الأخصائية النفسية وأستاذة علم النفس سميرة شعلال، في اتصال مع ”الفجر”، إن الأسباب والدوافع التي ساهمت في استفحال ظاهرة الاختطاف تعددت بين السيكولوجية، الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، أوضحت أن معالجة الظاهرة عموما من الناحية النفسية، يكشف بوضوح أن المجرمين ومقترفي أفعال مماثلة من اختطاف، اغتصاب وقتل راجع إلى تراكمات أصعب الفترات التي مرت بها الجزائر إبان العشرية السوداء وبذلك أكدت أن هذه الشريحة هي ضحية أصعب الفترات المعقدة. وبهذا فقد اتخذ قتلة الأبرياء من العنف تعبيرا عن مكبوتات نفسية متراكمة ناهيك عن أنها وسيلة للتعبير عن عدم اندماجية الشخص للمجتمع المنتمي إليه، ولم تستبعد عامل الشذوذ الجنسي الناتجة عن أمراض نفسية متزايدة وعوامل اقتصادية ساهمت بطرح مثل هذه الظواهر على غرار الفقر والبطالة. وحكومة سلال تتبنى إجراءات استعجالية 80 بالمائة نسبة الأطفال المحررين من الاختطاف كشفت آخر الأرقام المقدمة على طاولة الوزير الأول عبد المالك سلال، خلال الاجتماع الوزاري الطارئ التي تم عقده، عن تسجيل 80 بالمائة من نسبة الأطفال المختطفين والذي تم تحريرهم من قبل مصالح الأمن. وحسب التقارير نفسها فقد احتلت الدوافع الجنسية صدارة قائمة الأسباب، إضافة إلى عامل تأثير المخدرات وتصفية الحسابات العائلية. وعن أهم الإجراءات التي تعول حكومة سلال اتخاذها حسب ما خرج به المجلس الوزاري الطارئ والمنعقد مؤخرا يأتي التحسيس، الوقاية والمعالجة القانونية الصارمة ضد مرتكبي الجرائم، إضافة إلى تحديد رقم أخضر موحد بين قوات الدرك والأمن الوطني وتكثيف الدوريات في انتظار المعطيات التي سيفرج عنها فوج العمل المنصب لطرح مخطط عمل استعجالي للحد منها. الأخصائية الاجتماعية ثريا تجاني ل”الفجر”: ”فشل سياسات الإدماج الاجتماعي ساهمت في استفحال الظاهرة ” وعلى صعيد التحليل الاجتماعي، أكدت أخصائية الاجتماع ثريا تيجاني، في اتصال مع ”الفجر”، أن دافع الانتقام والنزعة وتسوية الحسابات إضافة إلى النزعة المادية وأمراض النفس والشذوذ كانت كافية لإعطاء المجرمين القوة اللازمة لاقتراف مثل هذه الأفعال أو بمعنى آخر تعد المحرك الرئيسي لها. واعتبرت ذات المتحدثة أن فشل سياسات الإدماج الاجتماعي من جهة أخرى تلعب دورا فعالا في المساهمة في استفحال ظاهرة الاختطاف والتنكيل الذي أصبحت تطرح إشكال اللاأمن الاجتماعي، مؤكدة في ذات الخصوص أن نتائج العشرية الحمراء هي الأخرى فتحت الباب أمام اقتراف أخطر الجرائم. وعن أهم التأثيرات التي سترجع بها الانتفاضة الشعبية الأخيرة سواء على المدى المتوسط أو البعيد أضافت تجاني قائلة: ”مسيرة الشعب هي مزيج مختلط بين طلبين أساسيين الأول والمتمثل في ضرورة وضع الإطار القانوني اللازم للحد من الظاهرة والثاني غير مباشر وهو المطالب بالحقوق المنتهكة من تهميش وغيرها”. وعليه دعت أخصائية الاجتماع إلى ضرورة فرض أحكام ردعية خاصة مع تفاقم الظاهرة من الاختطاف ووصولها إلى حد الاغتصاب والقتل من جهة، وعلى صعيد آخر الاستعجال في تبني دراسات قصد إيجاد حلول طارئة.